لماذا إزاحة بنكيران واستمرار "العدالة والتنمية"؟ - علي أنوزلا*

حتى قبل إجراء الانتخابات التشريعية في 7 أكتوبر 2016، كان واضحا أن السلطة في المغرب التي يختزلها القصر الملكي ومحيطه لا ترغب في أن يستمر ...

حتى قبل إجراء الانتخابات التشريعية في 7 أكتوبر 2016، كان واضحا أن السلطة في المغرب التي يختزلها القصر الملكي ومحيطه لا ترغب في أن يستمر الإسلاميون في مشاركتهم في الحكومة. وقد تجلى هذا الرفض المضمر للحزب الإسلامي الوحيد المعترف به في المغرب في الحملة المشحونة التي سبقت الانتخابات، لتأليب الرأي العام ضد رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، وحزبه الإسلامي "العدالة والتنمية". وشملت هذه الحملة تنظيم مسيرة مجهولة الهوية، رفعت شعارات ضد "أخونة" الدولة، وتجاوزت الحملة ما هو سياسي إلى ما هو شخصي وأخلاقي، عندما استهدفت الحياة الشخصية لقادة ورموز من الحزب نفسه، بقصد هز صورته لدى الرأي والمسّ بمصداقية خطابه المبني على القيم. 
وبعد الانتخابات ونتائجها التي جاءت مفاجئة للجميع، وبوأت نتائجها الإسلاميين صدارة الأحزاب المتنافسة فيها، لجأت السلطة إلى عرقلة تشكيل حكومة بقيادة زعيم الحزب الإسلامي وقائد التجربة الحكومية المنتهية ولايتها، وما لم تنجح في تحقيقه، عبر كل الحملات التي قادتها ضده، قبل الحملة الانتخابية وخلالها، ستنجح في تحقيقها في أثناء فترة المفاوضات لتشكيل الحكومة، فقد عمدت السلطة، هذه المرة، إلى الأحزاب الموالية لها، لوضع شروط تعجيزية أمام رئيس الحكومة المعين، وكلما كان يقدم تنازلا كان مفاوضوه يطرحون أمامه شروطا جديدة، كان الهدف منها واضحا هو الإمعان في إهانته، وهذا ما عبّر عنه بنكيران نفسه، أو دفعه إلى طلب إعفائه من الملك، لتعذر قيامه بالمهمة التي كلفه بها، بموجب التعيين الذي فرضه نص الدستور على الملك. 
وعندما قرّر رئيس الحكومة المعين السابق، عبد الإله بنكيران، التوجه إلى القصر وإطلاع الملك على ما اعترض سبيله أمام تشكيل حكومته، وربما طلب إعفائه، سيفاجأ بقرار إنهاء مهمته جاهزا، أخبره به مستشارون للملك، وهو ما جعل بنكيران يعرب عن صدمته من القرار الذي فاجأه، وعن خيبة أمله من عدم لقاء الملك الذي كان يحمل إليه تقريرا مفصلا عن خمسة أشهر من المفاوضات الماراثونية، اتضح في النهاية أن الهدف منها رأس بنكيران نفسه الذي بات وجوده على رأس الجهاز التنفيذي في المغرب مزعجا على أكثر من مستوى، بالنسبة للسلطة المركزية في المغرب. فالرجل لم تتم إزاحته لأنه فشل في إدارة مفاوضات تشكيل حكومته، فالحكومات والأغلبية في المغرب تُصنع بقرارات من السلطة المركزية، لأن أغلب الأحزاب السياسية في المغرب هي صنيعة هذه السلطة، وحتى صاحبة الشرعية التاريخية نادرا ما تملك استقلالية قرارها. وما حدث مع بنكيران هو عملية إزاحة، وهذا قرار سياسي، ولم يتم إعفاؤه، كما يتداول ذلك الإعلام الرسمي في المغرب، بما أن قرار إعفاء رئيس الحكومة في المغرب لا يتم إلا بناءً على استقالته، والحال أن بنكيران مازال رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، وما جرى هو إنهاء المهمة التي كلفه بها الملك، لتشكيل الحكومة المقبلة. وهذا قرار سياسي بالدرجة الأولى، الهدف منه إنهاء المسار السياسي للرجل لعدة أسباب، أهم ثلاثة منها سرّعت القرار. 
تصريحات بنكيران، خلال السنتين الماضيتين، والتي حولت صاحبها إلى أكبر معارض رسمي لسلطة بلاده، طاولت انتقاداته بنية السلطة المركزية في المغرب، عندما كان يتحدث عما يسميه "التحكّم"، وهو تعبير مخفف للإشارة إلى "سلطوية" النظام المغربي. وذهب، في تصريحاته، إلى الحديث عن وجود دولتين في المغرب، رسمية يرأسها الملك، كما قال، وأخرى لا يعرف، وهو رئيس حكومة، من يُسيرها، لكنها هي التي تُعين وتقرّر (!). 
السبب الثاني، شعبية بنكيران المتنامية التي باتت تخيف السلطة المركزية التي لا تريد أي منافس لها، خصوصا إذا كان لصاحب هذه الشعبية شرعية ديمقراطية، ويعتمد على مرجعية دينية، وهي المرجعية نفسها التي يستمد النظام في المغرب شرعيته منها. السبب الثالث وراء إزاحة بنكيران نظافة يده التي حصّنته دون كل محاولات تدجينه، وجعلته يقاوم كل أساليب الضغط التي مورست عليه، ودفعته أحيانا كثيرة إلى تقديم تنازلاتٍ كبيرة، لكنها لم تنجح في تطويعه، أو كسر شوكة مقاومته، سعيا وراء احتوائه. 
وبعد قرار الإزاحة الذي كان سياسيا، أولا وأخيرا، سيتضح أن المستهدف كان هو بنكيران نفسه، وليس حزبه (العدالة والتنمية) الذي عبر الملك محمد السادس لرئيس الحكومة المعين الجديد سعد الدين العثماني (الرجل الثاني داخل الحزب نفسه)، عن استعداده للعمل مع حزبه الإسلامي، فالقصر مازال في حاجة ماسة إلى "العدالة والتنمية"، بسبب شعبية هذا الحزب المتنامية، فهو يحتاج له في الحكومة لتمرير قراراتٍ غير شعبية، يتم الإعداد لها، وفي مقدمتها قرار تحرير سعر الدرهم المغربي، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاعٍ في الأسعار، وفي مستوى المعيشة، وسيؤثر سلبا على القدرة الشرائية للطبقات الأقل دخلا. ويحتاج مثل هذا القرار إلى حزب له سند شعبي لتمريره. فقد سبق للحزب نفسه الذي قاد التجربة الحكومية المنتهية أن أقدم على اتخاذ قراراتٍ لا شعبية قاسية، من دون أن يكون لها انعكاس سلبي على السلم الاجتماعي الذي مازال متحكّما فيه في المغرب. 
يُضاف إلى حاجة السلطة المركزية في المغرب إلى حزبٍ له سند شعبي، لإصدار قراراتٍ لا شعبية، مثل حزب العدالة والتنمية، فهي لا يمكنها تحمل تكلفة خروج مثل هذا الحزب إلى المعارضة، في ظل وجود أحزاب ضعيفة، أغلبها موال للسلطة نفسها، وتأتمر بأوامرها. ولهذا جاء اختيار الملك لشخص سعد الدين العثماني، لخلافة أمينه العام عبد الإله بنكيران، في قيادة الحكومة المقبلة. والمعروف عن العثماني أنه مرن مقبول داخل حزبه، وليّن العريكة، سهل الانقياد بالنسبة للسلطة المركزية، ما سيجعل مهمته في تشكيل الحكومة يسيرة، لأن الأحزاب التي كانت تضع شروطا تعجيزية أمام سلفه بنكيران ستنصاع إلى أوامر السلطة المركزية، إذا أرادت هذه أن "ينجح" العثماني في مهمة تشكيل أغلبيته الحكومية. 
الخاسران الكبيران من كل هذه المناورات السياسية طرفان: التجربة الديمقراطية المغربية المتعثرة التي تكشف الأيام، كل مرة، عن غياب إرادة سياسية حقيقية لتوطيدها وتطويرها. الشعب المغربي الذي يدفع فاتورة هذه الانتكاسات الديمقراطية، وما تخلفه من عجز يتراكم عبر السنين، ويدفع فاتورته من تقدّمه وتنمية مجتمعه، وتطور بلاده.

التعليقات

الاسم

اخبار العالم,2033,اخبار العرب,1751,اخبار المغرب,6532,أرشيف,10,أسبانيا,4,اسبانيا,172,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,7,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,308,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,59,اقتصاد,995,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الأردن,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,20,البرازيل,11,الجزائر,301,السعودية,15,الصحة,118,الصين,26,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,23,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,74,اليمن,23,إيران,47,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,15,تاريخ,5,تحقيق,1,تحليل,2,تدوين,763,ترجمة,1,تركيا,20,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1310,تقرير صحفي,76,تونس,91,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,389,حزب الله,11,حماس,4,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,76,رياضة,376,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,14,سوسيال ميديا,18,سوشال ميديا,16,سياحة,2,سينما,29,شؤون ثقافية,448,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,912,طاقة,25,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,2,علوم و تكنولوجيا,315,عناوين الصحف,322,غزة,96,فتح,1,فرنسا,181,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,624,فنون,243,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1934,كولومبيا,1,لبنان,21,ليبيا,34,مجتمع,1259,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,8,مغاربي,1047,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: لماذا إزاحة بنكيران واستمرار "العدالة والتنمية"؟ - علي أنوزلا*
لماذا إزاحة بنكيران واستمرار "العدالة والتنمية"؟ - علي أنوزلا*
https://3.bp.blogspot.com/-7rYw7WSYb6E/WNI_UhaQwTI/AAAAAAAAmI8/LMgGD0Qd_WkbarFA3REY6jGKPtfs4dLEgCLcB/s640/Ali-Anouzla-800x478.jpg
https://3.bp.blogspot.com/-7rYw7WSYb6E/WNI_UhaQwTI/AAAAAAAAmI8/LMgGD0Qd_WkbarFA3REY6jGKPtfs4dLEgCLcB/s72-c/Ali-Anouzla-800x478.jpg
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2017/03/blog-post_22.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2017/03/blog-post_22.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy عناوين ثانوية