$type=ticker$count=12$cols=3$cate=0

قراءة في قصة "نوارة" للكاتب الدكتور عبد الإله الرابحي

قدمت بمناسبة حفل توقيع هذه الحكاية السردية الذي نظمته جمعية بنسليمان الزيايدة يوم السبت 15 أبريل 2017 ابتداء من الساعة السادسة و النصف م...

قدمت بمناسبة حفل توقيع هذه الحكاية السردية الذي نظمته جمعية بنسليمان الزيايدة يوم السبت 15 أبريل 2017 ابتداء من الساعة السادسة و النصف مساء بفضائها الجمعوي و الذي يتموقع في إطار برنامج الملتقى الثقافي الأول الذي تحييه الجمعية خلال الفترة الممتدة من 25 مارس إلى 23 أبريل 2017.
ما سأقدمه لا يتجاوز سقف انطباعات قارئ كلف تعسفا على الابداع الأدبي و أدوات قراءاته  على الإبحار - مع العلم أنه لا يحسن السباحة في مثل هذا المحيط – في هذه المغامرة التي أتمنى أن تقربكم من سيدة هذه الأمسية " نوارة"  التي شاءت ثقافة الشرق الذكوري أن تحرمها من حقوقها في اللعب والحب  و في التمدرس و تغتصب طفولتها بزواجها قاصرا من سيخ و لا دخل لها في شؤون البلدة التي تبقى من اختصاص جماعة الرجال العاجزة هي أصلا عن التحكم في مصير البلدة و أسباب نموها. 
فإذا انطلقنا من كون السرد ليس مجرد عرض للأحداث بل نظاما من التواصل و صياغة للواقع الذي يتكلم عنه و ينطلق منه.
و إذا استحضرنا أيضا التمييز حسب ما ذهب لذلك "جان جينيت" في السرد بين الحكي كترتيب للأحداث داخل النص و بين القصة التي تتأطر داخل/ و تؤطر السياقات التي وقعت فيها الأحداث.
و إذا كانت الغاية من السرد ليست فقط عرض للحكاية كما خطط لها صاحب النص بل جعل القارئ يغوص في تفاصيلها لتمثل ما يريد هو تمثله من خلال قراءته للنص السردي.  
فإن قراءتي لنوارة جعلتني أتمثلها من خلال 3 مستويات يمكن ترجمتها على الشكل التالي:

 نوارة و سيرة "العربي" الشخصية المحورية للنص: 
و التي يمكن أن تشكل جزءا من السيرة الذاتية لجيلي الستينات و السبعينات من القرن الماضي و خاصة أبناء القرى أي الأجيال التي عايشت حقبة ما سمي بالحماس الوطني  الذي أعقب فترة الاستعمار و رهاناتها الكبرى في التحرر الوطني و في تحديث المجتمع و بناء أسباب تقدمه. و هو الحماس المحدد للسياق العام الذي  وسم حياة هذه الأجيال و ساهم في تنشأتها و بلورة أحاسيسها و رغباتها و تطلعاتها و طموحاتها و أحلامها.
فقراءة " نوارة " تجعل العربي الطفل الموزع بين رغباته الغريزية سواء في اللعب مع أبناء بلدته و رفاقه في الدراسة،  عمر و عبد الرحيم و سليمان أو تعلقه و حبه لنوارة و بين أسئلة  واقع البلدة التي يؤطر وعي سكانها و سلوكاتهم التقليدية من قبيل بركة الولي الصالح و سلطة الشيخ و بين مسؤوليته في ضرورة التحصيل و التعلم كوسيلة للرقي الاجتماعي و إعانة عائلته رغم قساوة المعلم، تجعل الكثير منا يسترجع أجزاء من طفولته.
و العربي اليافع /الشاب الذي ظل حنينه للبلدة بهواجسه و أسئلته  يطارده و المتلمس للأسئلة الكبرى التي طبعت المرحلة التي عايشها والمؤطرة في جزء كبير منها بصعود حركات التحرر و الثورة الثقافية الصينية و ثورة ماي 68  بفرنسا  و شارك في حلقات النقاش و عاين اعتقال زميله عمر لا يمكن إلا أن يتقمصه كل من أمن آنذاك أن اليسار و الفكر اليساري هو الحل لتجاوز المعضلات التي يعاني منها المجتمع و انخرط في تفاعلاته.
أما العربي الذي قرر الانتقال إلى الضفة الأخرى لإتمام دراسته حاملا معه كل الأحلام الوردية التي ربما تجيب عن كل الأسئلة المتراكمة عن البلدة و عن الوطن فسيجد نفسه رغم إتمامه لدراسته و زواجه من ماريا و ميلاد صبيته ، في متاهة الانخراط هناك و محاولة الاندماج المعاق بأسئلة العلاقة بين الشرق و الغرب و بين الأنا و الآخر في مستوياتها الثقافية و الحضارية. و كثير من أبناء جيل المرحلة عاشوا تفاصيل هذه المتاهة.

نوارة و سؤال المجال
قد يجد القارئ في النص السردي – نوارة -  توصيفا دقيقا للمجال الذي اختار له الكاتب اسم البلدة و التي يمكن إسقاط توصيفها على أي بلدة بالمغرب مع استحضار الفرق بينها و بين المدينة  بحيث لا يرسم امتداد الوصل المظلم بينهما سوى الطريق المبلط بالزفت الأسود حسب تعبير الكاتب إذ يحيى كل مجال في عالمه الخاص فهناك أي في المدينة الاضواء اللامعة المنبعثة من أعمدة النور و طرق معبدة لمرور السيارات و دكاكين اصطفت على طول الشارع تعرض بضائعها المتنوعة، أما هنا أي البلدة التي لم يكن مبرر و جودها سوى قبة الولي الصالح فهي عبارة عن بقع متناثرة ، شبه ضيعات ببيوت واطئة  و أحواش لتربية البهائم تؤنس و حشة ظلامها الفتائل الباهتة و يؤتث فضائها دكان صغير لا يوفر كل حاجيات أهلها الذي كانوا يستقدونها من السوق الأسبوعي المتميز يومه عن باقي الأيام بحلوياته و عشائه.  تكبر و تتقلص هذه الضيعات بفعل البيع و الشراء و الإرث مع توالي الأجيال باستثناء ضيعة الحاج أحمد التي لا تشبه باقي الضيعات باعتباره يمثل طينة الأعيان الذين ورثوا أو ورثوا ضيعات المعمرين. مع الإشارة إلى أن هذا التطور الطبيعي للبلدة سيتغير بفعل توافد غرباء لا تربطهم أية صلة بأهل البلدة  لشراء الأرض و إقامة ضيعات حديثة مسيجة للإقامة المؤقتة نهاية الأسبوع و في مناسبات خاصة.

نوارة و سؤال الثقافة 
في ثنايا المتن السردي لحكاية " نوارة" المتأرجحة بين بداية الحكاية و نهايتها و المتسائلة عن أصل الحكاية يجد القارئ نفسه محاطا بالأسئلة التي أطرت ما سمي في الأدبيات العاصرة بأسئلة النهضة و التي يتحول معها العربي الشخصية الرئيسية في النص إلى الانسان العربي . فالعربي خلال سيرته داخل النص كان في نهاية كل مشهد يعود لصاحبه الذي شغل النصف الأخر لوعيه المنشطر بين ثنائيات الثقافة العربية المعاصرة من قبيل: ثنائية التقليد و الحداثة  التي تمظهرت في الجسر الذي سلكه العربي من البلدة الموغلة في ثقافتها التقليدية إلى المدينة المتلمسة طريقها في اتجاه الحداثة إلى الضفة الأخرى مهد الحداثة و صانعتها. ثنائية الشرق و الغرب أو الأنا و الآخر التي شكلت هواجس العربي و هو يقرر بيع الأرض للعبور هناك و أطرت سلوكاته و مواقفه سواء مع موشي الذي قرر قطع علاقته معه اعتناقا للقضية الفلسطينية أو مع جماعة جاكلين في دفاعه عن الهوية. 

على سبيل الختم
قد تبدو الدائرة التي سلكها العربي من البلدة إلى المدينة إلى الضفة الأخرى ثم العودة إلى البلدة ليجدها على حالها بالرغم من كل الآمال و الأحلام و المتمنيات ما هي سوى تجسيد للمأزق التاريخي الذي عاشته و تعيشه الأمة العربية منذ الاحتكاك مع الغرب و فشل تجربة محمد على باشا. و قد تحيل الأفكار و الممارسات المؤطرة لسيرة العربي من قومية و اشتراكية وصولا إلى تماسه مع الفكر الأصولي  مجمل الأفكار التي أطرت المحاولات التي حاول من خلاله العرب الإجابة على سؤال البداية المتمثل في " لماذا تقدم الآخر و تخلفنا نحن؟ و من هذا المنطلق فإن " نوارة" حقا تشكل أصل الحكاية.
تلكم سرديات نوارة كما أريد لها أن تحكى أو كما تمثلت ثناياها ، حكاية مجتمع موزع بين أفكار و قيم آتية من عمق تجربته التاريخية يعتقد أن المحيد عنها مساسا بكنه هويته،  و بين الرياح العاصفة للأفكار و القيم المجسدة لمنطق التطور و روح العصر، و بمآسي هذا الشرخ العميق يراوح مكان زمانه يتلمس لأزيد من قرن محاولة الجواب التي قد يخلصه من التباس السؤال. 

المصطفى بنصباحية

التعليقات

جوجل: 2

الاسم

اخبار العالم,2010,اخبار العرب,1745,اخبار المغرب,6505,أرشيف,9,أسبانيا,4,اسبانيا,166,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,5,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,307,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,58,اقتصاد,977,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,14,البرازيل,11,الجزائر,298,السعودية,15,الصحة,118,الصين,25,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,21,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,71,اليمن,23,إيران,33,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,13,تاريخ,4,تحقيق,1,تحليل,1,تدوين,755,ترجمة,1,تركيا,17,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1297,تقرير صحفي,75,تونس,89,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,388,حزب الله,8,حماس,1,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,75,رياضة,373,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,12,سوسيال ميديا,11,سوشال ميديا,15,سياحة,1,سينما,28,شؤون ثقافية,442,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,910,طاقة,24,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,1,علوم و تكنولوجيا,314,عناوين الصحف,322,غزة,73,فرنسا,176,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,593,فنون,242,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1924,كولومبيا,1,لبنان,20,ليبيا,34,مجتمع,1247,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,7,مغاربي,1042,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: قراءة في قصة "نوارة" للكاتب الدكتور عبد الإله الرابحي
قراءة في قصة "نوارة" للكاتب الدكتور عبد الإله الرابحي
https://2.bp.blogspot.com/-NGT1gJB9uYU/WPO_lFndIxI/AAAAAAAAmvk/un1oLIylPvs6jdNyBbyNeXdZTY_pakuWwCLcB/s640/18009544_1259830464094031_1760566096_n.jpg
https://2.bp.blogspot.com/-NGT1gJB9uYU/WPO_lFndIxI/AAAAAAAAmvk/un1oLIylPvs6jdNyBbyNeXdZTY_pakuWwCLcB/s72-c/18009544_1259830464094031_1760566096_n.jpg
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2017/04/blog-post_91.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2017/04/blog-post_91.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy Table of Content