أصبح النضال بالنسبة لأغلب الشعراء والكتاب والمثقفين هو أن يكتب الواحد منهم منشورا على الفيسبوك يؤكد فيه أنه مع الحراك في الريف وليس ضده،...
أصبح النضال بالنسبة لأغلب الشعراء والكتاب والمثقفين هو أن يكتب الواحد منهم منشورا على الفيسبوك يؤكد فيه أنه مع الحراك في الريف وليس ضده، ويجب أن يكتب كلمة ريف بوضوح حتى تبدو واضحة للجميع، وأنه مع الشعب وليس مع المخزن. يفعل هذا بواعز آخر أقوى وأكثر إلحاحا عليه من واعز النضال وهو أن لا يبدو أمام الآخرين خائنا غير منخرط في قضايا الأمة.
يكتب منشورا غامضا، ثوريا لكن بحذر شديد، وبلوم شديد الدلع للمخزن وبتضامن كامل مع المعتقلين ومع مطالب المحتجين. يكون بذلك قد ضرب كل العصافير بحجر واحد، لا يبدو للدولة أنه قد تمرد وقد أصبح يشكل خطرا وتحديا واضحا لها بل يبدو عاقلا وحكيما ورزينا ويدعو إلى المصالحة عوض الفتنة والفوضى، بينما يبدو في نفس الوقت للمتظاهرين والغاضبين والساخطين أنه واحد منهم متظاهر وغاضب وساخط هو الآخر.
يكتفي في الغالب بمنشور واحد قصير جدا، أو منشورين أو ثلاثة على الأكثر على فترات جد متباعدة. بعد الانتهاء من كتابة المنشور ينهض ويتوجه مباشرة إلى المطبخ ليطبخ بيضة في السر للغداء، وبعد أذان المغرب والحريرة والسفوف يذهب إلى المقهى رفقة أصدقائه كي يدردشوا بصوت منخفض جدا محاذرين أن تسمع العامة أو الجواسيس الوهميون ما يقولون.
يعود إلى البيت، ينزع ملابسه حتى يبقى بالشورت فقط، يفرشخ دلاحة ويضعها في صحن كبير أمامه قرب الحاسوب، يأكل قطع الدلاح ويشاهد بصمت وريبة بعض فيديوات اصطدام الشرطة بالمتظاهرين القادمة طازجة من الحسيمة، يشاهد الفيديوهات والمظاهرات مترقبا ماذا سوف يحدث وماذا سوف لن يحدث وفي نفس الوقت يعض من قطعة الدلاح عضة كبيرة يرتسم مكانها الفارغ حتى تبدو كسور أثري قديم تعرض للتخريب.
يأكل ويشاهد المظاهرات متسائلا عن حجمها وكثافتها وهو يتبنن حلاوة الدلاح. يشعر ببعض الملل، ينتقل إلى مشاهدة فيديوهات أخرى أو متابعة مسلسل رمضاني غامض عن داعش أو يتمدد على بطنه وينادي على زوجته كي تحك له ظهره.
في النهاية ماذا تعني كلمة مثقف داخل مجتمعنا؟ لا تعني أي شيء. إنه ذلك الكائن الذي يحب الكتب وقهوة سوداء في المقهى ولا يشعر براحة كبيرة كلما جاء رمضان ويرتدي فيستة دون ربطة عنق وبيرية ويسكن في عمارة وهو عضو قديم في حزب اشتراكي شيوعي قديم ويؤلف كتبا لا أحد يقرأها أو يفهمها أو يهتم لأمرها وفي الغالب العائلة لا تعتبره شخصا عاقلا بشكل كامل بل غريب الأطوار يقضي فترة بعد الظهر كاملة أيام العطل والآحاد في بارات رخيصة ولذلك يمتلك بطنا شبيهة ببطون البورجوازيين.
إنه في الغالب يشغل وظيفة عادية جدا لا تدر عليه أكثر مما تدر شاحنة نقل مواش على سائقها، أو مما يدره حقل على فلاح. إنه يخاف على وظيفته أكثر مما يخاف على الدولة كاملة بنظامها وشعبها.
لم يعد يؤمن كثيرا بما يؤمن به الشعب، ولم يعد حتى منخرطا بشكل جدي في الحزب سوى عبر استفادته من إرسال أطفاله صيفا إلى المخيم المجاني رفقة شبيبة الحزب وربما قد يستفيد أيضا من نشر مقالاته مجانا في جريدة الحزب شاعرا بذلك أنه من النخبة. هذا هو المثقف الذي يعلن على الفيسبوك في الغالب عن مواقفه المساندة للمحتجين دون أن يحضر أي مظاهرة أو أي احتجاج ودون أن يوافق بينه وبين نفسه على أي شكل من أشكال النضال الجماعي لأنها تبدو له كلها مسيسة ووراءها مصالح شخصية لأشخاص معينين يدفعون أشخاصا آخرين إلى الشوارع من أجل أن يحصلوا هم على تلك المصالح. إنه في الغالب مثقف مهلوك يائس وشاحب ومنافق بدرجة مارشال.
أما المثقفون الكبار، الكبار من ناحية الصالير والوظائف السامية والمناصب العليا سواء في الدولة أو في أحزاب الذين امتلكوا فيلا وسيارة محترمة ورواتب سمينة إضافة إلى بريمات شديدة الكرم، فهؤلاء لا يكتبون أصلا أي شيء على صفحاتهم، إذ من المنطقي أن لا يساند شخص مرفه ومرتاح ماديا ومعنويا جحافل من اليائسين والعاطلين والمتمردين والمفلسين الذين لم يذوقوا أبدا طعم الكافيار، ولم يجربوا أبدا إلى حد الآن الركوب في طائرة ولو حتى في رحلة جوية لا معنى لها بين الدار البيضاء والعيون.
www.facebook.com/mohammedbenmiloud
www.facebook.com/mohammedbenmiloud
التعليقات