$type=ticker$count=12$cols=3$cate=0

ملاحظات أولية حولة حملة المقاطعة - عبد الرحيم العلام *

أولا: هي حملة تنضوي تحت عنوان "النضال بالسّلب"، أي المواجهة من خلال الامتناع، وهو أسلوب قديم وله منظّروه، وقد جُرّب في الكثي...


أولا: هي حملة تنضوي تحت عنوان "النضال بالسّلب"، أي المواجهة من خلال الامتناع، وهو أسلوب قديم وله منظّروه، وقد جُرّب في الكثير من المجتمعات من ضمنها المغرب؛ فمثلا كانت عناصر المقاومة المغربية تدعو المدخنين المغاربة لمقاطعة شركة "طابا" المملوكة للجهات الداعمة للاستعمار، واستبدالها باستهلاك "الكيف المغربي"، كما لجأ طلاب الجامعات إلى مقاطعة كتب بعض الأساتذة الذين كانوا يرغمون الطلبة على اقتناء كتبهم بطرق ملتوية. كما أنها أسلوب يتم اللجوء إليه حتى بالنسبة للأفراد غير المؤطرين سياسيا أو نقابيا، وذلك من خلال مقولة "قوامِ الغلاء بالاستغناء"، أي أن المستهلك عندما يجد منتوجا مرتفع الثمن، فإنه يمتنع عن اقتنائه إلى حين انخفاض ثمنه.

ثانيا: جديد المقاطعة الحالية هو أنها استعملت وسائل التواصل الاجتماعي التي أصحبت تتيح إمكانية مخاطبة الجميع وبطرق متعددة ومتنوعة، تجمع بين الإقناع والسخرية والإبداع في القول والرسم والنكتة.

ثالثا: هي أيضا حملة نضالية مجردة غير مرتبطة باسم معين أو توجه محدد، وهذا يعطيها زخما ومصداقية بما أنها لم تُظهر أي تحيزات أيديولوجية أو حزبية. وعندما نقول أنها غير حزبية فهذا لا يعني أنها غير سياسية، بل إن فعل الامتناع عن الاستهلاك والمطالبة بتخفيض الأثمان، هو في حد ذاته فعل سياسي بامتياز يعبر من خلاله ممارسه عن شعوره بالانتماء إلى الاجتماع السياسي، وإهتمامه بالشأن العام.

رابعا: كان ذكاء من الذين اختاروا أنواعا محدودة من البضائع وإدراجها ضمن المنتوجات المراد مقاطعتها، وذلك من أجل تحقيق عدة أهداف: 1 ـ التدرج في فعل المقاطعة وعدم حشر المستهلك في زاوية ضيقة لا يستطيع معها اللجوء إلى المقاطعة الشاملة وبالتالي فشل هذا الأسلوب النضالي المستجِد. 2 ـ اختيار عينة من المنتجات الأكثر استهلاكا من أجل تكبيدها خسائر تجعلها تراجع حسابتها، وأكيد أنه عندما يحدث ذلك ستلحق بها باقي الشركات الصغيرة التي لا تشكل إلا أقل من 20 في المائة من نسبة الاستهلاك. 3ـ ربما كان الهدف الأساسي من وراء المقاطعة هو شركات "المازوط" لكن إعلان المقاطعة تضمن أيضا شركتي الماء والحليب، وذلك حتى لا يتكرر خطأ الدعوة الأولى لمقاطعة شركة المازوط والتي ارتبطت بصراع حزبي معين.

خامسا: أشّرت حملة المقاطعة على قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على تجاوز الوسائل الكلاسيكية في التواصل ( التلفزة، المذياع...)، بدليل أن جل المغاربة أصبحوا على علم بخبر المقاطعة، وأكيد منهم من انخرط فيها. كما أشّرت على أن العديد من المغاربة على استعداد للانخراط في حملات نضالية سلمية من شأنها النهوض بالوضع الاقتصادي ومجابهة الاضرار المفرط بمصالحهم.

سادسا: أظهرت هذه الحملات أيضا، ضعفا كبيرا لدى الشركات المقاطَعة من حيث التواصل، بل ارتكبت عدة أخطاء ساهمت في تأجيج المقاطعة وأشعلت نار الغضب في صفوف حتى بعض الذين لم ينخرطوا فيها، وذلك عندما ربط البعض بين شركاتهم وبين حب الوطن، متهمين المقاطعين بأنهم "خونة" أو "مداويخ" أو مضرين بمصالح الوطن. وهذا أمر مستغرب ومستهجن، كون هذه الشركات تعتقد نفسها أنها عنوان للمواطنة.

سابعا: كشفت تصرحيات المسؤولين عن الشركات المقاطَعة وبعض المسؤولين الرسميين عن الكثير من الأمور: 1ـ بسبب استفادة هذه الشركات من الريع أصبحت ترى في نفسها رمزا للسيادة المغربية شأنها في ذلك شأن العلم المغربي وأن أي إضرار بمصالحها هو خيانة. 2 ـ هناك خلط مروع وسافر بين المنصب الحكومي وبين المصالح الشخصية أبانت عنه ردور فعل المسؤولين الرسميين، فأحدهم استغل البرلمان من أجل الدفاع عن مصالح شركات خاصة لا هي عمومية ولا هي مملوكة في جزء منها للدولة، والآخر استغل تواجده في معرض وطني يتم الانفاق عليه من طرف خزينة الدولة، من أجل الانخراط في حملة مناهضة للمقاطعة والرد على المقاطعين، بل توظيف الفلاحين الذين تم استقدامهم من أجل عرض منتوجاتهم، في سبيل الرد على المقاطعين.

ثامنا: لم تجد الشركات المقاطَعة إلا الحليب لكي تدافع عنه، بدعوى أن الفلاحين سيتضررون من هذه الحملة، والحال أن المقاطعة لا تشمل الحليب فقط بل المازوط والماء أيضا وهذا يتضمن عدة احتمالات:1ـ أن مناهضي المقاطعة يعلمون أنهم لن يستطيعوا إقناع المقاطعين بأن مقطاعتهم للمازوط والماء شيء سلبي، لذلك لجؤوا إلى تعويم النقاش والتركيز على الحليب من أجل جلب الاستعطاف وذرف الدموع و"والحرص على الفلاحين المساكين". والحال أن الفلاح هو أول المتضررين من شركات الحليب التي تقتني منه الحليب بأقل من 3 دراهم وتبيعه للمستهلك بأكثر من 6 دراهم، وقد شاهدنا احتجاجات بعض الفلاحين قبل أيام أمام التعاونيات وكيف أهرقوا حليبهم في التراب رفضا لتحويلهم إلى مجرد أقنان في ضيعاتهم، يجهدون أنفسهم من أجل تربية الأبقار وتسمينها من أجل أن تجود عليهم شركات الحليب ببقشيش لا يغطي حتى جزء من المصارف ( ونفس الشيء بالنسبة للشركة التي تقتني من الفلاحين الشمنذر السكري). 2 ـ من الصعب تبرير أثمنة المازوط والماء في المغرب لذلك التزم أصحاب هذه الشركات الصمت وانخرطوا في الرد على المقاطعة فقط من خلال الدفاع عن الحليب.

على الذين يتهمون المقاطعين بالخيانة وبقلة العقل والتفكير، أن يراجعوا تاريخ الأمم والشعب المجاورة، وأن يتعلموا منهم كيفية التعاطي مع حملات المقاطعة، يمكنهم أن يبحثوا في محرك البحث "غوغل" عن حملة المقاطعة التي لجأ إليها الفرنسيون قبل عقود، احتجاجا إلى زيادة محدودة في ثمن الحليب وكيف سالت شوارع باريس بالحليب المهروق، ومالذي قاله "شيراك" عندما امتنع عمال مطار "شارل ديغول" عن استقبال الطائرات، وما كان رد ملك اسبانيا على احتلال عمال المناجم شوارع مدريد احتجاجا على سياسة التقشف، وذلك عندما طالب من الحكومة تخفيض أجره وأجر ولي عهده بنحو 7 في المائة حتى يكون أول من تطبق عليه سياسة التقشف وحتى يكون قدوة لمواطنيه.

هي ملاحظات أولية لأن الحدث يحتاج إلى مزيد من الرصد والتأمل، وأيضا يحتاج إلى مراقبة حركة السياسة بمقدار مراقبة حركة الأسهم في البورصة

التعليقات

الاسم

اخبار العالم,2010,اخبار العرب,1745,اخبار المغرب,6503,أرشيف,9,أسبانيا,4,اسبانيا,166,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,5,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,307,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,58,اقتصاد,977,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,14,البرازيل,11,الجزائر,298,السعودية,15,الصحة,118,الصين,25,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,21,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,70,اليمن,23,إيران,33,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,13,تاريخ,4,تحقيق,1,تحليل,1,تدوين,755,ترجمة,1,تركيا,17,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1297,تقرير صحفي,75,تونس,89,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,388,حزب الله,8,حماس,1,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,75,رياضة,373,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,12,سوسيال ميديا,11,سوشال ميديا,15,سياحة,1,سينما,28,شؤون ثقافية,442,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,910,طاقة,24,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,1,علوم و تكنولوجيا,314,عناوين الصحف,322,غزة,73,فرنسا,176,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,593,فنون,242,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1924,كولومبيا,1,لبنان,20,ليبيا,34,مجتمع,1247,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,7,مغاربي,1042,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: ملاحظات أولية حولة حملة المقاطعة - عبد الرحيم العلام *
ملاحظات أولية حولة حملة المقاطعة - عبد الرحيم العلام *
https://1.bp.blogspot.com/-tN8dhz6kqO0/WpmugglcYII/AAAAAAAAsao/mOZQRDu2hMsE4SOr5GIjgYZS3nm3TFt2QCLcBGAs/s640/1479502_1283503448346472_2374931778692865793_n.jpg
https://1.bp.blogspot.com/-tN8dhz6kqO0/WpmugglcYII/AAAAAAAAsao/mOZQRDu2hMsE4SOr5GIjgYZS3nm3TFt2QCLcBGAs/s72-c/1479502_1283503448346472_2374931778692865793_n.jpg
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2018/04/blog-post_97.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2018/04/blog-post_97.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy Table of Content