حصاد واختلالات المنظومة التربوية - المصطفى بنصباحية*

حين يقف السيد محمد حصاد وزير التعليم خلال الندوة التي نظمتها المدرسة العليا للتجارة بالدار البيضاء يوم 15 يونيو 2017 على بعض عناوين التش...

حين يقف السيد محمد حصاد وزير التعليم خلال الندوة التي نظمتها المدرسة العليا للتجارة بالدار البيضاء يوم 15 يونيو 2017 على بعض عناوين التشخيص الصادمة لمنظومة التربية و التكوين مثل : أن 20 في المائة من التلاميذ يكررون السنة الأولى و أن 40 في المائة من الطلبة ينقطعون خلال السنة الجامعية الأولى، و يعتقد أن إصلاح هذه المنظومة ينطلق من انضباط الأستاذ و التلميذ، موضحا أن  تتبع و مراقبة تفعيل هذا الانضباط سيعتمد على منظومتي مسار و مسير، اتضح بما لا يدع مجال للشك أن السيد الوزير الذي يعتقد أن التدبير التقني باعتماد المنظومات المعلومياتية لتتبع الحضور و الغياب و الرخص سيحل الإشكالات المعقدة التي تتخبظ فيها المنظومة التعليمية،و أنه يختزل الإشكالات العميقة للمنظومة التعليمية في جزئية سطحية بعيدة كل البعد عن التمثل العميق  لهذه الإشكالات.

و يأتي تناولي للموضوع ليس ضد ضرورة انضباط التلميذ و الاستاذ على اعتبار أن منظومتي مسار و مسير لم تضف سوى رقمنة مساطر و إجراءات كانت تمارس بطرق أخرى و وضعتها على النت، و الغاية منهما تكمن في تفعيل القوانين و المذكرات و الدوريات التي تؤطر هذا الانضباط ليس إلا. 

فالاختلالات السيد الوزير التي تعاني منها المنظومة تتجاوز ما هو تقني لتمس الجوهر     و العمق اللذان يؤطران المنظومة التعليمية.و المرتبطة في اعتقادي بالقضايا التالية:

- ضبابية التصور العام للهدف المركزي للتنشئة الاجتماعية و المتمثل في ملمح            " profile"  المواطن الذي تتغيى هذه التنشئة بلورة شخصيته و المرتبطة في عمقها بالمأزق التاريخي الذي نراوح فيه مكاننا لأزيد من قرنين من الزمن  و تتعايش فيه ثلاثة تيارات يمكن حصرها في تيار ردة الفعل الهوياتي الذي يحدد هذا الملمح في  " مواطن" رافض للحداثة و التطور اللذان لا يمكن تصورهما خارج التقدم و التطور الآتية رياحهما من الغرب. و تيار الارتماء في أحضان الغرب و الذي يبتغي من التنشئة الاجتماعية أن تنتج " مواطن منسلخ عن هويته   و ثقافته و تاريخه الخاص و منخرط بشكل قطعي في زمن الحداثة الغربية متبنيا ما هو صالح له و ما لا يصلح له. و تيار ثالث يحاول أن يحدد منتوج التنشئة الاجتماعية في مواطن متمثلا للحداثة بما يتلائم و إمكانيات غرس قواعدها الجوهرية في بيئتنا التاريخية. و تعمل هذه الضبابية على إعاقة كل محاولة لإصلاح المنظومة التعليمية منذ مناظرات إفران.و التي تعكسها إشكالات المنهاج التعليمي الذي تتصارع في ثناياه التيارات الثلاث ويحتل فيه كل منهما المساحة التي يحددها له موقف السلطة الحاكمة المتغير حسب الشروط المتيحة لاستمرار تحكمها في المجتمع من هذا التيار أو ذلك.

و يمكن أن نستدل على هذا الطرح بمآل البرنامج الاستعجالي في جانبه المتعلق بالإصلاح البيداغوجي و صياغة المنهاج الدراسي و الذي بعد محاولات تجاوز تصور بنائه المختل كما حددت هيكلته بيداغوجيا الإدماج  تم التراجع عن اعتمادها بمذكرة وزارية في عهد السيد الوافا لأسباب تبقى حيثياتها إلى يومنا هذا غير معلنة.

- تعقيدات المنهاج الدراسي الذي يترجمه في التعليم الابتدائي الذي يعتبر الاساس الضروري لبناء علاقة المتعلم بالتمدرس و التعليم، عدم التحكم في أساسيات التعلم المتمثلة في القدرة على القراءة و الكتابة و الحساب و ذلك بتبني منهاج يحاول واضعوه و اللوبيات المستفيدة من استمراره و من بينها المؤلفون و دور النشر تضمينه كل شيئ منذ السنة الأولى التي تطأ فيها قدمي المتعلم المدرسة حيث يتيه هذا الأخير بين أزيد من عشر مواد في اليوم تتوزع على حصص لا تتجاوز مدتها الزمنية نصف ساعة، بحيث إضافة إلى عدم انسجام بنياتها المتعددة   فإنها لا تتيح الإمكانيات الفعلية للتشخيص و التقويم .هذا إضافة إلى التيه المنهجي في أجرأة هذا المنهاج بحيث و كما هو معلوم فإن الميثاق الوطني للتربية و التكوين الذي أقر مقاربة التدريس بالكفايات عوض منهجية التدريس بالأهداف لم يحدد بكيفية واضحة الكفايات المستهدفة حسب المراحل الدراسية بما يتيح الإمكانية السليمة لصياغة مضامين و أنشطة تعليمية تساعد على إجراء عمليات التتبع و المراقبة   و التقويم للوقوف على مدى تحقق هذه الكفايات حسب المستويات و الأسلاك الدراسية، إضافة لعدم تناسب مضامين المنهاج مع الوسائل الديداكتيكية لأجرأته.

- ارتجالية التنظيم التربوي : يتم التعامل مع عملية التنظيم التربوي على أنها فقط عملية تقنية تتحكم فيها الخلفية التقنية للخريطة المدرسية التي تبني في غياب استحضار الأسس النظرية المحددة للعلاقة الثلاثية ( مدرس – تلميذ – منهاج ) التي تتيح إمكانيات فعلية للتعليم و التعلم ،على معادلة تتحكم فيها بمناسبة كل دخول مدرسي متغيرات تخطيط عددي يهم الموارد البشرية و التلاميذ و الأقسام الشيء الذي تتحول معه المهمة المركزية المدبرين للمنظومة إلى مجرد عملية لإيواء التلاميذ و التلميذات داخل حجرات و تكليف أستاذ بالتواجد معهم بغض النظر عن توفر الشروط الأساسية للتحصيل و التعلم و هو ما يترجم بالاكتظاظ و تعدد المستويات و عدم مراعاة التخصص في إسناد الأقسام بحيت نجد استاذ التربية الاسلامية يدرس العربية  و استاذ علوم الحياة و الأرض يدرس الفيزياء و الرياضيات إلخ ....

هذه ثلاث قضايا نعتقد أنها من بين الأسباب المركزية لأزمة المنظومة التربوية و التي على الحكومة باعتبارها مسؤولة عن السياسة التعليمية بالبلاد و ليس فقط السيد الوزير امتلاك الجرأة اللازمة لطرحها و التداول حولها و صياغة المخارج الكفيلة بتجاوز الاختلالات التي تعيق إصلاح المنظومة التربوية. و من دون ذلك سيبقى ما يسمى مناظرات و برامج الأصلاح التي تراوح فيها هذه المنظومة أزمتها مجرد مضيعة للوقت و للمال العام. كما حدث مع البرنامج الاستعجالي الذي لو كنا بصدده في بلد تربط فيه المسؤولية بالمحاسبة لما كان الحديث عن إصلاح المنظومة التعليمية بنفس الأساليب المعتمدة.