$type=ticker$count=12$show=post$cols=3$cate=0

التوتر بيت التطلعات العقلانية والمتطلبات التجريبية في فلسفة إدموند هوسرل (10/2)

ترجمة: أحمد رباص المقال الأصلي:   http://encyclo-philo.fr/husserl-a/ فيما يلي الجزء الثاني من الترجمة: 2- المنطق والرياضيات ...


ترجمة: أحمد رباص
المقال الأصلي:  http://encyclo-philo.fr/husserl-a/
فيما يلي الجزء الثاني من الترجمة:


2- المنطق والرياضيات

أ- مفهوم العدد
باعتباره واحدا من علماء الرياضيات الشباب الآخرين في أواخر القرن التاسع عشر، ورث هوسرل هذا المشروع الكبير الذي تمثل في حوسبة arithmétisation التحليل، والذي أضاف اليه أستاذاه كرونيكير وويرستراس مساهمات حاسمة. من الآن فصاعدا، يظهر علم الحساب باعتباره أكثر المباحث الرياضية أهمية، وعلى أساسه يمكن بناء نظرية الأعداد الواقعية، ومن خلالها، الهندسة التحليلية. إن السؤال عن أسس المفاهيم الرئيسية في علم الحساب هو إذن ما قام به العديد من منظري الرياضيات، من بينهم فريغه وهوسرل. لكن، إذا توخى الأول توضيحا منطقيا لمفاهيم العدد، المتوالية، المساواة، أو الإضافة، فإن توضيحها النفسى هو ما حظي بالأولوية لدى الأخر. للقيام بذلك، استند هوسرل على دروس فرانز برنتنو وتلميذه كارل شتومبف، اللذين طورا بسيكولوجيا وصفية حللت بشكل دقيق مختلف أنواع الأفعال العقلية، وكذا وظائفها المعرفية والتقييمية.

بعد تحريرها تحت إشراف شتومبف والدفاع عنها عام 1887 في جامعة هال بحضور جورج كانتور، سعت أطروحة هوسرل " Sur le concept de nombre : analyses psychologiques " إلى توضيح مفهوم العدد الطبيعي من خلال " توصيف بسيكولوجي " للأفعال العقلية التي تجعله يظهر. وهكذا، يفترض مفهوم التعدد مفهوم المجموعة، الذي يرتكز على فعل وعي معين، ألا وهو "الرابطة الجماعية"، التي تجعل من الممكن اعتبار أشياء منفصلة مجموعة. ومع ذلك، فإن فكرة التعدد مختلفة عن المجموعة في أنها تفترض أن كل شيء من الأشياء المترابطة في الوعي لا ينظر إليه كذلك بخصائصه الفريدة، ولكن كوحدة بسيطة. لكن هذا يتطلب من الوعي عملا تجريديا يضع جانباً المحتويات الملموسة للأشياء المترابطة ويحتفظ فقط بصفتها كشيء من الأشياء. ولكي تظهر الأعداد المختلفة، لا زال من الضروري طرح السؤال ب"كم"، وهو سؤال يجيب عليه كل عدد إجابة معينة. من جهتها، تستند العلاقات زائد أو ناقص، التي تتحكم في ترتيب الأعداد، على أفعال المقارنة، أفعال نفسية " من الدرجة العليا " بواسطتها، يقول هوسرل، " نتمثل مجموعات تكون عناصرها بدورها مجموعات ". أما بالنسبة للعمليات الحسابية، فإن هوسرل يحدد منها عمليتين أساسيتين، هما الجمع والقسمة، تتمثلان كلتاهما في البناء الفعلي لتعددات جديدة من الوحدات انطلاقا من التعددات التي تم تشكيلها في السابق.

يتناول " Philosophie de l’arithmétique "، وهو أول عمل لهوسرل منشور عام 1891، هذه التطورات. ومع ذلك ، فقد ظل يغنيها بتحليلات مطولة تشدد على عدم كفاية نظرية تغيت الإلمام بالتكوين النفسي لتمثلات الأعداد الطبيعية الأولى انطلاقا من التجربة الحسية لمجموعات صغيرة من الأشياء. معنى هذا أن علم الحساب، كما يؤكد هوسرل، هو قبل كل شيء نسق صوري، نسق يتم فيه تعريف الرموز من خلال علاقاتها الإجرائية برموز أخرى. هكذا، يتم إدخال الأعداد الكسرية للسماح بتعريف a/ b بشكل جيد بالنسبة لأي زوج من الأعداد الطبيعية ؛ يتم إدخال الأعداد السالبة للسماح بتعريف a - b بشكل جيد بالنسبة لأي زوج من الأعدلد الطبيعية ؛ يتم اللجوء الى الأعداد المتخيلة للسماح بتمييز √a بشكل جيد بالنسبة لأيّ عدد صحيح ؛ إلخ..

تتكون فلسفة علم الحساب في الواقع من جزأين، الأول مكرّس ل" المفاهيم الخاصة بالكم والوحدة والتعداد "، والثاني مخصص ل" لمفاهيم التعداد الرمزية وللمصادر المنطقية لعلم حساب التعدادات ". ما شغل بال هوسرل الشاب في هذا الكتاب هو بالضبط أن علم الحساب لا يصنع بشكل أساسي من تمثل "خاص" للأعداد (يتم تشكيله عن طريق التجريد على أساس مجموعات محدودة من الأشياء التي يمكن تقديمها وتمييزها في الحدس الحسي)، لكن من تمثلات "رمزية"، وهي تمثيلات لا تعطينا، مثلها مثل الأعداد الكبيرة جدا، محتوى الا بشكل غير مباشر - بواسطة العلامات - والتي يقوم تكوينها بالتالي على أفعال عقلية أكثر تعقيدا بكثير من تلك التي قدمها هوسرل في الجزء الأول من الكتاب المخصص لتمثلات الكميات الحدسية.

واجه هوسرل، شأنه في ذلك شأن أستاذيه كرونيكير وويرستراس، حقيقة أن الرياضيات ليست حصريا تمثلات حدسية واستدلالات يمكن بناؤها على أساس من هذه التمثلات - وجهة نظر ظل كانط يدافع عنها قبل قرن من الزمان. باعتبارها مشكلة من تمثلات حدسية، تصبح الرياضيات، بالتالي وبالأساس أنساقا من علاقات صورية قائمة بين تمثلات لم تعد تتمتع بنفس حدسيتها. مثلا، ننتقل من الأعداد الطبيعية الأولى إلى الأعداد السالبة، الحقيقية والمتخيلة أو من نقط، مستقيمات وسطوح الفضاء الأوقليدي إلى نقط، خطوط وسطوح الفضاءات غير الأوقليدية. في الواقع، هذا الانتقال من الرياضيات الحدسية إلى الرياضيات الصورية هو ما سعى هوسرل، مثل معاصريه ، إلى فهمه إبان المرحلة الأولى من حياته الفكرية. وبينما ظهر، في بداية سنوات 1890، تحت تأثير النزعة الاسمية لكرونيكير، على أنه ما زال يعتبر أن هذا الانتقال لن يفسح المجال سوى لاقحام تعابير لغوية جديدة تسمح بتمديد الحسابات - أي الفكرة المستوحاة من برينتانو عن تمثلات رمزية بشكل خالص أو تمثلات غير ملائمة -، اتجه تدريجيا الى وجهة نظر أكثر صورية، ترى أن الرياضيات الصورية أصبحت فعلا ذات موضوع جديد للمعرفة، ألا وهو "التعددات" الصورية، حيث لا يتم تعريف كل كيان على حدة ببداهات خاصة، ولكن بعلاقاته البنائية مع سائر الكيانات الأخرى.

كان نشر كتاب " Recherches logiques " بين سنتي 1900 و1901 علامة فارقة على منعطف لابسيكولوجي بالنظر الى صدور كتاب " Philosophie de l’arithmétique " عام 1891. ولكن بالاضافة الى مسألة النزعة البسيكولوجية هاته، فان ما مفصل التطور من وجهة نظر هوسرل بين هذين الكتابين هوهذا المشكل الذي طرحه البعد الحدسي-البناء والبعد الصوري للرياضيات، وهو نفس المشكل الذي تمحورت حوله تلك السجالات التي عارض فيها كرونيكير صديقيه ديدكيند وكانتوروتلك التي سوف يعارض فيها لاحقا بروير زميله هيلبرت. هكذا نجد ان اهتمام المنعطف الذي أنجزه هزسرل بشرعية توضيح بسيكولوجي معين للتمثلات أقل من اهتمامه بطبيعة ما يتعين توضيحه، أي بنيات العلاقات المنطقية-الصورية التي لا تختزل في البناء الحدسي لتمثلات انطلاقا من أخرى، بل التي تصدر فقط - مثلما فهم أخيرا - عن علاقات إجرائية بين تعابير رمزية ( 3 - 2 = 1- ، i = √-1، الخ).

بعد التخلي عن كتابة الجزء الثاني من Philosophie de l’arithmétique، الذي كان يفترض فيع توضيح " تبرير الاستخدام، في الحساب ، لأشباه أعداد مكونة انطلاقا من عمليات عكسية، الأعداد السالبة، الأعداد الخيالية، الأعداد الكسرية، اتجه هوسرل نحو نظرية التعددات التي ستطبع من الآن تصوره للرياضيات وسيتم التعبير عنها لاسيما في محاضرة حول مسألة " الأعداد الخيالية " التي ألقاها عام 1901 أمام جمعية الرياضيات في غوتنغن بدعوة من ديفيد هيلبرت.

كما رأينا سابقا، فإن إدخال الأعداد الجذرية، سلبية أو حقيقية ، وإدخال الأعداد الخيالية لا ينطوي فقط على توسيع للمفهوم الأولي عن"العدد"، ولكنه يفترض استبداله بآخر، يستجيب للقوانين الجديدة جزئياً. لذلك فإن شرعية هذه الإدخال هي الاستمرار من علم حساب لآخر. كيف يمكنني الادعاء بأن الأعداد الطبيعية لـمجموعة ℕ هي الأعداد الموجبة لـمجموعة ℤ والأعداد الصحيحة الموجبة لـمجموعة ℚ؟ باعتباره شكليا بشكل نموذجي، ركز جواب هوسرل عن هذه المشكلة على كيفية ارتباط القوانين الجديدة بالقوانين السابقة. ووفقا لهوسرل، فإن "التعدد"، أي مجال من الأشياء التي تحددها العلاقات المتبادلة اللازمة، يكون "معرفا" إذا لم يكن هناك غموض في بنية هذا المجال، مما يفترض مسبقا أن نظرية هذا المجال قد أصبحت بديهية بطريقة تجعل أي قضية من النظرية "محددة"، أي أنه يمكن أن نستنتج إما هذه القضية أو تناقضها من بديهيات النظام. عندما تكون البديهيات بالتالي "كاملة"، والتعدد المقابل "محددا" على أتم وجه، فلا مانع من أن ندخل فيه كيانات جديدة بطريقة صورية، شريطة أن يكون نظام البديهيات الجديد - ومجال الأشياء الموسع - متسقا. ستكون الأعداد الخيالية "قابلة للإزالة" تمامًا ، نظرًا لأن جميع القضايا البديهية في النظام الموسع يمكن إثباتها في نظام البدء. وبالفعل، وبحلول اكتمال نظام الانطلاق، فإن العكس سيعني ضمنيا أن متناقضات هذه القضايا يمكن إثباتها في النظام المنطلق، كما في النظام الموسع، الشيء الذي يستبعد اتساق هذا النظام الثاني.
(يتبع)

التعليقات

الاسم

اخبار العالم,2030,اخبار العرب,1751,اخبار المغرب,6527,أرشيف,10,أسبانيا,4,اسبانيا,170,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,7,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,308,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,59,اقتصاد,989,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الأردن,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,19,البرازيل,11,الجزائر,299,السعودية,15,الصحة,118,الصين,25,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,23,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,74,اليمن,23,إيران,47,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,15,تاريخ,5,تحقيق,1,تحليل,2,تدوين,762,ترجمة,1,تركيا,19,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1306,تقرير صحفي,75,تونس,91,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,388,حزب الله,10,حماس,1,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,76,رياضة,375,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,14,سوسيال ميديا,18,سوشال ميديا,15,سياحة,2,سينما,29,شؤون ثقافية,447,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,911,طاقة,25,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,1,علوم و تكنولوجيا,315,عناوين الصحف,322,غزة,82,فرنسا,180,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,607,فنون,243,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1930,كولومبيا,1,لبنان,21,ليبيا,34,مجتمع,1254,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,8,مغاربي,1046,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: التوتر بيت التطلعات العقلانية والمتطلبات التجريبية في فلسفة إدموند هوسرل (10/2)
التوتر بيت التطلعات العقلانية والمتطلبات التجريبية في فلسفة إدموند هوسرل (10/2)
https://1.bp.blogspot.com/-lVznsUYgaKI/WxxLFPq5qMI/AAAAAAAAtwo/BrGrBq1YQK0uFoCcrRPaAHQr97UA0eO_wCLcBGAs/s640/Frases-de-Edmund-Husserl.jpg
https://1.bp.blogspot.com/-lVznsUYgaKI/WxxLFPq5qMI/AAAAAAAAtwo/BrGrBq1YQK0uFoCcrRPaAHQr97UA0eO_wCLcBGAs/s72-c/Frases-de-Edmund-Husserl.jpg
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2018/06/102.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2018/06/102.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy عناوين رئيسية