عند وصول الإسلاميين المغاربة، ممثلين في حزب "العدالة والتنمية" المغربي، إلى الحكومة وقيادتها عام 2011، ظهرت عدة تحليلات متسر...
عند وصول الإسلاميين المغاربة، ممثلين في حزب "العدالة والتنمية" المغربي، إلى الحكومة وقيادتها عام 2011، ظهرت عدة تحليلات متسرعة تتحدث عن "الاستثناء المغربي" و"النموذج الإسلامي المغربي"، و"الربيع المغربي الصامت"، و"ثورة الصناديق".. وغيرها من الشعارات التي أرادت أن تجعل من وصول إسلاميين مغاربة إلى الحكومة نموذجا لنجاح "الإسلام السياسي" "المعتدل"، وسط الانهيارات التي كانت تعيشها تجارب نفس التيار السياسي في أكثر من دولة عربية انتهت فيها تجربة حُكم الإسلاميين بانقلابات دامية قادتها الثورات المضادة.
لكن من كان يعرف حقيقة ما جرى في المغرب عام 2011، عام ثورات الشعوب العربية، والدور الذي لعبه إسلاميو "العدالة والتنمية" المغربي إبان فترة الحراك الشعبي في المغرب، عندما عارضوه واصطفوا خلف القوى المضادة له، كانوا يدركون أن فترة "زواج المتعة" بين هؤلاء "الإسلاميين"، (لأن في المغرب إسلاميين آخرين ساندوا الحراك الشعبي المغربي)، لن يدوم طويلا، لأنه كان زواج مصلحة منذ اليوم الأول لعقد القِران.
فالسُلطة في المغرب كانت في حاجة إلى تيَّار سياسي له امتدادات شعبية للوقوف ضد الحِراك الشعبيّ آنذاك، ولإسناد ظهرها ضد الرياح التي عصفت بأنظمة عربية وقلبت دُولاً سافلها على عاليها. كما أن إسلاميي "العدالة والتنمية" وبغير قليل من "البراغماتية" انتهزوا حالة الخوف التي انتابت السلطة في المغرب للتقرب منها وكسب وُدِّها وعطفها، وقدَّموا لها كل الخدمات والتنازلات من أجل نيل ثقتها ورِضاها عنهم.
ومن يتابع اليوم "النقاش الخجول" بين قيادات حزب "العدالة والتنمية" على مواقع التواصل الاجتماعي، يكتشف حجم خيبة الأمل التي أصيبوا بها بعد خمس سنوات من قيادتهم للحكومة في المغرب قدموا فيها الكثير من التنازلات، وأقدموا خلالها على اتخاذ العديد من القرارات اللاشعبية، كل ذلك من أجل التقرب من السلطة التي طعنتهم أكثر من مرة من الخلف. فالكلمات القاسية التي تتردد في "تدوينات" أسماء بارزة من الصف الأول في حزب "العدالة والتنمية" تتحدث عن "المؤامرة" و"الخيانة" و"الانقلاب" لوصف مآل هذا الحزب بعد أن تحول إلى مجرد "شاهد إثبات" لتأييد شيء غير موجود على أرض الواقع.
فالصورة التي يتلقاها المتابع من خارج المغرب هي أن التجربة المغربية تمر بحالة "انتقال ديمقراطي" سلس يقوده حزب إسلامي معتدل، لكن الحقيقة على أرض الواقع هي أن وجود حزب إسلامي على رأس حكومة ثلثي أعضائها من وزراء ينتمون إلى أحزاب خلقتها وتدعمها السلطة ومن وزراء محسوبين مباشرة على نفس السلطة، هو مجرد واجهة للاستهلاك الخارجي.
فإذا كان بعض قيادات الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة؛ يتبرؤون اليوم من هذه الحكومة التي يقودها حزبهم، ويصفونها بأنها حكومة "إملاءات" فرضتها إرادة السلطة لتنفيذ سياساتها ومخططاتها، فما الغاية من قيادة حكومة والمشاركة فيها ودعمها داخل البرلمان، إذا كانت غير قادرة على الوفاء بالوعود التي يطلقها الحزب في حملاته الانتخابية؟
تجربة "العدالة والتنمية" في المغرب تحتاج إلى وقفة تأمل من طرف أصحابها بالدرجة الأولى، وإلى الكثير من الشجاعة الأدبية لممارسة النقد الذاتي قبل أن تندثر التجربة وتتحول إلى غبار مثل الكثير من التجارب التي سبقتها في الواقع المغربي. فليست هذه هي أول مرة تنجح فيها السلطة في المغرب في "تدجين" حزب سياسي له امتداد شعبي وتحوله إلى "كيان انتخابي" أغلب ساكنيه من محترفي الانتخابات وصَيَّادي المناصب العمومية. حدث هذا في التاريخ القريب مع حزب "الاتحاد الاشتراكي"، الذي كان يُشَكِّلُ تيّاراً مجتمعياً قويَّاً داخل المجتمع المغربي حتى تسعينيات القرن الماضي قبل أن يتحول إلى حزب عادي تتنازعه الطموحات الشخصية لأعضائه اللاهثين وراء المناصب والامتيازات.
وبالنظر إلى مآل هذا الحزب اليساري الكبير الذي مارس المعارضة طيلة أربعين سنة قبل أن يتحول إلى مجرد رقم صغير في المعادلة السياسية المغربية، فإن مسؤولية قياديي "العدالة والتنمية" كبيرة لأن مآل حزبهم لا يمكنه أن يخفى عليهم، وهو لن يختلف عن مآل الحزب اليساري الذي سبقهم إلى المعارضة وإلى قيادة الحكومة قبل أن تبتلعه السلطة ويعميه وهجها عن قراءة الواقع.
اليوم فقط اكتشف بعض قادة حزب "العدالة والتنمية"، متأخرين، أن السلطة استغلت "شعبيتهم" لإخماد غضب الشارع المغربي عام 2011، وأن وجودهم كان ومازال يقتصر على لعب دور "صمَّام أمان" لتحمل كل الصدمات الصادرة عن الشارع، ومع ذلك فإن جزءاً من قيادة نفس الحزب ما زالوا يدافعون عن القيام بنفس الدور ويجتهدون في إيجاد التبريرات للاستمرار في أدائه حتى بعد أن اتَّضحت الصورة وتجلَّت العبارة.
قصة نجاح "حُكم الإسلاميين" في المغرب لم تكن في يوم من الأيام قصة واقعية، وإنما هي من نسج خيال بعض الإسلاميين الذين صدَّقوا الوهم، وهي من بنات خيال السلطة في المغرب التي باعت الوهم للجميع للترويج لصورة "الاستثناء المغربي" خارج المغرب. وكما يحدث في كل قصص الخيال، فعندما تنتهي الحكاية يستيقظ صاحبها على الواقع الذي لا يرتفع. وقد آن لإسلاميي "العدالة والتنمية" أن يستيقظوا من حالة التنويم المغناطيسي التي أصابتهم قبل فوات الأوان وضياع حزبهم كما ضاعت قبله أحزاب أخرى صدَّقت الوهم حتى تحولت إلى باعةٍ ومُرَوِّجين له.
التعليقات