*بقلم حسن ماسيكي وسط المناخ السياسي المتوتر في المغرب، آن الوقت للقصر أن يتحمل مسؤوليته تجاه الشعب. المغرب يشبه سفينة كبيرة تتخل...
*بقلم حسن ماسيكي |
وسط المناخ السياسي المتوتر في المغرب، آن الوقت للقصر أن يتحمل مسؤوليته تجاه الشعب.
المغرب يشبه سفينة كبيرة تتخللها ثقوب صغيرة. إن لم يقدم القبطان والطاقم على سد الثقوب في الوقت المناسب، وبشكل حازم، سيتسع حجمها وتغرق السفينة.
ولأن المزاج الاجتماعي في الريف لا يزال متوتراً، كما أن المناخ السياسي في باقي أنحاء المملكة مشحون، فقد حان الوقت المناسب للقصر لتقييم وضع البلاد، وتحمل مسؤوليته في صياغة خطة لتلبية مطالب الناس الاجتماعية والسياسية الأساسية.
ولهذا لم يعد أمام "المسؤولين" الذين يريدون حماية النظام الملكي، أي خيار آخر سوى إشعار الملك بحدة الأزمة، ووضع حلول جذرية جديدة لمواجهة الغضب الاجتماعي المتزايد الذي يجتاح البلاد.
منذ بداية الاحتجاجات في الريف، دخل المغرب حقبة سياسية جديدة أصبحت فيها جميع المؤسسات الوطنية عرضة للنقد، ولم يعد بوسع "النخبة" الحاكمة أن تغطي على نظام غارق في الرداءة، وانعدام الكفاءة، والإفلات من العقاب، دون أن تواجه رد فعل شعبي.
هذا الواقع الجديد، فضلا عن غياب قيادة سياسية ذات شعبية ومصداقية، وضعا القصر في عين العاصفة. ذلك أن المخزن، بعد بعد سنوات من تشويه سمعة الهيئات المعارضة، وجد نفسه وحيدا أمام مهمة صياغة استجابة لأزمة سوسيوقتصادية معقدة ومتقلبة.
بالنسبة للعديد من المغاربة، فإن الإشادة بخطاب العرش الأخير للملك العاهل السادس كان واجبا وطنيا، سيما أنه أتى في أعقاب التوترات في الريف. يريدون بذلك إظهار الدعم والحب لقائدهم الذي لا يزال يتمتع بشعبية، ويشكل رمزا للوحدة. ومع ذلك، هل يستطيع هؤلاء المغاربة أنفسهم الاستمرار في غض الطرف عن دور القصر في خلق مناخ سياسي واجتماعي يشعر فيه عدد كبير من المواطنين بالتهميش وتجاهلهم من قبل قيادة سياسية "مزيفة" تسعى للحصول على رضا الملك على حساب المساءلة الشعبية؟
العديد من المغاربة لا يشككون في صدق الملك، ويعتقدون أن خطاباته تدعو إلى محاسبة السياسيين والبيروقراطيين والتكنوقراط والقضاة والمسؤولين الأمنيين. إلا أن المعضلة تظهر عندما يفهمون أن هذه التوجيهات الملكية لـ"تطهير البيت" لا نتائج لها.
المواطن المغربي العادي فقد الثقة في نظام يغض الطرف عن الفساد المستفحل والمفضوح، والإغتناء غير المشروع للبيروقراطيين والمسؤولين والمنتخبين المحليين، سيما أن الحكومة المغربية لم تثبت فعلا، حتى الآن، أنها تقوم بمحاربة الفساد، عدا استثناءَات قليلة. نفس الوجوه، والشخصيات العامة، التي وضعت البلاد في هذه المأزق ما تزال في مناصب رفيعة تنفذ نفس المخططات.
ومن الصعب إلقاء اللوم على الناس الذين أصيبوا بالإحباط ما دامت بعض الشخصيات التي انتقدها الملك محسوبة على المقربين من القصر. إن المشكلة تكمن في هذه المنظومة التي تقدم الولاء على الكفاءة.
في الواقع، سبق للملك أن دعا إلى إجراء مراجعة مماثلة لأداء الموظفين العموميين. ومع ذلك، نادراً ما أدت هذه التحقيقات إلى المتابعة أو السجن ما عدا الحالات المغضوب عليها من طرف مقربين من القصر. هذا النقص في المساءلة يضر بمكانة المؤسسة الملكية ويقود إلى هوة بين الملك والشعب.
العديد من كبار المسؤولين السامين الذين قدموا للملك توصيات عن المناصب الرئيسية اختاروا أصدقاءهم ومواليهم، وأقرباءهم، على حساب المؤهلات. وبسبب هذه العملية الخاطئة، فإن ثلة من الشخصيات التي تشغل مناصب رئيسية غير كفؤة، وغير صالحة للوظائف التي تؤديها. وبالتالي سيكون من الصعب محاسبة هذه "النخبة" المحمية رغم المجهودات الحسنة التي يبذلها الملك محمد السادس.
إن جلب الكفاءَات ذات الضمائر الحية، والحفاظ عليها، لا يزال بعيد المنال في الكثير من المرافق الحكومية المغربية والقطاع العام حيث تسود الوساطة والمحسوبية. وبات من الصعب على الموظفين العموميين الصادقين البقاء في وظائفهم؛ إما ينضموا إلى "البقية" أو يغادرون إلى القطاع الخاص أو إلى الخارج. أما بالنسبة للذين ينددون بالإختلالات، فإن الحل هو بقاءهم بعيدين عن الوظيفة العمومية.
باسم حماية الملكية، قامت عناصر مقربة من القصر بإفراغ البلاد من قادة المعارضة والأحزاب السياسية المستقلة والمنظمات غير الحكومية غير الحزبية والهيئات الاجتماعية المستقلة والصحافة المستقلة الحقيقية.
إلا أن الفشل الأخير في التعامل مع المظاهرات في الريف، وتنامي المعارضة الاجتماعية والسياسية، أثبت بشكل واضح جلي أن الأشخاص المقربين من الملك لا يخدمونه على نحو جيد. لقد بنت هذه المجموعة من المسؤولين تراتبية مبنية على المحسوبية تخدم مصالحهم بشكل جيد ولكنها أضرت بالمؤسسة الملكية.
*حسن ماسيكي، صحفي مغربي ومسؤول سابق في منظمة العفو الدولية في أمريكا
***المقال الأصلي: Morocco: time for self assessment in the Palace
التعليقات