ليس غريبا ولا مفاجئا ما يحصل في القدس الآن.لاشك أن معظم الشعوب العربية حزينة على ما حصل ، وما سيحصل لاحقا ، لكنها عاجزة عن فعل أي شيء سو...
ليس غريبا ولا مفاجئا ما يحصل في القدس الآن.لاشك أن معظم الشعوب العربية حزينة على ما حصل ، وما سيحصل لاحقا ، لكنها عاجزة عن فعل أي شيء سوى أن تحزن، كمن فقد شهيدا بمعركة فرضت عليه ، وهو لا يريدها وغير مستعدا لخوضها .
لقد أوصلت الحكومات العربية شعوبها لحالة من الترويض والتدجين غير مسبوقة بالتاريخ.والأمر ليس جديدا ، جميعنا يتذكر أن معظم شعوب العالم تتعاطف وتظاهرت، لنصرة قضايانا إلا شعوبنا العربية .تذكروا اثناء احتلال العراق عام 2003 لقد خرجت مظاهرات احتجاجية في معظم دول العالم بما فيها أمريكا ، لكن الدول العربية كانت صامتة وخجولة تنتظر الأوامر من أسيادها ، للمشاركة بالحرب على العراق الذي بكيناه قبل سقوطه.
إن ما يحصل اليوم في القدس وفلسطين المحتلة، ليس إلا قطاف محصول قد زرعته الحكومات العربية خلال نصف قرن مضى ، وهي تعرف ماذا زرعت وليست مستغربة ، ولا متفاجئة بما تحصد.
بعد اتفاقية كامب ديفد التي قصمت الظهر العربي وشلت قواه ، دخل العرب في صراعات داخلية بددت قواهم ،وأصبح الانقسام العربي حقيقة فرضت ذاتها واجنداتها عليهم ، باحتضان وتمويل عربي غير معلن ومباركة صهيو أمريكية.وفُرض الواقع الجديد على الشعوب العربية ، وخاصة الشعب المصري ، المكبل مثله مثل باقي شعوب الدول العربية المكبلة .وعوضا عن معالجة هذا الانقسام بين مؤيد للاتفاقية والتطبيع ، ومعارض لها. جاءت اتفاقية وادي عربة واتفاقية أوسلو، ليكتمل مشهد الانقسام الذي حمل معه صراعات خاصة ، ليس في مصر وفلسطين والأردن وحسب ، وإنما في معظم الدول العربية حيث يوجد شعب فلسطيني .وتشكلت حركات مقاومة للتطبيع والصلح مع الكيان الصهيوني في الشارع الفلسطيني ، وبدأ الصراع الداخلي بين هذه الحركات ، وشُتت الجهود الفلسطينية برعاية خليجية ، وصمت ومباركة مصرية ، وأصبحت الجبهة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية أكثر سخونة من الجبهة الخارجية مع الكيان الصهيوني .والجميع يعرف حيثيات الصراع بين فتح وحماس وانعكاس ذلك على الشارع الفلسطيني من جهة ، وعلى الشارع الصهيوني من جهة ثانية .حيث فككت الشارع الفلسطيني .وجمعت قوى الكيان الصهيوني.
لقد عمل الصهاينة على إدارة الصراع بين الفلسطينيين وتعميقه ، وخلق تناقضات دائمة بين جميع الفصائل تستثمر عند الضرورة .لذلك ليس مستغربا ما يجري في القدس .انه حصاد ما زُرع بالأمس .فهل تستطيع القيادات الفلسطينية خلق معادلة جديدة بعد مسلسل الخيبات الذي مر عليها خلال مدة التفاوض مع الكيان الصهيوني؟
لقد راكم المفاوض الفلسطيني خبرات كثرة بمفاوضات اثبت الواقع فشلها وعدم جدية المفاوض الصهيوني بتقديم إي شيء .واثبت أن الراعي الأمريكي ليس راعيا نزيها كما يدعي البعض . لقد تبين بالدليل القاطع أنه شريك حقيقي للكيان الصهيوني .يعمل بكل جدية لفرض تنازلات من الجانب الفلسطيني لصالح الكيان الغاصب.وها هو الرئيس ترامب يقدم الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية.
فهل تستطيع القوى والشخصيات الفلسطينية التي اقتنعت وعملت بمفاوضات عقيمة ، لمدة ربع قرن أن تعيد النظر بجدوى هذه المفاوضات ، وتنتقل من موقع لا أخر ؟ أو أنها أصبحت معاقة وغير قادرة على الدخول بمعركة نضالية ، تختلف جذريا بالشكل والمحتوى عن معركتهم السابقة .
اعتقد من المفيد الانتباه والتركيز على أن أسلوب التفكير الذي أخذ الشعب الفلسطيني بقاطرة التفاوض بعيدا عن القطار العربي في حينه ليس بوسعه أن، يقود القاطرة إلى بر الأمان ، حتى ولو امتلك النوايا الحسنة.
إن ربع قرن من المفاوضات مع الكيان الصهيوني ، بشراكة العديد من الحكومات الأمريكية المتنوعة من الحزب الديمقراطي والجمهوري .أثبتت فشل عملية التفاوض لأسباب لا مجال لذكرها الآن.
وان تجربة حزب الله اللبناني مع الكيان الصهيوني ، منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى الآن .تستحق الدراسة والتأمل .وتقدم العديد من الدروس .وان خيار المقاومة اثبت للجميع انه الخيار الصائب بوجه احتلال غاشم لا تردعه إلا القوة .فهل تستطيع قوى الشارع الفلسطيني ،قلب الموازين والاستمرار بانتفاضة سياسية سلمية .تفضح سياسة الكيان وحلفاءه من الصهاينة العرب ،وتهيئ المناخ لمقاومة شعبية واسعة في ظل انقسامات واضحة بالمجتمع الدولي .وتضغط على بعض القيادات الفلسطينية التي مازالت تمسك العصا بمنصفها .وتشكل بداية النهاية للاحتلال الصهيوني ،وتستبدل زراعتها القديمة بزراعة حديثة تأخذ الشعب الفلسطيني إلى بر الأمان….
كاتب من سوريا*
التعليقات