$type=ticker$count=12$show=post$cols=3$cate=0

معوقات الحركة النسائية بالمغرب .. عقلية أبوية وأحزاب انتهازية - محمد شقير*

الجزء الاول: بالرغم من الظهور المبكر للحركة النسائية في المغرب والمشاركة البارزة للمرأة في عدة قطاعات اقتصادية واجتماعية وحصولها على...

الجزء الاول:

بالرغم من الظهور المبكر للحركة النسائية في المغرب والمشاركة البارزة للمرأة في عدة قطاعات اقتصادية واجتماعية وحصولها على حق التصويت في الانتخابات منذ بداية ستينيات القرن الماضي والارتفاع العددي للنساء داخل الهرم السكاني والطابع العصري والمتفتح الذي يميز المرأة المغربية مقارنة بنظيراتها العربية، فإن التساؤل يبقى مطروحا حول البطء الشديد الذي يميز الحركة النسائية بالمغرب، وهذا المد والجزر إلي يطبع وتيرة تحركها.

فالحركة النسائية تبدو وكأنها تراوح مكانها وسط محيط نسوي مغربي يتطور باستمرار، ويكتسح، باستثناء المجال السياسي، كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية. من هنا، يحق التساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة والمعوقات الموضوعية والذاتية التي تتحكم في تطورها.

المعوقات الموضوعية

يمكن أن نحدد هذه المعوقات في ثلاث نقط رئيسية:

- سلفية السلطة

- انتهازية الأحزاب

- العقلية الأبوية

سلفية السلطة

الأساس السلفي

إن الفكر السلفي الذي انتشر في المغرب في خضم الصراع مع سلطات الحماية ركز على ضرورة التوعية بما فيها توعية النساء. وهكذا، تزعمت العائلات البرجوازية، وخاصة الفاسية منها، عملية إنشاء المدارس الحرة وضرورة تعليم البنات؛ لكن في إطار أبوي ومحافظ. فقد تم الحرص على تعليم بنات الفئات البرجوازية داخل منازل ودور آبائهن. ويجسد النص الآتي الشكل الذي كان يتم به هذا التدريس.

"بعد فترة قصيرة بدار الفقيهة، بدأت مليكة الصغيرة تدرس دراسة حقيقية على يد أساتذة كبار. ونظرا لأنه لم يكن هناك الفتيات الصغيرات، حول بن الطاهر الفاسي جزءا من داره إلى مدرسة لتعليم وحيدته وثلاثة من صويحباتها. ثم قام بالاتفاق مع كبار فقهاء القرويين كعبد السلام السرغيني ومحمد القري لإعطاء دروس للبنات. كما تعلمت مليكة اللغة الفرنسية على يد أستاذ فرنسي، وتلقت تحت إشراف خالها، تداريب رياضية".

كل ذلك تم في بداية الثلاثينيات، فمليكة الفاسي هي من بنت عائلة، لذا فقد كان أهم امتياز حصلت عليه، على عكس أغلب قريناتها، هو العلم؛ لكن مع ترعرعها بدأت مليكة الشابة تتساءل عن السبب في السماح لإخوانها وأبناء عمها بالذهاب إلى القرويين لاستكمال دراستهم، في حين يفرض عليها أن تبقى في الدار منتظرة مجيء أساتذتها. ولماذا تستغرب جدتها وباقي أفراد عائلتها من أنهت تخصص وقتا كبيرا لدراستها دون أن تهتم بتعلم الطبخ والطرز؟ ولما يقال لها بأنه من غير المجدي أن تدرس ما دام أنه لن يسمح لها أبدا بالذهاب إلى القرويين؟ ولماذا يمنع على البنات الذهاب إلى جامعة القرويين في الوقت التي تم بناء هذه الجامعة من لدن امرأة؟

إن هذا الشعور بالظلم جعل مليكة، وهي في الخامسة عشرة من عمرها، تقرر انتقاد هذا الوضع غير العادل، فكتبت مقالا تطالب فيه بحق المرأة المغربية في التعلم وأرسلته إلى مجلة "المغرب" التي كان يديرها سعيد حجي.

لكن بالرغم من هذا الوضع، فقد شجع السلفيون إنشاء المدارس وانتشار التعليم بين صفوف النساء؛ فقد ربط علال الفاسي والشيخ محمد بلعربي العلوي بين الاستقلال وبين تطوير وضعية المرأة. كما شجع الملك من خلال تكليف ابنته الأميرة للاعائشة بتدشين المدارس الحرة وبالحرص على تعليم الأميرات داخل القصر.

وأمام تزايد هذه الحركة، حاولت سلطات الحماية الحد من انتشارها متخوفة من أن يؤدي تعلم المرأة ووعيها إلى التأثير على البنيات الاجتماعية وخلق بؤر للتمرد.

كما كانت الشرائح البرجوازية تتخوف هي الأخرى من أبعاد هذه الحركة. لذا ، فقد كلفت الشيخ محمد بلعربي العلوي بالتعبير عن تحفظهم إزاء انتشار هذه الحركة.

لكن بالموازاة مع ذلك، فإن هذه الحركة قد سرعت من عملية تبلور وعي نسائي أسفر عن عدة نتائج من أهمها.

تكوين حزب الاستقلال لأول خلاياه النسوية في 1947؛ لكن مع حظر الاختلاط بين المناضلين والمناضلات.

تكوين حزب الشورى والاستقلال لجمعية نسوية أسندت رئاستها بالتوالي إلى السيدة عبد القادر بنجلون والشاذلية بنهيمة.

وقد واصل حزب الاستقلال دوره النسوي، فأسس جمعية أخوات الصفا التي كانت تتميز بخطابها السلفي وبرنامجها الإصلاحي. ويتمثل خطابها السلفي في ضرورة تغيير وضعية المرأة المغربية مع استيحاء تجربة أمهات المؤمنين ونساء النبي، وانتقاد مظاهر التبذير التي تنجم عن حفلات الزواج وارتفاع مبالغ المهور، والدعوة إلى عدم التبرج والزينة. كما ركز الخطاب على إدانة المعاملة التي تتعرض لها النساء من لدن محاكم الشرع وإلغاء تعدد الزوجات إلا للضرورة القصوى وإعادة النظر في نظام الطلاق وتحريم الزواج المبكر.

وفي خضم معركة التحرر الوطني، أسهمت بعض رموز الحركة النسوية في نشر المبادئ الوطنية والأفكار السلفية. كما شاركت في المظاهرات التي نظمت احتجاجا ضد إصدار الظهير البربري.

وهكذا، قامت للارقية لمرانية، بمساعدة نساء أخريات، بتحريض السكان بسلا للتظاهر في الشارع وقراءة لطيف الاحتجاج.

كما أسهمت رموز هذه الحركة أيضا في التحضير لوثيقة المطالبة بالاستقلال والتوقيع عليها. وفي هذا الإطار، تشير مليكة الفاسي، المرأة الوحيدة التي وقعت على عريضة المطالبة بالاستقلال، إلى ما يلي:

"إن المهم لم يكن هو التوقيع على وثيقة المطالبة بالاستقلال . فأنا لم أقم إلا بكتابة إسمي في لائحة التوقيعات ، بل المهم هو العمل الذي سبق هذا التوقيع. فقد شاركت في كل مراحل إنضاج وبلورة وتقديم هذه الوثيقة الرسمية التي كانت تعبيرا قاطعا عن إرادة سياسية لا تراجع فيها ضد الوضع الاستعماري. فقد عكست هذه الوثيقة بوضوح المطالبة بالاستقلال واسترجاع سيادة البلاد ... لذا فقد ساهمت في التحضير لهذا الحدث وذلك من خلال إخبار كافة الوطنيين في مختلف المدن مع الحفاظ على سر العملية. وهكذا قمت بالسفر من فاس حيث كنت أقيم، إلى مراكش ومكناس والرباط ... لشرح كيفية تحركنا ووضع كل الترتيبات واتخاذ الإجراءات اللازمة إذا لم تسر الأمور وفق ما نشتهي. لذا قمنا بتعيين من سيخلف المناضلين الذين سيتم القبض عليهم وتحديد من سيكون مسؤولا عن علاج الجرحى وتخزين الأدوية والتموين. وبالنسبة لي كان من الضروري أن أبقى متوارية حتى أستطيع مع وطنيين آخرين مواصلة قيادة الحزب في حالة إذا ما تعرض قادته للقمع".

وبمناسبة زيارة محمد الخامس لطنجة في 11 أبريل 1947 وإلقاء خطابه التاريخي، تتبع الحاضرون باهتمام كبير الكلمات التي ألقتها الأميرة للاعائشة وتتبعت الحاضرات باهتمام خاص تخلي الأميرة عن الحجاب التقليدي الشيء الذي اعتبر مثالا ينبغي أن يحتذى.

وقد تضمن خطاب الأميرة عدة أفكار تؤكد على التشبث بالقيم الإصلاحية التي نادى بها محمد عبده ورشيد رضا وجمال الدين الأفغاني وكذا الأعمال الإصلاحية التي قام بها جدها المولى الحسن الأول الذي أرسل بعثات طلابية إلى مصر محمد علي. كما ذكرت الأميرة في خطابها بأن السلطان ينتظر من كل المغربـيات متابعة التعليم. فهن مقـياس نهضتـنا والعنـصر المحرك لإنجاز برامج إصلاحاتـنا.

الأساس المالكي

لقد أسهمت النساء بشكل كبير وفعال في حركة المقاومة التي اندلعت بعد خلع محمد الخامس. وقد تمثلت هذه المساهمة من خلال:

المشاركة في المظاهرات التي نظمت احتجاجا على تولي بن عرفة، خاصة في مراكش.

المشاركة في المظاهرات الليلية التي كانت تنظم فوق سطوح المنازل لرؤية الملك محمد الخامس في القمر أو لباس الأسود حدادا على نفي الأسرة الملكية.

المشاركة في نقل الأسلحة للمقاومين وتوزيع المناشير.

المشاركة في وضع قنابل أمام منازل الخونة.

لذا، فإن رجوع الملك محمد الخامس شكّل للعديد من رموز الحركة النسائية تدعيما لقضية المرأة. ولعل هذا ما دفع ببعض المناضلات إلى الإسراع بطرح قضية الحجاب، في حين قامت إحدى زعيمات الحركة النسائية (مليكة الفاسي) بالضغط بكل ثقلها لحصول المرأة المغربية على حقها السياسي في التصويت والترشح. وهكذا، فرضت على الملك محمد الخامس هذا المطلب، فرد بأن هذا المطلب مطلب مشروع لما قدمته المرأة من تضحيات من أجل الحصول على الاستقلال.

وقبل تحقيق هذا المطلب، كلف الملك محمد الخامس علالا الفاسي، المعروف بسلفيته، بترؤس اللجنة التي أسندت إليها مهمة النظر في مشروع مدونة الأحوال الشخصية الذي جرى إعداده من لدن وزارة العدل.

ولم يكن هذا المشروع في حقيقة الأمر إلا تقنينا للمذهب الرسمي للدولة منذ المرابطين. وبعد ما أبدت اللجنة رأيها في المشروع تم إصدار المدونة عبر أجزاء: الأجزاء الأولى صدرت في 22 نونبر 1957، والأجزاء الأخرى تم إصدارها في 20 فبراير 1959.

وبهذا يتم تكريس الإطار السلفي الذي رافق نشأة الحركة النسائية في إرهاصاتها الأولى بإطار قانوني أكثر جمودا جعل الحركة النسائية في مختلف مراحل تطورها تركز جزءا كبيرا من مطالبها على تغيير بعض بنود هذه المدونة وخاصة تلك التي تتعلق بـ:

النظرة الدونية التي تتعامل بها المدونة مع المرأة (ضرورة توكيل وال لتزوج المرأة حتى وإن كانت راشدة)

استئـثار الزوج بالحق في الطلاق أو التطليق

السماح بتعدد الزوجات وما يترتب عن ذلك من تعسف في حق الزوجة

وبعد نضال طويل من لدن الجمعيات النسائية، قبل الحكم مؤخرا إجراء بعض التعديلات على مدونة الأحوال الشخصية همت بالأساس:

ضرورة إخبار الزوجة بطلاقها

إشعار المرأة بالتزوج عليها

التأكيد على أولوية الزوجة في الحضانة

لكن هذه التعديلات لم تغير بالطبع الجوهر المالكي الذي تقوم عليه المدونة، ولم تعد النظر في الثوابت التي تحدد وضعية المرأة المغربية؛ خاصة فيما يتعلق بمشكل الإرث والحق في المساواة في الأجر، وغياب المناصفة... لذا، فالكثير من الجمعيات النسائية قد أصيبت بالإحباط وخيبة الأمل وهي تقيم هذه النتيجة بعد سنوات من النضال والتعبئة.

انتهازية الأحزاب

إن تعامل الأحزاب المغربية مع القضية النسائية تجلي منذ بداية الستينيات بنوع من البراغماتية والانتهازية السياسية. فإذا كانت الأحزاب قد عملت، منذ حصول المرأة على حقها في التصويت والترشح، على المغازلة الانتخابية لأصوات النساء؛ فهي في الوقت نفسه عمدت إلى تهميش القضية النسائية.

- تهميش القضية النسائية.

- يتجسد هذا التهميش من خلال تغييب خصوصية القضية النسائية وتحديد دور المرأة داخل الأجهزة القيادية الحزبية.

- تغييب الخصوصية النسائية.

دأبت الأحزاب المغربية، بكل تلويناتها، على التعامل مع القضية النسائية بشكل يكاد يكون متشابها. ويتمثل هذا التشابه خاصة من خلال:

- تخصيص حيز ضيق للمرأة داخل البرامج الحزبية ، حيث "إذا ألقينا نظرة على برامج الأحزاب السياسية خاصة السبعينات وبالضبط منذ العام الدولي للمرأة ، فإننا نجدها لا تخلو من كل تطرق إلى موضوع المرأة" وهكذا أكد البيان الصادر عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بمناسبة الانتخابات التشريعية لشتنبر 1984 إلى ضرورة " تعبئة الطاقات الشعبية الهائلة عن طريق برنامج وطني شامل لمحاربة الأمية وخطة للتشغيل والتكوين المهني للشغيلة وتوسيع حقوقهم . وعن طريق تحرير جماهير . وعن طريق تحرير جماهير النساء بوضع حد للتمييز في القانون وفي التعلين والعمل ضدهن ... " في حين ركز الاتحاد الدستوري في توصية أصدرها المجلس الوطني للحزب في الاجتماع الذي انعقد بالدار البيضاء في 7 و 8 أبريل 1984 إلى ضرورة "تعديل سائر القوانين الوضعية التي لازالت بنودها تجحف بحقوق المرأة ، بما فيها مدونة الأحوال الشخصية تمشيا مع روح العصر ... وتكوين المرأة بالعلم والعمل حتى تساهم في بناء مجتمعها وبالتالي حتى يستوعب الطفل عن طريقها شخصية مجتمعه ... تطبيق النصوص القانونية والدستورية والأوقاف الدولية التي وقعها المغرب ..."

غير أن تخصيص هذا الحيز النسوي في برامج الأحزاب، وخاصة تلك التي تساغ في خضم حمى الانتخابات، لا يترجم أية أولوية تمنحها هذه الأحزاب للقضية النسائية. ومما يؤكد ذلك عدة مسائل من أهمها:

* دم اهتمام الأحزاب بالتأكيد على محورية القضية النسائية وتحسين وضعيتها أثناء التعديلات الدستورية.

* ضعف تناول وضعية المرأة في الصحافة الحزبية. فإن "جردا للمواضيع التي تناولتها الصحافة الحزبية من سنة 1955 إلى سنة 1980 يفيد أن المواضيع المتعلقة بالمرأة تأتي في آخر القائمة بحيث تحتل المرتبة العشرين وتشكل نسبة 0.41 % في حين تطغى على هذه الصحافة مواضيع سياسية كالديمقراطية التي تحتل رأس القائمة بحيث تشكل 20.48 % وتليها الأحزاب السياسية التي تمثل نسبة 15.62 % "

* تأكيد الأحزاب على أولوية القضايا السياسية كالديمقراطية والمسألة الوطنية على القضية النسائية .

* تخصيص قطاعات نسوية داخل الهياكل الحزبية؛ وذلك أن "عامة الأحزاب تتجه إلى خلق قطاعات نسوية داخلها تعبيرا منها عن اهتمامها بقضية المرأة و كعنوان عن تواجد العنصر النسوي فيها. نستمد أمثلتنا في هذا الصدد سواء من الأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية كحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي أم من الأحزاب التي أنشأتها الإدارة كالاتحاد الدستوري . وإذا لم يسلك حزب الاستقلال نفس النهج فإن عدم تأسيسه لقطاع نسوي تابع له لم يمنعه من تأسيس جمعيات نسائية كجمعية حماية الأسرة وجمعية النهضة النسوية و جمعية النساء ذوات المهن الحرة.

غير أن خلق هذه القطاعات النسوية لا يندرج في إطار اهتمام حقيقي بالوضعية النسائية، لأن "تجربة القطاع النسوي داخل هذه الأحزاب ، لاتشكل هدفا في حد ذاتها"؛ فخلق هذه القطاعات النسوية الحزبية يتحكم فيه منطق مغاير يتمثل في:

* نزوعه الانتخابي، من خلال استقطابه للنساء واستغلال ذلك أثناء الحملات الانتخابية.

* تلميع الصورة الخارجية للأحزاب و ذلك من خلال نفي "الصورة الرجولية عنها" وأنها "أحزاب للذكور" فقط.

* حرص كل حزب من الأحزاب المغربية على أن يكون له "حريمه السياسي" الخاص به.

* إقصاء القيادة النسائية.

بخلاف العديد من الأحزاب الآسيوية والإفريقية التي استطاعت فيه النساء أن تحتل مراكز هامة في الأجهزة القيادية الحزبية، بقي دور النساء داخل الأحزاب المغربية مقتصرا على مشاركة بعض "المحظوظات" في الأجهزة التنفيذية لبعض الأحزاب في حين شكلت الغالبية منهن جزءا ضئيلا ضمن "القواعد الذكورية" للأحزاب المغربية وفي هذا أشارت الباحثة رقية المصدق إلى ما يلي :

"إن تواجد المرأة على مستوى الأجهزة الحزبية يظل محدودا . وتتفاوت تمثيليتها في هذا المجال من حزب لآخر ، ولكنها تظل على العموم ضعيفة. فرئاسة الأحزاب السياسية مقصورة على الرجال حيث تتولاها بالنسبة للأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية شخصية سياسية معروفة بتاريخها النضالي ... أما بالنسبة للأحزاب التي تم خلق كل منها من طرف الإدارة أثناء الاستعداد لإجراء المسلسلات الانتخابية ، فعادة وغالبا ما تتولى قيادتها شخصية كانت تشغل منصبا وزاريا أو منصب الوزير الأول أثناء خروجها إلى حيز الوجود ...

وإذا كانت المرأة غائبة عن الرئاسة الحزبية فإنها تتواجد بصفة هزيلة ، ولكنها متفاوتة ، وذلك على مستوى باقي الأجهزة الحزبية الأخرى أو بعضها .. فحزب الاستقلال تتواجد فيه امرأتان على مستوى اللجنة التنفيذية وإذا تجاوزنا حزب الاستقلال إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فإن الأجهزة الحزبية المنبثقة عن المؤتمر الرابع المنعقد بتاريخ يوليوز 1984 تفيد بغياب العناصر النسوية عن المكتب السياسي الذي يتألف من تسعة أعضاء . أما تواجدها على مستوى اللجنة الإدارية فيظل باهتا بحيث يشكل العنصر النسوي ست عضوات من بين 111 عضوا . وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر ، الذي نجد ضمن الهيئة التي أسندت إليها رئاسته امرأة ، تضم أربع عناصر نسوية من بين 102 أعضاء.

لا تقدم لنا أجهزة الأحزاب التي أنشأتها الإدارة استثناء في شأن تواجد العنصر النسوي فإن توقفنا عند الأجهزة الحزبية المنبثقة عن المؤتمر الأول للاتحاد الدستور المنعقد في أكتوبر 1985، فإننا نجد امرأة على مستوى مكتبه السياسي الذي يتألف من 25 عضوا أما اللجنة التنفيذية فنجد فيها خمسة نساء من بين 65 عضوا كما أن المؤتمر الثاني للاتحاد الدستور المنعقد في 3 و 4 يونيو 1989 لم يسفر عن تجديد في مجال تمثيلية المرأة داخل أجهزته . فالبرغم من ارتفاع عدد أعضاء المكتب السياسي من 25 عضوا إلى 27 عضوا بمقتضى التعديل الذي أدخله المؤتمر الثاني على قوانين الحزب فإن العنصر النسوي ظل ممثلا في هذا الجهاز بعضوة واحدة.

ب – استغلال الأصوات النسوية

بالرغم من التغييب التي تعانيه القضية النسائية داخل الأدبيات والنقاشات الحزبية والتهميش الذي تتعرض له المتحزبات، فمن اللافت للنظر الاهتمام الكبير الذي توليه الأحزاب المغربية للأصوات النسوية، حيث يمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال الأسباب الآتية:

أ – الحقوق السياسية التي منحت للمرأة بمقتضى الدساتير التي عرفها المغرب؛ وذلك منذ 1962.

ب – الطابع الانتخابي للأحزاب المغربية.

ج – القابلية الانتخابية للنساء ( LA DISPONIBILITE ELECTORALE)؛ وذلك نتيجة لتواجد أغلبهن في البيت أو سهولة الاتصال بهن أو لإقبالهن الكبير على التصويت.

د – الوزن الانتخابي للمرأة المغربية داخل الهيئة الناخبة الوطنية.

ويمكن أن نعتبر أن هذا السبب الأخير يشكل أهم الأسباب التي تدفع الأحزاب إلى الاهتمام بأصوات النساء. وقد أكدت رقية المصدق على هذه الظاهرة من خلال الإشارة الموالية:

إن أهمية المرأة كناخبة وذلك من الناحية الكمية ما هو إلا تعبير عن وزنها بين المواطنين ، والذي ينعكس على النسبة التي تمثلها في الهيئة الناخبة . ففي الاستشارات التي عرفها المغرب بمناسبة الاستفتاء حول الدساتير المتعاقبة وحول تعديل دستور 1970 وكذا بمناسبة الانتخابات المباشرة ، البلدية والقروية والبرلمانية كانت نسبة المرأة في الهيئة الناخبة مهمة . ونذكر على سبيل المثال بأن المرأة شكلت في الهيئة الناخبة في الانتخابات البرلمانية المباشرة بتاريخ يونيو 1977 نسبة 46,69 % بمقابل 52,31 % من الرجال".

لذا، فإن "وزن المرأة في هيئة الناخبين من الناحية العددية لا يخلو من أهمية ، إنه يفسر لنا تهافت الأحزاب السياسية على أصوات النساء"، لكن اهتمام الأحزاب المغربية بأصوات النساء لا ينعكس إيجابيا على تطور الحركة النسائية وتحسين وضعية المرأة داخل الواقع الاجتماعي والسياسي بالمغرب، الشي الذي يتجلى من خلال عدة مظاهر يمكن أن نتمثل أهمها فيما يلي:

- عدم طرح القضية النسائية كقضية أساسية في البرامج السياسية والانتخابية للأحزاب المغربية.

- ضعف عدد النساء اللواتي ترشحهن الأحزاب في الانتخابات. ففي الانتخابات المحلية ليونيو 1983 لم يتعد عدد المرشحات 307 مرشحات من مجموع 54165 في حين اقتصر عدد المرشحات لشتنبر1984 على 15 مرشحة من بين 1333. وتفسر رقية المصدق هذه الظاهرة، التي تشترك فيها جميع الأحزاب، "بضعف تواجد النساء في صفوف الأحزاب السياسية ، ومقاومة الأحزاب السياسية لخطر اكتساج المجتمع السياسي من طرف العنصر النسوي".

- ضعف تواجد النساء في المجالس المحلية وفي البرلمان.

العقلية الأبوية

بالرغم من التطورات الاقتصادية التي تعرض لها المجتمع المغربي، فإن بنياته الفكرية والاجتماعية والسياسية ما زالت تتحكم فيها العقلية الأبوية. هذه العقلية التي تعرقل بروز أية استقلالية فردية وبروز أية كينونة نسائية.

وإذا تساءلنا عن الأسباب التي كرست العقلية الأبوية في المجتمع المغربي فسنجدها متمثلة في:

- الفكر المخزني الذي ساد في المغرب لعدة قرون (حريم سياسي، جواري، خادمات، التحجب الذي كان لا يعني فقط تستر المرأة بخمارها، بل كان يعني أيضا تواريها خلف الجدران فهي لا تخرج من دار أبيها إلا لدار زوجها وبعد ذلك لقبرها) .

- الفكر السلفي الذي نهجته الحركة الوطنية.

لذا، فإن المشاركة الفعالة التي أسهمت بها النساء في التجربة المريرة التي تم خوضها لمواجهة الاستعمار والتي انتهت بجلاء الاحتلال الأجنبي لم تؤد إلى القطيعة مع العقلية الأبوية. فقد استمرت هذه العقلية متحكمة في مغرب ما بعد الاستقلال، بالرغم من الحرية النسبية التي سمح بها للنساء، تحت ضغط الظروف الاقتصادية والاجتماعية، لاكتساح بعض المجالات التي كانت حكرا على الرجال (تعليم – عمل – مرافق عمومية).

لكن إذا تراجعت هذه العقلية تكتيكيا أمام هذا التقدم النسائي فإنها قد بقيت متصلبة استراتيجيا فيما يتعلق بمجال الحكم والسلطة السياسية. ومما يوضح هذا التصلب عدة مظاهر أهمها:

- الإشارة التي صدرت من أعلى سلطة سياسية في البلاد والتي أكدت على أنه ليس "هناك أي دور دستوري للنساء في الإسلام ، وبأن المغرب لم يعرف ملكات وإنما أمهات للملوك".

- الإشارة التي صدرت عن وزير الأوقاف والشؤون الدينية أثناء مشاركته في الدروس الحسنية لرمضان 1990، حيث صرح بأن المرأة لا يمكنها أن تمارس الحكم طبقا للتعاليم الإسلامية وبالتالي فهي غير مؤهلة لتقلد مناصب سياسية في المغرب.

التعليقات

الاسم

اخبار العالم,2030,اخبار العرب,1751,اخبار المغرب,6527,أرشيف,10,أسبانيا,4,اسبانيا,170,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,7,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,308,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,59,اقتصاد,989,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الأردن,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,19,البرازيل,11,الجزائر,299,السعودية,15,الصحة,118,الصين,25,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,23,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,74,اليمن,23,إيران,47,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,15,تاريخ,5,تحقيق,1,تحليل,2,تدوين,762,ترجمة,1,تركيا,19,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1306,تقرير صحفي,75,تونس,91,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,388,حزب الله,10,حماس,1,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,76,رياضة,375,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,14,سوسيال ميديا,18,سوشال ميديا,15,سياحة,2,سينما,29,شؤون ثقافية,447,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,911,طاقة,25,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,1,علوم و تكنولوجيا,315,عناوين الصحف,322,غزة,82,فرنسا,180,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,607,فنون,243,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1930,كولومبيا,1,لبنان,21,ليبيا,34,مجتمع,1254,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,8,مغاربي,1046,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: معوقات الحركة النسائية بالمغرب .. عقلية أبوية وأحزاب انتهازية - محمد شقير*
معوقات الحركة النسائية بالمغرب .. عقلية أبوية وأحزاب انتهازية - محمد شقير*
https://1.bp.blogspot.com/-3kQ3DFh4Dz4/WMEbT07SksI/AAAAAAAAlyI/KDqxZ513fnMx7qLRLcJCM5NyRIhv-CekACLcB/s640/%25D9%2585%25D8%25AD%25D9%2585%25D8%25AF-%25D8%25B4%25D9%2582%25D9%258A%25D8%25B1.png
https://1.bp.blogspot.com/-3kQ3DFh4Dz4/WMEbT07SksI/AAAAAAAAlyI/KDqxZ513fnMx7qLRLcJCM5NyRIhv-CekACLcB/s72-c/%25D9%2585%25D8%25AD%25D9%2585%25D8%25AF-%25D8%25B4%25D9%2582%25D9%258A%25D8%25B1.png
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2017/03/blog-post_62.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2017/03/blog-post_62.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy عناوين رئيسية