تعيش الثقافة تهميشا واضحا في بلادنا لأنها لا ترتبط بالمراكز سوى بالاسم فالمؤسسات المرتبطة بها لا تستطيع أن توفر لها حتى الحماية . ال...
تعيش الثقافة تهميشا واضحا في بلادنا لأنها لا ترتبط بالمراكز سوى بالاسم فالمؤسسات المرتبطة بها لا تستطيع أن توفر لها حتى الحماية .
الميزانية التي تخصص للثقافة هي أضعف ميزانية إن لم نقل فتات ميزانية كل القطاعات ، كما لا توجد استراتيجيات متكاملة تدعم وجود قوانين وأنظمة تقنن العمل الثقافي والإنتاج الثقافي .
ففي الواقع نحن نعيش واقع ثقافي خاضع لسلطة المؤسسة ومشروعها الثقافي الرسمي الذي يبعث في هذا الواقع جو الفوضى في مواجهة أي مشروع أخر بديل .
مؤسسات وفضاءات وزارة الثقافة لا تعدو كونها وكالات تعطي حق الإيواء لنشاط ثقافي ترضى عليه المؤسسة .
الإعلام هو كذلك السلطة من تحركه ،فالجرائد لم تعد منبر للإشعاع الثقافي كما في الماضي ، لقد غدت سوق للكتابات التافهة المتناولة لمواضيع سخيفة لها ارتباط بالعنف والاغتصاب والجريمة والدعارة ؛ فلا يجد موضوع الثقافة مكانا بينها .
أما قنواتنا الوطنية فتتحفنا بأطباق من برامج على شاكلة "أخطر مجرم" و"الخيط الأبيض" و"قصص الناس" وغيرها من الانتاجات التي تسوق لهموم ومتاعب الناس والفئات الفقيرة ؛ ولا تحتفي في برامجها بالمثقفين والمبدعين والمفكرين الذين تركوا بصمات في الساحة الفكرية الوطنية والمشرقية ، بل تتنكر لهم ولإبداعاتهم .
أما جامعاتنا فقد حولها المسئولون الحكوميون الجدد إلى مرتع لنشر الفكر الاخواني والوهابي بالسماح للأذرع الدعوية وتمكينها من اختراق هيئة التدريس وزرع أعضائها في الجامعة .
مثقفونا لم يعد بإمكانهم أن يلعبوا أي دور في الحراك السياسي والاجتماعي تاركين الدور للقنوات التي أصبحت الناطق الفعلي بأشياء كثيرة .
منظومتنا التربوية تم استئصال جذور التربية الثقافية من برامجها ومناهجها حتى صارت تنتج الفشل وصرنا نحتل أدنى المراتب في مؤشر التربية والتعليم .
ما يحز في أنفسنا في زمن الرداءة هذا هو أن يصل الأمر بمطرب أو مطربة وبأغنية من كلمات غامضة وغير مفهومة أن يحقق مجدا ويوشح بأعلى الأوسمة ويكسب ثروة لا يحققها أي عالم أو مفكر نذر عمره للفكر والإبداع دون أن يجد من ينشر له كتابا .
اليوم عاد البلد العربي يُنسب إلى المرشح الذي يمثله في" ستار أكاديمي" أو "أراب إد ول " ويُمَثل الوطن بالمراهقين اللذين يسيئون لصورة البلد بالخارج بسلوكياتهم الإجرامية وفضائحهم الصبيانية في الاغتصاب ، وتستنفر السفارات والقنصليات بالخارج ويتضامن
معهم أشباه الفنانين والمغنيين المخنتين ؛ وعندما يعودون للوطن يستقبلهم جمهور غفير من المعجبين في المطارات وعند أبواب بيوتهم في الأحياء الشعبية فيضطر الأمن العمومي والشيوخ والمقدمين إلى تفريق المتدافعين في حين يطلق سراح المعتقلين السياسيين والطلبة والحقوقيون فلا يجدون في انتظارهم بباب السجن إلا رفاقا مخلصين على رؤؤس الأصابع .
التعليقات