$type=ticker$count=12$show=post$cols=3$cate=0

اعترافات محمد الأشعري.. المتأخرة - علي أنوزلا*

محمد الأشعري هو وزير الاتصال والثقافة المغربي السابق، دخل إلى الحكومة باسم حزب الاتحاد الاشتراكي (اليساري)، وهو قبل ذلك شاعر وروائي ورئي...

محمد الأشعري هو وزير الاتصال والثقافة المغربي السابق، دخل إلى الحكومة باسم حزب الاتحاد الاشتراكي (اليساري)، وهو قبل ذلك شاعر وروائي ورئيس سابق أيضا لاتحاد كتاب المغرب. شارك في الحكومة ضمن أول تجربة تناوب سياسي في المغرب كان ثمرة توافق سياسي بين الملك الراحل الحسن الثاني وزعيم الاشتراكيين المغاربة السابق عبد الرحمن اليوسفي، لذلك سميت تلك التجربة حكومة "التناوب التوافقي"، وأدارت الشأن العام في المغرب ما بين 1998 وحتى 2002.

لكن، في العام 2002، سيشهد المغرب انتخابات تشريعية، هي الأولى من نوعها في عهد الملك محمد السادس، أعطت نتائجها الصدارة للحزب الاشتراكي الذي كان يقود الحكومة. وبدلا من أن يجدد الملك الثقة في زعيمه لقيادة الحكومة مرة أخرى، اختار أن يقفز على نتائج تلك الانتخابات، ويعين وزيراً أول تكنوقراطيا رئيسا للحكومة التي تم تنصيبها عام 2002.

احتج اشتراكيو ذلك الزمان على قرار الملك، واعتبروه "خروجا عن المنهجية الديمقراطية"، واستقال زعيمهم منذ ذلك التاريخ من زعامة الحزب، ومن العمل السياسي، بصفة نهائية، لكن قيادة الحزب بعده قرّرت المشاركة في الحكومة التي كان رئيسها تكنوقراطيا، وممن شاركوا فيها محمد الأشعري. 

استمرت تلك الحكومة ما بين 2002 و2007، وفي الانتخابات التي جرت ذلك العام، سيعاقب الناخبون حزب الاتحاد الاشتراكي الذي احتل المركز الخامس فيها، وسيبعثون رسالة أخرى أكثر قوةً، مفادها فقدان الناخب الثقة في السياسة والسياسيين، عندما سجلت تلك الانتخابات أدنى مستوىً للمشاركة في استحقاقات شعبية. ومنذ ذلك التاريخ، و"الاتحاد الاشتراكي" الذي ظل يعتبر أول قوة معارضة في المغرب، في العقود الأربعة الأخيرة من القرن الماضي، يتراجع تدريجيا في كل الاستحقاقات التي شهدها المغرب، وكان جديدها انتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، والتي احتل فيها الحزب المرتبة ما قبل الأخيرة بين الأحزاب الكبيرة المتنافسة فيها.

اليوم، وبعد مرور خمس عشرة سنة على تلك "الخطيئة" التاريخية التي ارتكبتها قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي، ومازالت لعنتها تلاحق حزبها، يعترف محمد الأشعري الذي كان من الوجوه البارزة داخل الحزب بأنه ما كان عليهم ليشاركوا في حكومةٍ يقودها تكنوقراطي، ويُقرّ بأن الحزب أدى ومازال يؤدي ثمن ذلك الخطأ "غاليا".

جاءت اعترافات الأشعري التي تأخرت أكثر من خمس عشرة سنة في حوار مع قناة "فرانس 24"، قال فيه إن مشاركتهم في حكومة يقودها تكنوقراطي أدى إلى "نوع من الخيبة في صفوف الحزب فيما بعد، وأدى إلى استقرار رأيٍ لدى الرأي العام أن الحزب فضّل الاستمرار في الكراسي على الدفاع عن المنهجية الديمقراطية".

وفي الحوار نفسه، يعترف الأشعري بالتسرّع الذي طبع قرار حزبه آنذاك، بالقول: "ربما لو كنا فكرنا جيدا لكنا فضلنا عدم المشاركة، ضمانا للوضوح السياسي، وضمانا لمكانة الحزب في المستقبل"، معتبرا أن قرار المشاركة في الحكومة آنذاك تضمن مجازفةً، لأن قبول الخروج عن المنهجية الديمقراطية أدى "الاتحاد الاشتراكي" ثمنه غاليا فيما بعد.

الثمن الذي يتحدث عنه الأشعري هو التراجع الكبير للحزب الذي كان يعتبر أول قوة سياسية ومجتمعية في المغرب أربعة عقود، لصالح قوة سياسية صاعدة هي حزب العدالة والتنمية، الإسلامي الذي يعتبر اليوم القوة السياسية الأولى التي تتصدر نتائج الانتخابات.

وفي تبريره ذلك "التنازل" التاريخي الذي قدمه حزبه، يقول الأشعري إن قيادة الحزب سعت إلى تجنيب البلاد أزمةً سياسية بين القصر الملكي وأول حزب سياسي آنذاك. أما مشاركته هو نفسه في تلك الحكومة التي حمل فيها حقيبة وزارة الثقافة خمس سنوات، فبرّرها بالقول إنه استطاع أن يستمر في الأعمال والمشاريع التي كان قد بدأها في القطاع نفسه، عندما كان وزيرا للثقافة والاتصال في الحكومة التي سبقتها، قبل أن يعترف، من دون أن يرف له جفن، بأنه ليس نادما على تلك المشاركة، حتى وإن كان ينظر إليها اليوم بوصفها "خطأ" ما كان له أن يكون!

سوف يستمر حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة 15 عاما، في خمسٍ منها كان هو من يقود الحكومة. وفي تقييم اليوم لهذه التجربة اليوم لن يوجد أي أثر في الحياة السياسية، أو أي "لمسة" "اشتراكية" في حياة الناس بصفة عامة، خلفها مرور ذلك الحزب الذي كان يدافع عن "قيم إنسانية" و"مبادئ كبيرة" في أثناء سنوات معارضته الطويلة التي أدى مناضلوه ثمنها غاليا.

 وحتى بالنسبة للأشعري الذي شغل أهم منصبين مؤثرين معنويا في حياة الناس، هما الاتصال والثقافة، فإن كل ما تذكّر به تجربة مشاركته في الحكومة هو أنه في عهده تم منع صحف ومجلات مغربية، وتم طرد صحافيين أجانب من المغرب، ومحاكمة واعتقال صحافيين مغاربة، أما المشاريع التي تحدث عنها الأشعري فهي فتح خزينة "الدعم العمومي" على مصراعيها لشراء ذمم مثقفين ومبدعين كثيرين، وتمييع المجتمع المدني وتدجينه.

من السهل العودة إلى التاريخ القريب، والإقرار بالخطأ والتعبير عن الندم. لكن، ما الذي سيجدي مثل هذا الاعتراف، بعد أن تم تحطيم الهيكل؟ فالشعور بالندم الذي يعبر عنه اليوم محمد الأشعري كان عن مواقف سياسية، عبر عنها في حينه مناضلون من داخل حزبه، ومناضلون كانت لهم غيرة على مبادئ الحزب، تم نعتهم آنذاك بـأنهم "عدميون" و"تيئيسيون"، وتم التشكيك في وطنيتهم وفي دفاعهم عن القيم والمبادئ التي يتباكى اليوم الأشعري على تحطيمها.

المفارقة أن اعترافات الأشعري جاءت في زمنٍ يكاد يشبه، بالنسبة لحزب العدالة والتنمية (الإسلامي)، ذلك الذي كان يمر به حزبه الاتحاد الاشتراكي (اليساري) في بداية الألفية الثانية. ومثل ما حدث داخل "الاتحاد الاشتراكي"، هناك اليوم نقاش حاد داخل "العدالة والتنمية" بشأن "التنازلات" الكبيرة التي قدمها رئيس حكومته، سعد الدين العثماني، للقصر من أجل تفادي الدخول في مواجهة معه. وهناك من يبرّر، اليوم، هذه التنازلات بـ "المصلحة الوطنية" و"الحفاظ على وحدة الحزب"، تماما كما كان يقول الأشعري ورفاقه لتبرير تنازلات حزبهم عام 2002. فما أشبه الليلة بالبارحة، ولننتظر عشر سنوات أخرى ليأتي "أشعري" آخر من صفوف الإسلاميين، يعبر عن ندمه، ويتأسف لضياع فرصة أخرى من فرص دمقرطة المغرب.

التعليقات

الاسم

اخبار العالم,2030,اخبار العرب,1751,اخبار المغرب,6525,أرشيف,10,أسبانيا,4,اسبانيا,170,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,5,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,308,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,59,اقتصاد,989,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الأردن,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,19,البرازيل,11,الجزائر,299,السعودية,15,الصحة,118,الصين,25,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,23,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,74,اليمن,23,إيران,47,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,14,تاريخ,5,تحقيق,1,تحليل,2,تدوين,762,ترجمة,1,تركيا,19,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1306,تقرير صحفي,75,تونس,91,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,388,حزب الله,9,حماس,1,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,76,رياضة,374,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,14,سوسيال ميديا,18,سوشال ميديا,15,سياحة,2,سينما,29,شؤون ثقافية,446,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,911,طاقة,25,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,1,علوم و تكنولوجيا,314,عناوين الصحف,322,غزة,82,فرنسا,180,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,606,فنون,243,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1929,كولومبيا,1,لبنان,21,ليبيا,34,مجتمع,1253,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,8,مغاربي,1046,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: اعترافات محمد الأشعري.. المتأخرة - علي أنوزلا*
اعترافات محمد الأشعري.. المتأخرة - علي أنوزلا*
https://3.bp.blogspot.com/-s1qr66OJUQM/WO3Yt6l0ydI/AAAAAAAAmpk/JjFJ5cAyj6gyJe-7yuS_sL85i7rjfX1GQCLcB/s640/Ali-Anouzla-800x478.jpg
https://3.bp.blogspot.com/-s1qr66OJUQM/WO3Yt6l0ydI/AAAAAAAAmpk/JjFJ5cAyj6gyJe-7yuS_sL85i7rjfX1GQCLcB/s72-c/Ali-Anouzla-800x478.jpg
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2017/04/blog-post_12.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2017/04/blog-post_12.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy عناوين رئيسية