هل تعتبر الملكية موضوعاً شائكاً ومن التابوهات الممنوعة في المغرب؟ لا أعتقد نهائياً، ولكن هل من يناقش الملكية في المغرب يجلب على نفسه مشا...
هل تعتبر الملكية موضوعاً شائكاً ومن التابوهات الممنوعة في المغرب؟ لا أعتقد نهائياً، ولكن هل من يناقش الملكية في المغرب يجلب على نفسه مشاكل ومنها تعرضه للتخوين والحصار الاعلامي والثقافي؟ بطبيعة الحال نعم. هل يمتلك المثقفون والسياسيون المغاربة الجرأة لنقاش الملكية في المغرب؟ قلة قليلة، لكن في شبكات التواصل الاجتماعي نقاش الملكية يحظى باهتمام كبير وبدون خطوط حمراء.
إنها مجموعة من الملاحظات التي تحضر عند كل نقاش سياسي وثقافي لتقييم الملكية ودورها المركزي والمحوري في النقاشات في المغرب. ولعل الملاحظة الصارخة هي صمت أغلب المثقفين والسياسيين عن نقاش الملكية رغم أنها هي الحاسمة في الكثير من القضايا في البلاد، وهذا الحسم غير مرتبط بالضرورة بمفهوم ودور «الحكم»، لا ننسى أن الملكية تستمر بمثابة رأس المخزن.
وسط هذا الصمت، يبرز صوت مثقف وازن في تاريخ الثقافة المغربية والعربية، إنه عبد الله العروي صاحب المؤلفات ذات القيمة العلمية مثل «الإديولوجية العربية المعاصرة» و»العرب والفكر التاريخي» و»ثقافتنا في منظور التاريخ».
يقول في حوار مع سكاي نيوز الأسبوع الماضي «إن هناك وضعية خاصة للمغرب استنتجت منها أن هناك ملكاً اعتُرف له بالإمامة منذ زمن، وله نسب شريف إلى آخر ذلك، وبما أن هذا واقع وإرث من الماضي، فعلينا نحن أنصار الأفكار الحديثة أن نستثمر ذلك… بما أن هذا حدث، فالأفضل أن نعترف به ونقول إن الأمور الدينية كلها موكولة إلى الملك بصفته أمير المؤمنين، ومعنى ذلك أنه كل ما هو ليس دينياً أي دنيوياً من اقتصاد ومال وغيره، يخرج من بين يديه ويكون بين يدي البرلمان المنتخب».
والمفارقة أن موقف العروي الجريء، وهو المفكر الذي تجاوز الثمانين من العمر يأتي من الخليج، ولم يصدر عن مثقفين مغاربة شباب، كثير منهم يقصدون هذا الخليج مثل المغنيات بحثاً عن الدولار ويتخلون عن أي التزام ديمقراطي في هذا البلد، وتجدهم يتلونون سياسياً مثل الحرباء في الخليج.
رؤية العروي للملكية نابعة من تجربة فكرية وسياسية ناضجة بصفته شاهداً على تطور الوضع الثقافي والسياسي والاجتماعي في المغرب قبل الاستقلال وبعده وإبان فترة ثلاثة ملوك، محمد الخامس والحسن الثاني والملك الحالي محمد السادس.
والترجمة السياسية لتصريح العروي هي ضرورة أن يتحمل من يشرف على أمور الدنيا المسؤولية السياسية أمام الشعب.
وترجم النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار عمر بلافريج هذا الموقف سياسياً في البرلمان المغربي الأسبوع الماضي عندما طالب بتخفيض ميزانية الملكية لصالح التعليم وضرورة نقاش المشاريع الملكية من الصالح منها ومن الفاشل الذي يجب إيقافه.
موقف يذّكر بمواقف يساريين سابقين في قبة البرلمان ومنهم آيت يدر بنسعيد الذي كان قد طالب الملك بالكشف عن المعتقل الرهيب سجن تازمامارت وسط ذهول النواب.
وظاهرياً، قد تبدو مواقف العروي وبلافريج حالة فريدة وجديدة في مجتمع يغلب عليه الصمت من جهة وسياسة التملق من جهة أخرى بعدما ساد منطق الولاء بدل الكفاءة في التعيين.
لكن موقف هذا المثقف وهذا السياسي هو جزء من ثقافة تظهر بين الحين والآخر خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تتراجع وتنتعش خاصة مع وسائل التواصل الاجتماعي. فاليسار المغربي وخاصة الراديكالي منه يرفع هذا المطلب أي «الملك يسود ولا يحكم»، ورفعته أحزاب معتدلة مثل الاتحاد الاشتراكي خاصة أحد أسمائه البارزة في التسعينيات محمد الساسي، واقترب منه بنوع من التردد حزب الاستقلال، كما رفعه صحافيون مستقلون في بداية العقد الماضي علاوة على أعضاء من العائلة الملكية مثل هشام بن عبد الله، ابن عم الملك.
ابتعاد الملك عما هو دنيوي تدريجياً هو مطلوب للغاية بحكم أن الأعمال التي يقوم بها الملك حالياً لا تخضع نهائياً للمراقبة والمحاسبة السياسية ومنها بعض المشاريع الاقتصادية وبعض التوجهات الكبرى. وفي الوقت ذاته، هناك تطور للوعي السياسي في المغرب حيث لم يعد يقبل المواطنون ببقاء أي مسؤول خارج المحاسبة إذا كان يتولى تسيير مرفق من مرافق الدولة.
ومن ضمن الأمثلة التي تستوجب التأمل السياسي، فقد اعتدنا في المغرب على شعار «الحكومة تعمل وفق توجيهات الملك محمد السادس»، لكن المغرب في الوقت الراهن يحتل مرتبة غير مشرفة في التنمية، ومنذ أسابيع قليلة، أصدر البنك العالمي (الدولي) تقريراً سلبياً للغاية حول الوضع الاقتصادي ومستقبل البلاد وخاصة قطاعات مثل التعليم. وهذا الوضع غير غائب عن الملك الذي قال في إحدى خطبه مؤخراً «هل تحولت إدارة المغرب الى العالم الخامس» في تقييم للوضع التعليمي والقضائي ومرافق أخرى.
وعلى ضوء هذا: من سنحاسب الملك على توجيهاته أم الحكومة بسبب فشل ترجمة التوجيهات؟ هنا يوجد إشكال كبير لأننا لا نعرف أين يوجد الخلل هل في التوجيهات أم التطبيق، وتبقى المحاسبة هي الكفيلة بإيضاح ذلك. لكن الإشكال أن الدستور لا يسمح بمحاسبة الملك بينما الحكومة في المغرب تسمى «أكبر جمعية غير حكومية» لأنها لا تمتلك القرار السياسي والسيادي.
وعلى ضوء هذا الإشكال كذلك، يجب الفهم العميق لأقوال مفكر من طينة عبد الله العروي بتأكيده « أنه كل ما هو ليس دينيا أي دنيويا من اقتصاد ومال وغيره، يخرج من بين يديه (الملك) ويكون بين يدي البرلمان المنتخب».
التعليقات