في تقديري، من أجل فهم دقيق لأي خطاب او موقف او... لابد من وضعه في سياقه لفهم الاليات المتحكمة في انتاج هذا الخطاب او هذا الموقف، واذا اس...
في تقديري، من أجل فهم دقيق لأي خطاب او موقف او... لابد من وضعه في سياقه لفهم الاليات المتحكمة في انتاج هذا الخطاب او هذا الموقف، واذا استعنا بهذه المنهجية في قراءة خرجة بنكيران، سيتضح لنا ما يأتي:
لنتذكر أن هذه ليست هي الخرجة الأولى لبنكيران حول المقاطعة، بل هي الخرجة الثانية بعد خرجته في بداية المقاطعة من خلال تصريح منحه لموقع "كود" ولجريدة أخبار اليوم، حينها قال أن المقاطعة مشبوهة وغير بريئة، عندما استنكرنا ذلك، خرج اتباعه علينا ليلتمسوا له العذر، اكثرهم سذاجة وبلادة، قال لنا: لا يمكن أن نثق بما ينشر في الصحف على لسان بنكيران، فالرجل كثيرا ما يتعرض كلامه للتحوير، وعليه لنتأكد أنه قال هذا الكلام عن المقاطعة، يجب أن نسمع حديثه كاملا بالصوت والصورة، انذاك سنتأكد أنه فعلا خرج ضدّ المقاطعة. أما اتباعه ومداويخه ويساريوه فحاولوا أن يكونوا اكثر شطارة (زعما)، وتحدثنوا عن أن الرجل خرج مرغما ليدفع عن نفسه تهمة الدفع بهذه المقاطعة عبر شبيبة حزبه، لأن هناك من يحاول أن يوحي للماسكين بزمام السلطة، أن تيار بنكيران هو من دفع بهذه المقاطعة انتقاما من أخنوش، وأضاف هؤلاء الفهاماتوريين قائلين: انه في الحقيقة حسنا فعل بنكيران عندما خرج بذاك التصريح الماكر مكر السياسي المحنك، لانه بذلك حرّر المقاطعة من تهمة أنها من اجتراح شبيبة البيجيدي انتقاما من أخنوش، وأن بنكيران كان ذكياً في هذه الخرجة.
حينها، قلنا أن هذا التفسير والتأويل الذي يعطيه هؤلاء لخرجة بنكيران، هو تأويل متهافت ومتساقط، لأن الحقيقة هي أن بنكيران في خرجته هذه لم يكن يفعل، سوى أنه يكرّر مع فعله مع احتجاجات 20 فبراير، وما فعله مع احتجاجات انتفاضة امانديس بطنجة 2015، وما فعله مع احتجاجات الاساتذة المتدربين والطلبة الاطباء وحراك الريف... اذن بنكيران هو هذا، وهذا هو جوهر مواقفه، فدعونا من هذا التمحّل المضحك والمبكي في نفس الان.
واليوم بعد أزيد من شهر على خرجته الأولى، هاهو يخرج اليوم بتصريح على "شوف تيفي" يدافع فيه عن سنطرال بطريقة شعبوية مقززة، تستدر عواطف البسطاء، من خلال اقحام اخت خادمته في الموضوع، وجعلها ضحية للمقاطعة الشعبية لحليب سنطرال، رغم أن القصة التي سردها مثقوبة ولا منطق لها، اذ ليس هناك امرأة لها بقرة وحيدة تدرعليها 30 درهما في اليوم من الحليب، وأن هذه المرأة تدفع الحليب لشركة سنطرال، فهذه الاخيرة لا تشتري الحليب من عند امرأة تملك بقرة وحيدة، هذه العملية غير منطقية وغير واقعية بالمرة، لا من الناحية اللوجيستيكية ولا الاقتصادية ولا شيء، مما يعني أنها كذبة اجترحها بنكيران لدغدغة عواطف الناس والدفاع عن شركة سنطرال.
واللافت أيضا أن بنكيران، كان واضحا في هذه الخرجة، حيث تفهّم وبل حرّض على الاستمرار في مقاطعة منتوجات اخنوش ومريم بنصالح، لكنه في المقابل ترجى المواطنين لايقاف مقاطعة حليب سنطرال، فلماذا الاصرار على وقف مقاطعة سنطرال؟ وما الذي جعل بنكيران يخرج ليدعو الى وقف المقاطعة وهو لا يتحمل أية مسؤولية حكومية، ولا اية مسؤولية حزبية، فحتى حجة ابراء الذمة لم تعد مجدية ولا مكان لها في تبرير الخرجة الثانية، فبما يتعلّق الامر اذن؟
في تقديري، الذي جعل بنكيران يخرج مدافعا عن سنطرال، هو رغبته في بعث رسالة سياسية، هذه الرسالة ليست موجهة إلى القصر أو المخزن بالدرجة الأولى، بل موجهة إلى الداوئر الفرنسية، التي يعلم أنها هي من تتحكم في السياسة والاقتصاد في هذا الوطن، ورسالة بنكيران إليهم هي أنه الوحيد القادرعلى حماية المصالح الاقتصادية الفرنسية بالمغرب، لانه رجل له شعبية كبيرة، ويستطيع أن يُقنع الشعب بأي قرار يتخذه. بنكيران خرج ليقول للفرنسيين: انا الوحيد في المغرب الذي باستطاعته حماية مصالحكم، فكما استطعت أن انقذ شركتكم امانديس من الرحيل ابان اتنفاضة الشموع سنة 2015، فأنا اليوم هو الوحيد الذي يستطيع أن ينقذ شركتكم سنطرال من مقصلة المقاطعة.
وبنكيران يريد من هذا الدفاع عن مصالح فرنسا مقايضة من جنسها، يريد من فرنسا أن تدافع عليه، وتضغط على القصر الملكي ليُعيد بنكيران بعد أن طرده، بنكيران يريد من فرنسا أن تتدخل لدى الملك كي يكف الهمة عن مطاردة بنكيران، ويضع مقابل هذا حماية مصالح الشركات الفرنسية بالمغرب.
ولماذا الخرجة على شوف تيفي؟
الجواب على هذا السؤال يزكي ما قلناه سالفا، اذ كان من المفترض أن تكون خرجة بنكيران على صفحات اعلام حزبه، او على صفحات الاعلام القريب منه مثل "اخبار اليوم، كود، العمق...الخ"، لكن لا شيء من هذا، فالرجل خرج على صفحات موقع الكتروني، هو شخصيا "لا يحمل فيه شعرة" بسبب الهجومات الذي شنه عليه أكثر من مرة، خاصة ايام البلوكاج، وعندما كان رئيسا للحكومة، ومع ذلك اختار بنكيران "شوف تيفي" ليدافع عن سنطرال، فعل ذلك لأن "شوف تيفي" اكثر المواقع شعبية ومشاهدة بالمغرب، وأكثر المواقع شعبوية وتدليسا على القراء، وهو يريد أن تصل دعوته إلى اكبر عدد من الناس، ولكي يخاطب "شعب شوف تيفي" لعل وعسى ينجح في مسعاه، كما أنه لو خرج على صفحات اعلام حزبه لفُهم أن النداء موجه لاتباعه واعضاء حزبه، لذلك اختار "شوف تيفي" رغبة منه في الايحاء انه يخاطب الشعب المغربي قاطبة ويخاطب المقاطعة الشعبية، وليس تيارا او حزبا او جهة معينة.
لكن، للاسف فرغم كل هذه التحرشات المقرفة لبنكيران، سيجد مداوخه ومريدوه ألف مبرر لتبرير وقاحته، حتى يبدو لي أنه لو ادخل بنكيران اصبعه في إستهم، وراح يقلب مواجعهم، لقالوا مغتبطين، أن الزعيم يفعل ذلك دفاعا عن مصالح الوطن، ونكاية بالتماسيح والعفاريت.
*مدير موقع "أنوال بريس" الإخباري
التعليقات