$type=ticker$count=12$show=post$cols=3$cate=0

التوتر بين التطلعات العقلانية والمتطلبات التجريبية في فلسفة إدموند هوسرل (10/10)

ترجمة: أحمد رباص المقال الأصلي:   http://encyclo-philo.fr/husserl-a/ فيما يلي الجزء التاسع من الترجمة: ب- بنية الأفق مهما كان...


ترجمة: أحمد رباص
المقال الأصلي:  http://encyclo-philo.fr/husserl-a/
فيما يلي الجزء التاسع من الترجمة:


ب- بنية الأفق
مهما كان وضعه (روح، ذات متعالية ، أنا، موناد)، يكون الوعي قادرا على القصدية، وهذا يعني أنه قادر على تجاوز ما يحس به على الفور ليستهدف محتويات تتعالى عليه. لكن، لا يكون ذلك ممكنا سوى لأن الوعي نفسه ليس بنية بسيطة محتشمة، مكونة من العديد من الذرات الحسية المعزولة. بعيدًا عن كونه سلسلة متقطعة من الانطباعات الفردية، فإن تيار الوعي يتوفر على تنظيم بحيث يتم تسجيل كل انطباع في "أفق" الانطباعات المتزامنة الأخرى ولكن أيضًا الأمامية والخلفية، والتي تدخل في علاقات "الانصهار"، "التباين"، "التشابه"، الخ.، التي هي نفسها قد تم ادراكها. وهكذا، فإن الأحاسيس التي تحدث أثناء الإدراك البصري للتفاح الأخضر تدخل في علاقة تباين مع الأحاسيس المتزامنة للخلفية البنية التي على أساسها انفصلت، في حين تكون حاضرة في استمرارية الاحساسات باللون الأخضر نفسه الذي أحسست به للتو عندما كنت أشاهد هذه التفاحة والإحساسات بالأخضر ذاته التي سوف تنتابني عندما سأشاهدها مرة أخرى في لحظة من اللحظات.

هذه التصور الغني من حيث التجربة - أغنى بكثير من ذلك الذي اقترحته التجريبية الذرية - يساعد على شرح كيف، في تيار الوعي، يمكن أن تحضر محتويات ليست فقط مبنينة، ولكن أيضا لديها هوية "معينة"، أي كما لو كان بامكانها أن يتم الاعتراف بها على أنها هي "نفسها"، حتى عندما تقدم نفسها في لحظات متمايزة من تدفق الوعي. الاعتراف بنفس الذات لا يعني أن الوعي يكتفي بفورية محتوى حسي، ولكن يدرجه ضمن أفق أحاسيس أخرى، سبق له أن خبرها،أو هو مقبل على الاحساس بها. لكن هذا ممكن فقط بفضل دينامية معينة لتيار الوعي مثل تلك التي وصفها كتاب "مبادئ علم النفس" لويليام جيمس، والذي كان هوسرل قد قرأه وشرحه بعناية. على هامش الأحاسيس التي تنتابنا على الفور، يقول جيمس، تظهر دائما، في "شرائح" الوعي، "هالة" من انطباعات أخرى متجاورة "تتعدي" (overlap) قليلا الأحاسيس الأولى وتمارس عليها تأثيرا. وفضلا عن الأحاسيس التي هي مركز اهتمامه المباشر، يمتلئ الوعي ب"أفكار ضمنية" (overtone) تفسح المجال لظواهر انصهار المعطيات الحسية (التي تساعد، مثلا، على إدراك متوالية نوتات موسيقية ككل)، ولكن أيضًا لجعلها تتصادى أوتتناغم (Obertöne) وهو ما درسه شتومبف مطولًا (انظر القسم [7.a]).

7- انتقادات
ان تأثير هوسرل على فلسفة القرن العشرين كبير. الوجودية، الهرمينوتيقا، فلسفات هيدجر، ليفيناس، دريدا، إلخ، كل ذلك يجد أصله في الفينومينولوجيا. ومع ذلك، فإن هذه الفلسفات ليست مجرد تتمات للعمل الهوسرلي. وبالتالي فإنها غالباً ما وجهت إليه انتقادات حادة. نذكر في ما يلي أهمها.

أ- نقد النزعة البسيكولوجية في الأعمال الأولى
في عام 1894، نشر غوتلوب فريغه مراجعة صارمة ل"فلسفة الحساب". عاب فريغه على هوسرل كونه انطلق من تصور ساذج للعدد - كتعدد من الوحدات -، وفضلا عن ذلك، إضاعته موضوعية الأعداد بأن جعل منها تمثيلات بسيطة بواسطتها يلزم تبيان تكوينها النفسي. ورفض فريغه على وجه الخصوص النظرية التي تعتبر الوحدة الحسابية تمثيلًا "مجرّدًا" يجب الحصول عليه بتنقية التمثيلات المحسوسة "في الحوض البسيكولوجي" لتخليصها من خواصها الملموسة الخاصة. بالنسبة لفريغه، العدد أو الوحدة هي محتويات موضوعية للفكر وليست تمثيلات ذاتية أو صور ذهنية يمكن الحصول عليها عن طريق إجراء عمليات نفسية على صور ذهنية أخرى.

تلقى نقد فريغه هذا موافقة معينة من هوسرل في « Prolégomènes à la logique pure » لعام 1900، وهي المقدمات التي أدانت بشدة النزعة البسيكولوجية باسم موضوعية المعاني والعلاقات المنطقية التي ترتبط بعضها ببعض (موضوعية سيمنطيقية)،على أن هوسرل ينسب شدة انتقاده إلى حقيقة أنه هو نفسه ارتكب الخطأ البسيكولوجوي في الماضي. ومع ذلك، فأن تكون النزعة اللابسيكولوجية لدى هوسرل مختلفة كثيرًا عن تلك التي لدى فريغه، فهذا ما يظهر بوضوح شديد عندما نرى المكانة الرئيسية التي تستمر التحليلات الوصفية - البسيكولوجية في احتلالها ضمن المباحث المنطقية الستة التي شكلت على نحو مباشر تتمة ل" Prolégomènes ". التباين لافت بين فريغه، الذي بعد رفضه للنزعة البسيكولوجية أزال تماما علم النفس من اهتماماته (الابيستيمو)منطقية، وبين هوسرل، الذي ما ان غذت الدوائر المرعية لأفعال (القوانين الواقعية) و لمحتويات (القوانين المثالية) حتى سعى جاهدا للتفكير بدقة في العلاقة القصدية بين هذه وتلك.

في هذا الصدد، ظل هوسرل بلا شك وريثا لهذا التلميذ الآخر من تلاميذ لوتز، كارل ستومبف، الذي سلط الضوء في وقت مبكر من عام 1892 على رهانات ومفردات النقاش حول النزعة البسيكولوجية، ولكنه قدم أيضا سلسلة من الملاحظات المفيدة المؤسسة على التمييز بين أفعال التمثيل ومحتوياتها، وهو التمييز الذي يفترض في الواقع من قبل النظرية البرنتانية عن القصدية والتي وجدت من جهة أخرى في أساس الملاحظات اللابسيكولوجية (المبثوثة) في أعمال العديد من تلاميذ برنتانو في اللحظة نفسها التي ينصحون فيها باستخدام أدوات علم النفس الوصفي وهو يحذون حذو معلمهم.
ب- نقد التداعيات في النزعة البسيكولوجية بعد " « Prolégomènes à la logique pure »

أدت العودة إلى الأبحاث المنتمية لعلم النفس الوصفي بعد الاختراق اللابسيكولوجي ل"المقدمدات" إلى إرباك أكثر من قارئ للمباحث المنطقية، خصوصا ناتروب، الذي عبر عن عدم ارتياحه تجاه ما اعتبره "تداعيات في النزعة البسيكولوجية". كما فعل هوسرل في رده على ناتروب، فهم مشروعه في عمل 1900-1901 يفترض بالضبط أن يندرج في هذا التوتر بين التأكيد على موضوعية المحتويات الفكرية ومتطلب وصف الطريقة التي يمكن بها أن تكون هذه المحتويات مستهدفة ومعطاة في أفعال الوعي.
الاتهام بوجود تداعيات في النزعة البسيكولوجية، أوفي النزعة الأنثروبولوجية أو في النزعة التاريخانية سوف يوجه أيضا إلى هوسرل مباشرة بعد نشر "الأفكار التوجيهية." بعد إبراز البعد المتعالي والخالص للذاتية، أصر هوسرل مجددا وفعلا على سلبية الأنا كذات تجريبية وبوصفها الطريقة التي يؤثر بها نقشها الجسدي، وكذلك رسوخها في بيئة سوسيوثقافية متموقعة تاريخيا، على النشاط المتعالي.بعد ازاحتها جانبا في وقت سابق، لم يتم إلغاء مسألة الأصل والتكوين كلية من الفينومينولوجيا، ولكن بدلاً من ذلك يتم دعمها باستبدال البحث عن الدوافع بالبحث عن الأسباب. في فرنسا، سيطرح جان كافاييس وجان-توسان ديسانتي تساؤلات حول إمكانية التوفيق بين منطق مثالي وذاتي وبين أساس، أو من باب أولى تكوين، ذاتي.

ب- نقد الواقعية الأفلاطونية في "المباحث المنطقية"
خلافا للانتقادات السابقة، بعض قراء "المباحث المنطقية" و "المقدمات" على وجه الخصوص، ولكن أيضا تطورات لاحقة مكرسة للماهيات وهبتها الحدسية، تحركوا بالواقعية الأفلاطونية التي بدت وكأنها تنبثق من هذه النظرية حول الصفات الفكرية الممنوحة للتأمل في الوعي. هكذا سيعتبر هوسرل الماهيات حقيقة ميتافيزيقية مطلقة، لها شكل من أشكال الوجود المستقل.

وبينما هوسرل يعيد التأكيد على الطابع الموضوعي للمحتويات الفكرية غير المحسوسة، دافع عن هذه القراءة في الفقرة 22 من "الأفكار التوجيهية"، مصرا على أن الفكرانية ليست بالضبط كالواقعية، وأن الفكرانية، كما أظهرت "المباحث المنطقية"، تفترض أعمال التفكير التي تؤسس الحدس المقولاتي على الحدس الحسي. أرجعت مقدمة المبحث المنطقي الثاني بالفعل فكرانية المعاني الى اشكالية المثالية.

ارتباطا بشبهة الواقعية الأفلاطونية، فهم الوصول الى الفكرانيات بواسطة الحدس المقولاتي على أنه نوع من "الرؤية" الصوفية للامحسوس، وبالتالي كعودة غير محتملة إلى شكل من أشكال الحدس الفكري ". لكن هوسرل أوضح أن الحدس المقولاتي ليس مباشرا: يجب أن يقوم على حدس حسي.

ج- نقد المنعطف الترنسندنتالي
ظل كل تلاميذ هوسرل الأوائل، متجمعين في دائرة ميونيخ-غوتنغن، منهم أدولف ريناش ورومان إنغاردن، مرتبطين ب"واقعية "المباحث المنطقية"، وأدانوا إعادة تفسير لاحقة للفكرانيات باعتبارها نماطات تشكلت من النشاط المتعالي للأنا. برفضهم المثالية المتعالية في "الأفكار التوجيهية"، كانوا يرغبون في التمسك بالأطروحة التي بموجبها يتم منح ماهية معينة لكل جسم، والذي يملي على الوعي طريقة في التصويب نحو الهدف والحدس الخالص. من جانبه ، أكد هوسرل أنه كان دائمًا يعتبر أن هذه الفكرانيات لا يمكن أن تتشكل إلا في أفعال الوعي.

التعليقات

الاسم

اخبار العالم,2027,اخبار العرب,1748,اخبار المغرب,6522,أرشيف,10,أسبانيا,4,اسبانيا,170,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,5,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,308,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,59,اقتصاد,986,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الأردن,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,17,البرازيل,11,الجزائر,299,السعودية,15,الصحة,118,الصين,25,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,23,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,74,اليمن,23,إيران,44,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,13,تاريخ,5,تحقيق,1,تحليل,2,تدوين,759,ترجمة,1,تركيا,19,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1305,تقرير صحفي,75,تونس,90,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,388,حزب الله,9,حماس,1,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,76,رياضة,374,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,14,سوسيال ميديا,15,سوشال ميديا,15,سياحة,1,سينما,28,شؤون ثقافية,444,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,910,طاقة,25,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,1,علوم و تكنولوجيا,314,عناوين الصحف,322,غزة,80,فرنسا,180,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,602,فنون,242,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1928,كولومبيا,1,لبنان,21,ليبيا,34,مجتمع,1252,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,7,مغاربي,1045,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: التوتر بين التطلعات العقلانية والمتطلبات التجريبية في فلسفة إدموند هوسرل (10/10)
التوتر بين التطلعات العقلانية والمتطلبات التجريبية في فلسفة إدموند هوسرل (10/10)
https://1.bp.blogspot.com/-lVznsUYgaKI/WxxLFPq5qMI/AAAAAAAAtwo/BrGrBq1YQK0uFoCcrRPaAHQr97UA0eO_wCLcBGAs/s640/Frases-de-Edmund-Husserl.jpg
https://1.bp.blogspot.com/-lVznsUYgaKI/WxxLFPq5qMI/AAAAAAAAtwo/BrGrBq1YQK0uFoCcrRPaAHQr97UA0eO_wCLcBGAs/s72-c/Frases-de-Edmund-Husserl.jpg
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2018/07/1010.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2018/07/1010.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy عناوين رئيسية