هذا فيلم ألماني عن الإرهاب، يطرح نهجا يخالف نهج هوليود في تناول الموضوع. يبدأ فيلم A most wanted man بلقطة مفكّر فيها طويلا. نرى الب...
هذا فيلم ألماني عن الإرهاب، يطرح نهجا يخالف نهج هوليود في تناول الموضوع. يبدأ فيلم A most wanted man بلقطة مفكّر فيها طويلا. نرى البطل يخرج من مستنقع تقريبا ليطل على عالم واسع مضاء. لقد خرج من السجن الصغير وهو يخطو الآن في العالم، في السجن الكبير. تلتقطه كاميرات المراقبة فيصير هدفا للمخابرات. عيسى كاربوف. مع الاسم يتضح أنه خليط روسي شيشاني.
هنا نتعرف على رجل المخابرات الألماني الذي يعمل على مراقبة الجالية المسلمة في ألمانيا. للإشارة فأغلب الجهاديين في سوريا والعراق قدموا من أوروبا. بما فيهم أبناء الجالية المغربية في الغرب. يراقب العميل السري جالية تركية كبيرة، يراقب المساجد حيث تتم التعبئة النفسية للمرشحين للذهاب للقتال... لكن الجاسوس حامي الدولة يجد صعوبة في تتبع مسارات تمويل الإرهاب. وللتأكيد على خبرة العميل وطول مراسه يخبرنا الفيلم أنه فشل في بيروت وجاء إلى فرانكفورت. كيف فشل؟ انكشفت شبكة عملائه "فاحترقوا". وهذه استعارة من الطبخ وتعني أنهم لم يعودوا صالحين للاستخدام. فالمكشوفون بلا أوراق لعب.
في طريقه بحثه يصطدم العميل السري الألماني بالمخابرات الأمريكية المقنّعة بالسفارة. فللأمريكيين يد في كل حركة ألمانية. "رجل جد مبحوث عنه" عنوان قريب من منطق الويستيرن حيث تعلق صور المطلوبين مع المكافآت لمن يأتي بهم أحياء أو أموات. وهو ما تأكد في اللقطة الأخيرة حين انتصر المنهج الأمريكي في مكافحة الإرهاب. للإشارة فمنذ نهاية الحرب الباردة، وخاصة منذ تفجيرات 11-09-2001 صار الإرهاب هو موضوع الاشتغال الرئيسي للمخابرات التي تركت المعارضين السياسيين وشأنهم بعد أن ضعف تأثيرهم. وقد بلغ هذا ذروته الآن بعد صار العراق مهددا بداعش. لوضع المتفرج في سياق الأحداث منذ البداية، يخبرنا المخرج أنطوان كوربيجن بأنه هنا، في ألمانيا، وبالضبط في مدينة فرانكفورت، حضّر محمد عطا الله تفجيرات نيويورك. وقد استفاد من تنافس مخابرات عدة دول مما سمح له بالتحرك. بعد هذا صارت فرانكفورت مراقبة جيدا وزاد التعاون بين المخابرات الألمانية والأمريكية وغيرها.
تتقدم أحداث الفيلم من خلال خطين سرديين منفصلين يلتقيان في نهاية الساعة الثانية من الفيلم.
أولا خط الإرهابي الصغير، الميداني، الذي يعيش متخفيا. ينطبق عليه توصيف توماس فريدمان في في كتابه "العالم في عصر الإرهاب". يصف هؤلاء الإرهابيين الذين يعملون في خلايا يشكلونها بأنفسهم حتى دون علم القيادة، يصفهم بأنهم " مجموعات نشطاء يصعب تحديد هويتهم، جماعات صغيرة جدا تحدث درجة كبيرة من الخراب والفوضى" ويؤكد أن "الإرهاب أشبه برياضة فردية لذا لا يمكن هزمه عسكريا". يعترف فريدمان أنه يصعب هزم هؤلاء، لكنه يتحداهم قائلا "الجهاد اليوم ليس باختطاف الطائرات بل بصناعتها" ص81. من يقدر؟
ثانيا خط الإرهابي الكبير، رجل الأعمال والإحسان اللامع. وهو يقدم نفسه في صورة مسلم معتدل. لكن شبكة شركاته تسرب المال. ومن هما تبدأ منابع تمويل الإرهاب. لذا يحاول العميل السري تجفيفها من النبع قبل وصولها للمصب على شكل رشاشات وأحزمة ناسفة... ولمنح بعد أعمق لعلاقة الجريمة بالمال يقدم الفيلم صاحب بنك ألماني يدير ودائع المافيا ومجرمي الجيش الروسي في الشيشان.
هكذا تتعدد المسارات الخطرة في الفيلم، مما يحتفظ بالتوتر في الفيلم طيلة ساعتين. وللتمهيد للحظة الحسم في الفيلم، سيلاقي المخرج الموهوب الخطان. ستجعل المخابرات من أحدهما طعما لصيد الآخر.
بفضل إخراج متميز تتوفر وحدة بصرية بين اللقطات، فاللون الذهبي الذي يتولد من الأضواء المسلطة على الماء يخترق الفيلم بكامله. في مكتب الجاسوس وأروقة الجامعة... يظهر العمران المديني الألماني متناسقا. وقد وظف المخرج فضاءات المدينة بقوة. حتى أن بورغ في كلمة "هامبورغ" تعني مدينة. ومنه جاء اسم الطبقة الغنية "البور جوازية" أي سكان المدن... يستخدم المخرج الجدار حتى في بناء المعنى. في لقطة من برلين تظهر بقايا جدار برلين الذي كان سقوطه لحظة تحول تاريخية. فالمخرج مهتم بأن يعرف المتفرج أين ومتى تجري للأحداث. ولكي لا تكون اللقطات ثقيلة تتخللها قفشات للربط والتفسير. ففي لقطة طريفة تظهر مساعدة العميل السري قلقة، يسألها عن السبب فقالت إنها تلقت دعوة لحفل زفاف. وكلما ذهبت لعرس تجد امرأة تتجه نحو جدار لتصطدم به. سألها العميل: ألم تفكري في الرجل؟ قالت: الرجل هو الجدار.
يقول المصريون ظل رجل أفضل من ظل جدار.
محمد بنعزيز
كاتب وسينمائي مغربي
محمد بنعزيز
كاتب وسينمائي مغربي
التعليقات