كان آخر ما دونه الصديق الأستاذ ادريس الكنبوري على صفحته الفيسبوكية مساء يوم أمس الاثنين تأملاته الروحانية التي أوحت له بها اعادة قراءة...
كان آخر ما دونه الصديق الأستاذ ادريس الكنبوري على صفحته الفيسبوكية مساء يوم أمس الاثنين تأملاته الروحانية التي أوحت له بها اعادة قراءة الآية القرآنية: {قل لا تُسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عما تعملون}.
ينطلق الأستاذ ادريس في تاملاته هاته من كون الآية "جاءت في معرض خطاب النبي للكفار، وهو يصف ما يقوم به هؤلاء بالعمل، بينما يصف ما يقوم به من الدعوة بالإجرام". في هذه اللحظة بالذات، ينفلت المدون من اكراه الاعتراف بأن الأمر يتعلق بصراع بين طرفين، احدهما نبي وخلفه أتباعه والأخر هم الكفار، يقوم بكل ذلك دون حسن التخلص. هل غاب عنه أم توجب عليه أن يغيب أن الظهور أمام الخصم بمظهر ضعف قد يكون أحيانا مفيدا في ظل ميزان قوى مختل وظروف غير مواتية.
وهكذا توالت التخريجات الكنبورية وهي تدعي الألمعية والبصيرة النفاذة الثاقبة مع أنها أهملت حقيقة سوسيولوجية منشأها فلسفي محض وهي أن الدين مادام جزءا من الثقافة الانسانية عامة وكونيا فانه بدوره محكوم بقانون الصراع الاجتماعي التي تعد السياسة احدى وأهم واجهاته. من هنا يتعين على كل مشروع مجتمعي اصلاحي جديد أن يعمل على هدم أسس البراديغم القديم وبناء نموذج جديد على أنقاضه ولن يكتب لهذا المشروع النجاح الا اذا اقتنعت به مجموعة من الأفراد وهؤلاء استقطبوا أوليك الى صفوفهم حتى شكلوا فئة اجتماعية قويت شيئا فشيئا شوكتها.
ولا أطن سيادة الذكتور ينكر أن هذه الحقيقة غدت من بديهيات سوسيولوجيا الدين وسوسيولوجيا الفن..في المجال العلمي الأخير تم الاقرار بأن التحف الفنية الخالدة مدينة بمكانتها الرفيعة وقيمتها العالية الى ما حظيت به من تفضيل ومنافحة ومساندة من قبل فئة اجتماعية محددة. وبامكاني أن أبرهن له على مؤشر ملموس وواضح على حضور توتر الصراع من خلال كلمتين اثنتين واردتين في تدوينته وهما الكفر والايمان. اول ما يتبادر الى الذهن أن هاتين الكلمتين تشكلان ثنائية قطباها متناقضان بشكل مانوي؛ أي أن تناقضهما يندرج في اطار ثنائية أخرى وهي ثنائية الشر والخير..
ومادمنا نتعامل بكلمات مخصوصة فهذا يعني أن اللغة ليست وسيلة تواصل محايدة بل نجدها توظف في خدمة وجهة نظر معينة يراد لها أن تكون نموذجا يحتدى بعد مدها بكل مقومات الغلبة والبقاء سائدة سيدة خلال أطول فترة ممكنة. لنقف قليلا عند كلمة "كفر"! مصدر فعل ثلاثي "كفر" يعني غطى، فنقول كفر الحب بالتراب؛ أي غطاه به، لهذا سمي الفلاح بالكافر لقيامه بنفس الشيء في حرثه وزرعه، وهذا ما يؤكده النص القراني من خلال هذه الآية :
((اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) (الحديد:20). النتيجة التي يمكن الخروج بها في تهاية هذا التوضيح أوالتذكير هي أن آلية الصراع والدفاع من أجل البقاء والنجاح اقتضت استعمال المعنى المجازي للفظ وتوظيفه بشحنة قدحية لوضف الآخرين المخالفين والمختلفين، حيث تم نعتهم بالكفار ليس لأنهم يغطون الحب بالتراب بل لأنهم يغطون الايمان بالكفر..
التعليقات