في اللحظات التي يحل فيها الغموض محل الوضوح و الضبابية محل الصفاء الفكري و المنهجي ، يجب في اعتقادي إعادة طرح الأسئلة الأولى أو ما يمكن...
في اللحظات التي يحل فيها الغموض محل الوضوح و الضبابية محل الصفاء الفكري و المنهجي ، يجب في اعتقادي إعادة طرح الأسئلة الأولى أو ما يمكن أن نسميه أسئلة التأسيس الكفيلة بوضع النقاش في موضعه السليم و وضع حد للمزايدات السجالية التي تعيق تبلور البناء النظري و المنهجي المؤطر للسلوك السياسي الهادف لتجاوز الاستبداد كنظام لتدبير الشأن العام لم يعد يساير العصر في زمن الديمقراطية و الحريات و المواطنة و ربط المسؤولية بالمحاسبة.
هل الاستبداد مجرد آليات نظام حكم يمكن تجاوزها فقط بهدم هذه الآليات و تعويضها بأخرى حتى و لو كانت تمتح قواعدها من نفس المرجعية السابقة أم أنه منظومة فكرية و ثقافية و مؤسساتية تنعكس على بناء العقل الجمعي و تمتد لتكوين الوعي الفردي المتصالح مع الاستبداد و المدافع عنه ؟
هل من الممكن تجاوز واقع الاستبداد بتغيير آليات الحكم أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى هدم المنظومة الفكرية و الثقافية و المؤسساتية الحاضنة له ؟ و ما هو المشروع المجتمعي الفكري و الثقافي و السياسي و الاقتصادي الذي يمكن من تجاوز الاستبداد ؟ و ما هي محددات الحركة أو الحركات المجتمعية سياسيا و تنظيميا التي تساهم في أجرأة هذا المشروع إلى مواقف و برامج و ممارسة نضالية؟
لا شك أن دعاة التنسيق أو التحالف مع " جماعة العدل و الإحسان" من اليساريين لا يستحضرون أن الصراع داخل المجتمع هو بين من يعمل على تمديد عمر الاستبداد اعتمادا على تبني الثقافة السياسية التي انتجته ( ثقافة الاستبداد الشرقي) الرافضة لكل التطورات التي عرفتها البشرية منذ عهد الأنوار و مركزة التفكير البشري حول الانسان و ما نتج عنها من بناء لأنظمة الحكم و صلت في راهننا إلى نموذج الدولة الديمقراطية التي تنحو مؤسساتها في اتجاه الاستقلالية عن الطبقات الاجتماعية بفعل النضالات الاجتماعية و الحقوقية و غيرها و في هذا الأمر يتساوى في اعتقادي دعاة الفكر السلطاني التقليدي و دعاة فكر خلافة المسلمين على منهاج النبوة اللذين يحاولان شرعنة أحقيتهم بالحكم انطلاقا من نفس المرجعية التي تركت لهم مفهوم الدولة و الحكم مشرعا لكل الاجتهادات. و بين من يناضل من أجل الانخراط في العصر بتبني الفكر الذي انتجه التطور الانساني و البحث عن سبل استنباته في تربته الاجتماعية بما يعمل على تجاوز معيقات التخلف الحضاري و على رأسها الاستبداد. فالصراع داخل المجتمع حتى من منطلق الظرفي للذين يميزون بين التنسيق و التحالف لا يمكن أن يبرره استغلال التناقضات الثانوية بين أطراف اللعبة السياسية للتنسيق أو التحالف مع هذا الطرف أو ذاك فبهذا المنطق يمكن لدعاة التنسيق و التحالف مع العدل و الإحسان أن يتحولوا إلى دعاة التنسيق مع نظام المخزن إذا ما تغيرت الأدوار.
أن منطق الصراح داخل المجتمع بالنسبة لليساريين إذا كان لليسار معناه التاريخي في هذا المجتمع هو صراع فكري و ثقافي و سياسي يتمثل التناقض الرئيسي بين دعاة الماضوية بكل تلاوينهم و دعاة الحداثة و التطور و أعتقد أنه لا مجال للتحالف أو التنسيق بين الطرفين لان الصراع ضد الاستبداد ليس فقط مع من يحكم بل أيضا مع من يرفض الديمقراطية و الحريات بما فيها حرية المعتقد و من لا يعترف بالمساواة بين المرأة و الرجل و من لا زال يؤمن بالمقدس سبيلا لحكم البشر. أما مسألة الضعف أو القوة فهي مرتبطة بالشروط التي يمر منها المجتمع و هي ليست ثابتة فكم من فكرة غيرت العالم أعدم أصحابها.
التعليقات