على نحو يثير التعجب؛ تتسارع مجريات الصراع في المنطقة، تتدافع القوى الطامعة والطامحة وتتسابق؛ أيهم ينال نصيبه الوافر من الثروات بأي الأوج...
على نحو يثير التعجب؛ تتسارع مجريات الصراع في المنطقة، تتدافع القوى الطامعة والطامحة وتتسابق؛ أيهم ينال نصيبه الوافر من الثروات بأي الأوجه شاء؟!
بسط النفوذ، وتحريك الخلايا التي تحقق ذلك دون ضريبة تذكر، وصناعة التقلبات الداخلية على المستويات الثلاثة ذات التأثير الفعلي سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا، بالإضافة إلى تحريك عجلة الخلافات المذهبية ذات الأبعاد العقائدية والطائفية، ومن لم تتحقق فيه شروط المسابقة فإنه يخضع لصفقات الأسلحة الضخمة وما حالة التهافت المستعرة اليوم إلا دليل أمثل على ذلك.
مفاتيح الصفقة
حلّت اتفاقية كامب ديفيد المبرمة بين دولة الكيان الصهيوني ومصر بردًا وسلامًا على الإسرائيليين، فهي إن أخمدت نار حرب مستعرة يومها إلا أنها حيّدت منطقة واسعة من الأراضي المصرية حين حرّمت التنمية عن مناطق سيناء، وهو ما استفادت منه إسرائيل، وافتعلت مع أعوانها الداخليين العديد من العمليات الإرهابية الهادفة إلى إخراج أهالي سيناء تحت حجة الإرهاب الذي يأكل الأخضر واليابس من فترة إلى أخرى برتم يثير الشك من حيث ترتيبات العمليات ومناطق حدوثها.
سيناء هي بيت القصيد الإسرائيلي لإتمام عملية صفقة القرن الحادي والعشرين المرتقبة، والتي تفتح الباب على مصراعيه لزعامة صهيونية واضحة على المنطقة، وبدء معركة النفوذ الحقيقية سعيًا إلى تحقيق البرنامج الاستعماري الأوسع الحامل لمشروع دولة إسرائيل الكبرى.
في تسريب صوتي أذاعه موقع اليوم السابع المصري تحدّث الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن محاولة إسرائيلية لبدء مفاوضات نقل الفلسطينيين إلى سيناء كوطن بديل على أن تقتضي المرحلة الأولى بإحلال سكان الضفة الغربية المحتلة ليتبعهم لاحقـًا سكان غزة في مرحلة ثانية، كان ذلك قبل اندلاع ثورة يناير (كانون الثاني) بستة أشهر خلال زيارة سرية لرئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو، إلا أن الطلب قوبل بالرفض الشديد من حسني مبارك، بحسب ما ورد في التسجيل الصوتي.
فمصر إذن من تملك مفاتيح إتمام الصفقة على اعتبار أن الأرض المقترحة وطنًا بديلًا هي أرضها، ولا يمكن للصفقة أن ترى النور دون موافقة تامة من قبل الدولة المصرية.
تطورات المحيط المؤيدة
لا يمكن إغفال التطورات المتسارعة في المنطقة لارتباطها الوثيق بما يُرتب على المدى القريب لتحقيق هذه الصفقة، فحالة الاحتراب الداخلية في مجمل البلدان العربية، والنزاعات السياسية المتفاقمة، إنما تأتي في سياق عملية التوهين التي تقزم العرب دولًا وشعوبًا وتجعل من دولة الاحتلال المصطنعة ذات ريادة وسيادة وتشجعها لتحقيق كافة المخططات الغربية المنسوجة لتقسيم المنطقة وتغيير ديموغرافيتها بما يتواكب مع المشروع الكبير الذي جيء بإسرائيل من أجله.
لا تغضوا الطرف عما يدور في العراق ولبنان وسوريا وليبيا واليمن، والصراعات البينية المتفاقمة في الخليج، والضعف السياسي والاقتصادي لدول كالجزائر وتونس ومصر والسودان والأردن؛ فكل ذلك يشكل حالة من العملية المستقبلية لصفقة القرن المنتظرة، وما خطوة ترامب الأخيرة بقرار نقل سفارة بلاده إلى القدس إلا جس نبض وتمهيد لطرق الحديد قبل البدء بقلب الموازين الفعلية، وإن كانت البداية تمثلت بحصار قطر من دول البين العربي.
السيسي وراء العملية
في زيارة له للبيت الأبيض في أبريل (نيسان) 2017، التقى السيسي بالرئيس الأمريكي المثير للجدل دونالد ترامب وأخبره حرفيًا، أمام ملأ من الإعلاميين الموجودين، بأنه هنا من أجل إتمام صفقة القرن في إشارة إلى إحلال الفلسطينيين سيناء، لتصبح وطنًا بديلًا يقضي بإخراج أصحاب الحق من الضفة وغزة وشرعنة سيطرة إسرائيل على ما تبقّى من الأرض الفلسطينية.
هناك مؤيد آخر من الواقع يشير بأصابع الإدانة إلى السيسي في حال عدم الاكتفاء بالفيديو الواضح، الذي تناقلته وسائل الإعلام الدولية والإقليمية، والمتمثل في المصالحة الفلسطينية التي جرت في غضون أشهر قليلة، رغم الانقسام الدائر منذ سنوات، وهو ما يدعو إلى تساؤلات تفتح صفحات من التعجب لتضاف إلى السجل العربي القائم على الاندهاش والصدمة على مستوى السياسات والممارسات، كيف أقنعت إدارة السيسي الفصائل الفلسطينية بالتوصل إلى مصالحة عاجلة؟ ما الأساس الذي بنيت عليه بهذه السرعة؟
لماذا أسرعت حكومة رام الله وجناح فتح بالتجاوب الفوري، رغم رفضها المستمر لبنود المصالحة على مدى فترات من الوساطة اليمنية والقطرية والسعودية؟
كيف خضعت حماس وسلّمت القطاع لحكومة الحمد لله دون مقدمات، رغم عدم تجاوبها المسبق إلا بشروط واضحة تتعلق بهيمنتها على قطاع غزة؟
أين موقع المقاومة الفلسطينية من هذه المصالحة حاضرًا ومستقبلًا؟
برأيكم، لِمَ سلّمت دولة الاحتلال ملف فلسطين بالكامل للسيسي على مستوى المصالحة، وكذا ما يؤمّن وجودها من حيث ضمان عدم الاستهداف ونحو ذلك، مما يتداخل في سياق إحلال السلام بمشروع حل الدولتين والمدرج ضمنيًا في إطار الصفقة المرتقبة؟
من أجل هذا جيء بالسيسي، وأطيح بمرسي؛ فالمشاريع الوهمية في مصر لم تحقق أمل المواطنين، والتحالفات المفروزة تنذر بما هو أكثر قتامة، وإلا ما دلالة صفقات الأسلحة التي يبرمها الرجل من حين إلى آخر في الوقت الذي يدعو المصريين للصبر والتبرع من أجل البلد؟
تؤمّل إسرائيل والدول الكبرى كثيرًا في السيسي كرجل مرحلي سيتكفل بتحقيق ما رفضه وعجز عنه السابقون، وتدعمه في سياساته التي تجعل منه زعيمًا أوحد من خلال أدوات القمع المستشرية، وحالة الفقر المنتشرة، وحالة التأليه المتزايدة بنفث السموم الإعلامية عبر شاشات التلفزة المؤيدة والصحف المناصرة.
هل تتحقق الصفقة؟
من المثير جدًا أن نجيب على سؤال مستفز كهذا، خاصة وأنه يحدد مصير شعب بأكمله وهويته، ويصادر حق آخرين، لكن التطورات الآنية تعزز احتمالية إتمام الصفقة على نطاق واسع في ظل تصاعد دعوات التطبيع مع دولة الكيان، وفي ظل الخنوع الذي برز مؤخرًا من قبل دول عربية كنّا نحسبها ذات أبعاد سياسية تتجاوز محيطها، وهو ما أكده نتنياهو من خلال حديثه عن رغبة جامحة لدى دول عربية وإسلامية لفتح صفحة جديدة مع إسرائيل، وبدء مرحلة العلاقات الواضحة في إطار عملية السلام، التي يروجون لها منذ ستة عقود!
كما لا ننسى حديث وزير الإسكان الإسرائيلي عن الصفقة ودعوته إلى بدء التحرك الفوري من أجل إتمامها في إطار زيارة له إلى مصر في وقت سابق من العام الجاري، بالإضافة إلى القرار المستفز الذي أعلنه ترامب مؤخرًا، والذي يأتي في سياق عملية الصفقة التي باتت مطلبًا غربيًا وطموحًا حقيقيًا لإسرائيل أكثر من أي وقت مضى.
فهل ستتحقق؟ وإن كُتب لها أن تنجح، فمتى؟ وأين موقع الشعوب العربية وموقفها من ذلك؟
*صحفي وكاتب يمني
التعليقات