الفيتو المزدوج الصيني الروسي المتكرر اشارة واضحة لامريكا وحلفاءها مفادها أن عهد هيمنة القطب الواحد الى نهايته إن لم يكن قد انتهى فعلاً, ...
الفيتو المزدوج الصيني الروسي المتكرر اشارة واضحة لامريكا وحلفاءها مفادها أن عهد هيمنة القطب الواحد الى نهايته إن لم يكن قد انتهى فعلاً, وخوف امريكا السابق من امبراطوريات صاعدة قد اصبح واقعاً تعيشه, حيث لم تحمها حروبها الاستباقية التي قامت بها ودمرت مقدرات الشعوب في اكثر من مكان بالعالم. الاوراق التي كانت بين واشنطن بعد أن تفكك الاتحاد السوفييتي لم تعد صالحة لاقناع دول الشرق الاوسط, لكنها في نفس الوقت لم تغير من سياستها تجاه العالم العربي, وانها مازالت حريصة على المنطقة بشكل عام؟ وليس على اسرائيل ومصالحها فقط. لقد وعدت انها تعمل من اجل نشر الديمقراطية، فنشرت ديمقراطية المكونات الطائفية والمذهبية, وعملت على نشر الفوضى الخلاقة في معظم العالم العربي, ووعدت بالعمل على دعم حقوق الانسان فضيعت حقوق الانسان وحقوق الشعوب, ولها تاريخاً حافلاً في ذلك. الان يعمل البيت الأبيض من أجل الغاء حق العودة للشعب الفلسطيني, وأعطى ضوءً اخضر دائم لإسرائيل من اجل بناء المزيد من المستوطنات, ووعد بمكافحة الارهاب لكن اخطر المنظمات الارهابية وحشيةً مثل تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة ظهرت خلال هذا الوعد, مع العلم انه لايوجد ضمانات ان تتحول بعض من هذه الاوراق ضدها, وعلى رأسها الورقة الاصولية التي قد تحمل في طياتها استبطانات وتناقضات وانقلابات لا يمكن ضبطها, والتاريخ الاسلامي حافل بذلك.
اما الليبراليين الجدد الذين سارعوا للركوب في العربة الخلفية للقطار الاميركي ليس ايمانا بالدور الامريكي بقدر المكاسب الشخصية والمصالح الأنية والاصطياد في الماء العكر فهم مسألة أخرى. لقد كانوا من أشد أعداء امريكا في القرن الماضي, ومن كان ينتقد النظام في الاتحاد السوفييتي وتعامله مع الحكام العرب ومع الاحزاب الشيوعية في الوطن العربي كانوا بنظرهم كمن يحرق المقدسات، اليوم بكل علانية ينقلبون على ماضيهم, وبشكل مرعب يمارسون الدعاية لعدو الامس باعتباره منقذ العصر؟, وحليف الامس عدو اليوم. هل يعقل أن يسجن شخص لسنين طويلة لأنه شيوعي ويعيش نهايات خبرة سنينه الطويلة على قناعة إن أن امريكا هي من تنشر الديمقراطية في العالم, وهي القاطرة التاريخية الحضارية للعالم, وهي التي ستاخذ البشرية الى شاطئ الأمان!. هل يؤتمن امثال هؤلاء من قبل الطبقة التي ادعوا تمثيلها وخذلوها حتى يكونوا اهلا للثقة؟. هكذا تجد الولايات المتحدة بسهولة إنها تشتري وتبيع عندما تجد السوق مناسب, وهي تعرف مصالحها جيداً, وادواتها في المنطقة العربية قد يُباعوا بسعر رخيص اذا اقتضت الضرورة. وفي جيش لحد في لبنان مثالاً واضحاً, فبعض الليبراليين الجدد من اليسار القومي الذين نقلوا البندقية من كتف الى كتف قد اكتشفوا ان بندقيتكم الماركسية كانت من خشب. لكن الحقيقة الواضحة هي أنه من العبث الرهان على نظام ليبرالي يعمل بكل طاقته من أجل الهيمنة على العالم, وهو لاينفك يسعى تحو المزيد من التهميش والالغاء للآخر. لقد رفع شعار الديمقراطية بغية الإجهاز عليها, وتحولت معظم البلدان العربية الى بلدان مطوئفة سياسياً ومتحللة تدريجيا الى ديمقراطية المكونات, التي هي شكل جديد من الصراع ولكن بادوات عنفية خطيرة. يقتضي هذا من يساريي الامس واليوم اعادة المراجعة وقراءة التحديات الجديدة, ووضع آليات لمواجهة الخطر الجديد المتمثل باالليبرالية الجديدة المتوحشة التي يقودها الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب, وادواتها في بعض الدول العربية وحليفتهم اسرائيل, بدل الركوب في قاطرتها التي لا ترضى فقراء العالم الا وقودا لها.
إن التطورات الجيوسياسية المنعكسة عن صعود الصين وروسيا لن تسمح بتفرد الولايات المتحدة في احتكار الثروة والسلطة خارج اراضيها دون شراكة معها, وأن تتقاسم الحصص وفق قوانين جديدة تربح فيها جميع هذه الدول الرأسمالية, لكن بالتأكيد مع خسارة الشعوب الاكثر فقرا لما تبقى لها من ثروة, فهل الخسارة قدر الشعوب الفقيرة دائما؟, او أن هناك مسؤوليات جديدة تقع على عاتقها وعاتق نخبها السياسية والفكرية والاجتماعية, وانحيازها لصالح فقراء العالم, هل تكتفي بالشعارات او تنتقل الي ساحة الفعل لتقوم بدورها وفي مقدمتها النخب اليسارية التي نعتقد ونراهن على قدرتها اذا جمعت طاقاتها بأنها تستطيع تحصيل الحد الادنى من الحقوق. نعتقد أن المشرق العربي فيه العديد من النخب اليسارية الموثوقة والشعوب بحاجة ماسة لجمع جهود هذه النخب باتجاه انقاذ مايمكن انقاذه.
* كاتب من سوريا
محمد شعبان سجين سياسي سابق من الحزب الشيوعي السوري, من وجهاء مدينة بانياس السورية, أحد مؤسسي تيار طريق التغيير السلمي, وعضو ساحة طرطوس للحوارالوطني.
: https://www.facebook.com/profile.php?id=100003496732642
التعليقات