ليس هذا عنوان قصة قصيرة أو فيلم من أفلام الإثارة التي تحقق إيرادات كبيرة عن طريق إثارة الغرائز قبل مسائلة العقول، وإنما هو أكبر من ذلك ع...
ليس هذا عنوان قصة قصيرة أو فيلم من أفلام الإثارة التي تحقق إيرادات كبيرة عن طريق إثارة الغرائز قبل مسائلة العقول، وإنما هو أكبر من ذلك عنوان الأزمة التي تعيشها الجامعات المغربية. الأمر يتعلق بأكبر فضيحة أخلاقية هزت إحدى الجامعات المغربية وتدق ناقوس الخطر الذي ينخر التعليم العالي في المغرب الذي تحولت جامعاته ومعاهده الكبرى إلى أكبر سوق للمساومات والنخاسات بكل أنواعها بلا حدود وبلا أخلاق أيضا.
الأمر يتعلق بما بات يعرف في المغرب بفضيحة "الجنس مقابل النقط"، والقصة بدأت عندما انتشرت على المواقع الاجتماعية "دردشات" خاصة وحميمية يٌعتقد أنها كانت تجري بين أستاذ جامعي بجامعة تطوان (شمال المغرب) وطالباته، وفيها يبدو ابتزاز واضح من الأستاذ لطلباته يضغط عليهن بممارسة الجنس معه مقابل منحهن "نقط" عالية في المادة التي يُدرِّسها. وبعد أن تجاوز الخبر محيط الحرم الجامعي وتحول إلى فضيحة على مواقع التواصل الاجتماعي قررت النيابة العامة متابعة الأستاذ المشتبه به بتهمة "هتك عرض أشخاص ممن له سلطة عليهم تحت الإكراه، واستغلال النفوذ والتحرش الجنسي".
من جانبه قرر المجلس التأديبي بالجامعة، وبعد أن تحولت الفضيحة إلى قضية رأي عام، إنزال أقصى العقوبات التي يخوّلها القانون بالمشتبه به في حال ثبتت التهم التي يواجهها، وطرده من سلك التعليم الجامعي ومن سلك الوظيفة العمومية.
أما طلبة الجامعة المعنية فيواصلون الاحتجاج حتى لا يتم التساهل مع التحقيق الذي أصبح الآن بيد القضاء فهو الذي سيقول كلمته الأخيرة في هذه القضية دون أن ينهي ذلك مشكلا أكبر من فضيحة "الجنس مقابل النقط"، لأن الأمر يتعلق بخلل بنيوي بات يتهدد مستقبل التعليم العالي في المغرب.
حتى الآن الطرف الوحيد المشتبه به هو "الأستاذ الجامعي"، لكن لا يجب أن ننسى وجود أطراف أخرى تبدأ من "الطالبات" اللواتي قبلن مساومة عرضهن بنقط لا يستحقهن علميا وعمليا، وقد قامت النيابة العامة بالفعل بالاستماع إلى "ضحايا" منهن، وحجز الرسائل النصية "الحميمية" التي يشتبه في أن المشتبه به الرئيسي كان يتبادلها مع من يفترض في أنهن "ضحاياه".
لكن لا يجب أن ننسى أطرافا أخرى تتحمل جانبا مُهما من المسؤولية في السمعة السيئة التي باتت تلاحق الجامعات المغربية والتعليم العالي في المغرب. فهذه "الفضيحة" في حال ثبتت التهم الموجهة إلى الأستاذ المشتبه به المتابع حاليا في حالة اعتقال، لا تمثل سوى الجزء الظاهر من جبل الثلج داخل الجامعات المغربية، وربما لم يكن لها أن تأخذ أبعاد الفضيحة المدوية لولا وجود رائحة "الجنس" فيها التي تثير الغرائز وترفع من وقع الإثارة الإعلامية لدى رواد المواقع الاجتماعية.
فالمسؤولية في ما آلت إليه سمعة الجامعات المغربية تتحملها المنظومة التعليمية في المغرب التي أٌفرغت من الكثير من القيم النبيلة التي بدونها لا يمكن بناء الإنسان القويم المستقيم، عندما تحولت الجامعات والمعاهد العليا إلى "معسكرات" لتخريج أشباه المتعلمين وأفواج العاطلين وليس إلى مراكز للتحصيل والابتكار والاجتهاد.
فكل من مر بالجامعات المغربية التي لا ترقى بعض كلياتها حتى إلى مستوى "المدارس الثانوية"، يعرف أن "النقط" تقايض بكل الوسائل ومقابل كل شيء من المال وقضاء المصالح وعن طريق الوساطات والتدخلات.. وفضيحة "الجنس مقابل النقط" ما هي سوى الوسيلة المثيرة للغرائز من بين كل الوسائل الأخرى التي تحولت إلى عملات قابلة للصرف داخل بورصة الحرم الجامعي المغربي، دون الحديث عن ما تكشفه الصحافة المحلية المغربية بين الفينة والأخرى عن تفشي "الرشوة" بكل أنواعها وعمليات البيع والشراء من أجل التسجيل في أسلاك الشُّعب العليا المتخصصة أو الحصول على شهادات علمية مزيفة..
وهذه الوسائل الدنيئة لا تلجأ إليها فقط الطالبات والطلبة، وأحيانا بدعم وتشجيع من أولياء أمرهم، وإنما يلجأ إليها الأساتذة الجامعيون أنفسهم والعمداء ورؤساء الجامعات الذين يتهافت أغلبهم على المناصب أكثر من تنافسهم على التحصيل والبحث والإنتاج. فليس جديدا أن التعيينات في المناصب الجامعية في المغرب تخضع للحسابات السياسية وللزيونية والاستعداد على خدمة السلطة أكثر من الرغبة في خدمة العلم والبحث والقدرة على الإنتاج والإبداع والابتكار.
لذلك ليس غريبا أن تصنف الجامعات المغربية سنويا في ذيل قائمة ترتيب الجامعات والمؤسسات العليا في العالم، مع العلم أنه توجد في المغرب أكثر من 15 جامعة يدرس بها نحو 800 ألف طالبة وطالب في بلد يخصص قرابة سدس ميزانيته السنوية لقطاع التعليم والتكوين تمثل فيها ميزانية التعليم العالي وحده نحو 10 مليارات درهم مغربي.
المسؤولية المعنوية لفضيحة "النقط مقابل الجنس" تتحملها المنظومة التعليمية ومناهجها ومقرراتها، فلا يجب حصرها فقط في "الأستاذ الجامعي" المشتبه به الذي لم يحصنه "عِلمه" من اللجوء إلى الابتزاز من أجل تلبية نزواته الجنسية، أو في "ضحاياه" من الطالبات اللواتي لم يتلقين تعليما يحميهن من كل أنواع الإغراءات التي تجعلهن يساومن عرضهن بنقط رمزية لن تشفع لهن عندما يخرجن إلى سوق العمل.
والمسؤولية السياسية في هذه الفضيحة تتحملها أولا الحكومات المتعاقبة والوزراء الذي أشرفوا على إدارة قطاع التعليم بكل أصنافه الابتدائي والثانوي والعالي، كما تتحملها كل "الهيئات" الرسمية التي أنشئت منذ استقلال المغرب حتى اليوم وصرفت عليها أموال طائلة من خزينة الدولة بهدف التفكير في إصلاح التعليم في المغرب، والمسؤولية هنا مشتركة بين كل "الفاعلين" الذين يتهافتون على حجز مقاعدهم المثيرة داخل هذه الهيئات لا لهدف آخر سوى تحصيل الكثير من الامتيازات والحصول على المزيد من التعويضات..
فضيحة "الجنس مقابل النقط" هي عنوان أكبر لانهيار السٌّلم الأخلاقي من قمة الهرم، وهي بمثابة ناقوس الخطر الذي بات يتهدد قيم مجتمع برمته قبل فوات الأوان.
التعليقات