عادة ما نفهم من كلمة acculturation (ثتاقف أو مثاقفة) تمثل فريق بشري، كليا أو جزئيا، للقيم الثقافية لفريق بشري آخر، وقد تعني لنا على مس...
عادة ما نفهم من كلمة acculturation (ثتاقف أو مثاقفة) تمثل فريق بشري، كليا أو جزئيا، للقيم الثقافية لفريق بشري آخر، وقد تعني لنا على مستوى أصغر أقلمة فرد أو تأقلمه مع ثقافة أجنبية متصل بها. لكن ليس متاحا للجميع القيام بجولة عبر أرجاء السياق العام الذي احتضن نقاشا خصبا ومثيرا في آن لهذا المفهوم بين الباحثين المتخصصين في العلوم الاجتماعية.
من أجل القيام بإطلالة على هذا السياق الحافل بالمغامرات، ارتأيت ترجمة مقال سيسيليا كوربو Cécilia Courbot المنشور بموقع الكتروني أكاديمي توجها وطابعا، والذي هذا رابطه:تقديم وترجمة: أحمد رباص
أعادت المهمة الكبرى لإنهاء الاستعمار التي تم الاضطلاع بها خلال الفترة الموالية، فضلا عن الدراسات الإثنولوجية التي أجريت خلال الفترة الاستعمارية، تركيز التاريخ الأفريقي على الأفارقة وثقافاتهم الخاصة بهم. وتصر بعض النظريات، التي تحملها الحركات القومية، على ضرورة أن يعيد المستعمرون (صيغة اسم المفعول) امتلاك هوياتهم الثقافية، في حركة يمكن أن تفسر على أنها رد فعل مضاد للتثاقف.
في هذا السياق، يصبح مصطلح "التثاقف"، الذي تلوثه بقوة رؤية استعمارية وعنصرية، مفهوما بمعان هي من الكثرة بحيث يفضل عليه الآن مصطلح "التفاعلات الثقافية". من خلال انزلاق، دلالي، تأخذ البادئة (ad) معنى سالبا: تصبح عملية التثاقف مرادفا لزعزعة الاستقرار في الثقافة من خلال إضافة عناصر أجنبية. ومن ثم ينظر إلى ذلك على أنه فقدان للثقافة، وتلك عملية سلبية يتولد عنها التخلف.
لقد أفضى القبول بمفهوم التثاقف في مرحلته "الاستعمارية"، ضمن المجال الأنثروبولوجي، إلى الرفض التام لهذه الفكرة. ولا تدرس ظواهر التثاقف إلا من خلال واجهتها ك"تفاعلات ثقافية"، وهي عبارة بمثابة نسخة باهتة نسبيا من المفهوم الأصلي.
ناثان واكتيل نفسه السالف الذكر طرح بالفعل مشكلة إمكانية تمديد، لاحقا، مفهوم التثاقف خارج الوضع الاستعماري إلى حالات أخرى من عدم التجانس الثقافي، ولا سيما من أجل تجديد بعض الأسئلة الكلاسيكية (واكتيل، المرجع السابق، ص. 143) مثل نشر الثقافات اليونانية والرومانية. وهكذا، في سنوات 1970-1980، كان مفهوم التثاقف في محور البحوث المختلفة في التاريخ القديم. غير أنه تجدر الإشارة إلى أن المصطلح نفسه لا يستخدم دائما. وقد أدت دراسة انتشار الثقافة اليونانية والثقافة الرومانية إلى خلق اصطلاحات خاصة: hellénisation, romanisation.
المشاكل التي عالجها التاريخ القديم تظهر بأنها "قرينة جدا، بعد اجراء التعديلات الضرورية، مع المشاكل التي عرفها العصر الاستعماري الحديث" (H. Van Effenterre). هكذا حاولت دراسة أنجزها غروزينسكي و أ. روفيريه S. Gruzinski et A. Rouveret المقارنة بين التاريخ الاستعماري للمكسيك وإضفاء الطابع الروماني (romanisation) على جنوب إيطاليا (غروزينسكي، روفيريه، التاريخ والتثاقف..). مع ذلك، تعتمد مصطلحات مثل "romanisation" أو " hellénisation" على مفهوم التثاقف القائم على أساس علاقة مجتمع مهيمن / مجتمعات مهيمن عليها، المستمدة من التعاريف الأولى للمفهوم في الأنثروبولوجيا. وستنطلق التبادلات الثقافية أساسا مما يسمى بالمجتمع "المتحضر" تجاه مجتمع آخر يعتبر أكثر "توحشا": ظواهر التثاقف تم إدراكها إذن على أنها وحيدة الاتجاه.
كذلك، في الآونة الأخيرة، أصبحت كلمة "romanisation" مصطلحا يتعين هجرانه لأنه لا يأخذ في الاعتبار تعقد الظواهر التثاقفية. فهو يطرح، على وجه الخصوص، مبدأ ثقافة رومانية، نوع من الهوية الرومانية المثالية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يأخذ في الاعتبار فقط التبادلات من جانب واحد، تلك المنطلقة من روما نحو المناطق المفتوحة. لم يعد إذن هذا المفهوم يحتفظ سوى بقيمة استدلالية من خلال "الدعوة إلى حصر مشاكل إيقاعات نشر الخصائص التي نتمثلها عن الهوية الرومانية" (Intervention orale de Ch. Goudineau à un séminaire).
في هذا المجال التاريخي نفسه، تجدر الإشارة إلى أن المؤرخين البريطانيين يحتفظون بمصطلح romanisation، الذي تمت إعادة صياغة مضمونه بشكل جذري. وعلى وجه الخصوص، فقد أدمجوا مفهوم الطبيعة الثنائية للظواهر التثاقفية. لقد ظهر لهم المصطلح الذي أعيد تعريفه بهذه الطريقة إجرائيا، حتى لو كان استخدامه دائما يثير بعض الصعوبات (M. Millett, Romanization ). في الواقع، كيف يتم اتخاذ موقف محايد لتحليل مساهمة ظواهر التثاقف في مسار التحولات البعيدة المدى (R. Reece, Romanization: a point of view)، وكيف يمكن تعريف الثقافات المعنية بينما نحن لا ندركها أساسا الا من خلال واحدة منها فقط؟
(يتبع)
التعليقات