بعد دخول جزء مهم من العالم العربي واندماجهم تعليميا بالمجتمعات المتقدمة ،برزت ظاهرت التخصصات في مجالات عدة،حتى داخل الاختصاص الواحد ،يوج...
بعد دخول جزء مهم من العالم العربي واندماجهم تعليميا بالمجتمعات المتقدمة ،برزت ظاهرت التخصصات في مجالات عدة،حتى داخل الاختصاص الواحد ،يوجد العيد من الاختصاصات .فمثلا كلية الطب في كل جامعات العالم تدرس العديد من الاختصاصات ، وهكذا كلية الهندسة ، وكلية العلوم وغيرها من الكليات ، لكن المفارقة في عالمنا العربي ، أن كلية الصحافة، تختلف عن باقي الكليات بآمرين هامين .
الاول .من حيث الشكل ،يُدَرَسُ فيها اختصاص الصحافة والإعلام، ودوره الوظيفي ،لكن من حيث التطبيق الأمر ليس كذالك ،جل اهتمامهم خدمة الحاكم وخطه السياسي .معتمدين في ذلك على قلب الحقائق حتى ولو جافت الحقيقة..يدّعون أنهم يُدرسون الصحافة والإعلام ، ويتخرج دفعات من الإعلاميين تدعي المعرفة بكل شيءٍ .نشاهدهم على شاشات التلفزة ، خبراء بالاقتصاد ،ومحللين سياسيين ، ويجيدون علم الفيزياء والكيمياء ، والفلك ، وقد ينافس احدهم المنجمون والمنجمات ، والبراجيين والبراجيات ، إذا اقتضت الضرورة لذلك .وقد يدعي بعضهم انه مفكر وباحث وعالم ذرة، لكنه يكتفي بالتعبير عن إمكانياته” المخزونة” ،أثناء حواراته في البرامج اليومية التي ،يستضيف فيها بعض الضيوف والمسئولين على شاشات التلفزة ليعلمهم ويصوب لهم في اختصاصاتهم النادرة باعتباره يمتلك الموسوعة المعرفية الكبرى !؟!.
الأمر الثاني .يتعلق بشخصية الإعلامي أو الإعلامية ،التي تدير حوارا مع الباحثين ،والأطباء،و المفكرين و السياسيين الذين ،يتبنون العلمانية والخيارات الديمقراطية ، ويناضلون من اجل قيام نظام ديموقرطي علماني في أوطانهم يتم فيه فصل سلطة الدين عن الدولة .نستغرب عندما نشاهد الإعلامي المحاور له وقد سبقه بتبني أفكاره ليشعر الباحث أو المفكر انه لم يقدم شيئا لمستمعيه، مع محاور يدّعي المعرفة بكل شيء.قد نفهم الأمر لكننا لم نتفهمه .ولن نطيل الكلام عن المقاطعات والخطوط الحمراء التي يرسمها المحاور إثناء اللقاء الذي يأخذ نصف زمن اللقاء للمقاطعة والتعبير عن الذات .
إن ما نستغربه كمشاهدين وكمتابعين ظهور نفس الإعلامي أو الإعلامية في برنامج آخر ،يستضيف فيه إحدى رجال الدين الذي يصنفه الإعلامي “بالعالِم أو العلامة” ويعطي نفسه الحق ،ليتقدم كعالم !!مستهتر بالعلم والعلماء يكفر من يشاء ، ويعتبر كل من ليس في صفه على ضلال ، ويفتح أبواب جهنم ،على من يخالفه الرأي .ويعتبره زنديقا أو كافرا وقد يفتي بقتله، أو تهجيره .ويفاجئنا محاوره بالتطابق والتوافق مع كل ما يقوله: رجل الدين هذا .ويقتصر نشاط الإعلامي في البحث عن أفكار أسطورية ومتخلفة ليقدمها لرجل الدين ليبني عليها علمه الأبدي!!هل هكذا تصنع كلية الصحافة كوادرها؟!
هذا الواقع المزري على صعيد التفاعل الايجابي والسلبي،والتناقضات المزرية، يعطي صورة واضحة عن تفكك المجتمعات العربية وانهيارها نحو الأسواء. ويقدم صورة المستقبل المظلم لهذه الأمة ، التي استخدمت أدوات الهدم في البناء وأدوات البناء في الهدم.ويفضح دور الإعلام المضلل والمنحاز لحاكم سعيد بجهل من حوله.
إن احد ينابيع الثقافة الأهم في العالم العربي هي شاشات التلفزة،”وقد تكون الوحيدة” طالما أن المواطن العربي غير راغب بالقراءة أصلا. ولا يعتبرها شرطا حياتيا كباقي المجتمعات المتنورة ،ومنهم من يعاديها ويحاربها ، طالما أن معظم المؤسسات السلطوية القائمة الدينية منها والسياسية ، غير راغبة بتشجيع الثقافة واعتبار القراءة ضرورية .لا بل قد تضع بعض العراقيل أمام القراء ، وتعمل على تشجيع بعض الشرائح الاجتماعية التي تقاطع القراءة ، بمزيد من الحوافز التي تشكل عامل هدم ،وإحباط لمن يرغب بالقراءة .إن استضافة لاعب من فريق الكرة على الشاشات والأهمية التي تُعطى له تجعل الشباب المتابعين يحلمون بالوصل إلى مرتبته ،و بالإضافة إلى الإغراءات المادية التي يتمتع فيها لاعب كرة القدم .
من هنا يأتي العتب واللوم الشديدين ليس على الإعلاميين والإعلاميات بل على وزارات الإعلام العربية من جهة ، وعلى كليات الصحافة والإعلام من جهة ثانية .اللتات تمارسان ادوار تخالف الغاية التي وجدتان من اجلها .
إن استفراد شاشات التلفزة بتصدير الثقافة في ظل تغييب المسرح والسينما والإعاقات المتنوعة أمام توفير المناخات المناسبة المادية والمعنوية والنفسية للقراءة والبحث ، جعلت المحطات الفضائية المشبوهة المصدر الوحيد للثقافة أمام غالبية شرائح المجتمع .
بيد أن التشجيع الغير محدود لمتابعة المونديالات التي تقام من قبل الدول العربية والأموال التي تهدر بسببها تجعل المواطن العربي في حيرة من أمره ،لمن يشكي همومه إذا كانت قادة الدول تهتم بالكرة أكثر من اهتماها بصحة الإنسان وتعليمة .فالمسؤولية الحقيقية تقع على العارفين وليس على الجهلاء .
إن وزارة الثقافة ووزارة الإعلام تتحملان المسؤولية أمام الأجيال القادمة . وليس معقولا أن تكلف لعبة ألفيفا الدولة أكثر من المبلغ الذي تنفقه على مراكز الأبحاث العلمية ، أو ميزانية وزارة الصحة أو أية وزارة أخرى. ووزارة الثقافة تصمت ووزارة الإعلام تشارك بتغطية هكذا حدث دون تعليق يذكر سو التطبيل والتذمير.
* كاتب من سوريا
التعليقات