من باب خيانة أمانة البحث الأدبي أن يعتمد النقّاد والباحثون أشعار علّال الفاسي كشواهد عن الشّعر المغربي الحديث. وحتّى لو أردنا أن نُجامل ...
من باب خيانة أمانة البحث الأدبي أن يعتمد النقّاد والباحثون أشعار علّال الفاسي كشواهد عن الشّعر المغربي الحديث. وحتّى لو أردنا أن نُجامل الرجل ونُدخله في دائرة "الشّعراء" وهي الدائرة والمرتبة التي كان يحلم بها فقهاء المغرب في تلك الفترة، نقول إنّ قصائد الفاسي مجرّد صدى ورجع لقصائد حافظ ابراهيم وباقي شعراء النهضة العربية.
أمّا اذا أردنا أن نتحلّي بالصرامة النقدية في هذا المقام، فنقول إن علّالاً "كان" خصية مفشوشة وبزغبٍ منتوف في جسم الشّعر المغربي الحديث. مع ضرورة وضع فعل كان بين مزدوجتين ، لأنّ لا أحد قرأ أو يقرأ أشعار الفاسي والتي جميعها لا تساوي شيئاً أمام ذباب قصيدة "المطعم البلدي " للشاعر محمد بن ابراهيم.
شخصياً بحثتُ في شعر علّال بما في ذلك قصائده المبعثرة في دوريات ومجلات مغرب زمان فوجدتُ أن "تجربته" لم تستطع أن تتجاوز ساحة المسجد وجامع القرويين حيث ظلت لغته وصوّره الشّعرية، طبعاً ان وجدت هذه الصوّر، تتحرك في هذه الدائرة الضيّقة وعلى مسافة فرسخٍ من منبر وعصا الفقيه.
قد يقول قائل غيور، إنّ الفاسي طرح في كتابه " النقد الذاتي"حلولاً للمشاكل الاجتماعية والسياسية والدينية للمغاربة. صحيح أن الكتاب ينحو في هذا الاتجاه الاصلاحي، لكن هل كان الفاسي سبّاقاً في طرح هذه الأفكار أم أنه اتبّع قاعدة "من نقل انتقل" حين اتكأ على أفكار محمد عبده والكواكبي وجمال الدين الأفغاني ومحمد ناصر الألباني وأعاد لوكها لتخرج هكذا حامضة وبلا حسّ تحليلي أو اضافة يشاد بها..
اقرؤوا لهؤلاء وعودوا الى كتاب الفاسي لنتفّق على قصر نظر هذا الأخير الى المشاكل العميقة للمغاربة والتي حاول الوقوف عليها، لكنه فشل في ذلك حين اكتفى بمداعبتها بأطراف جلبابه وواصل طريقه في كتابة قصائد العرشيات والتي بدورها تخلو من روح الشّعر وتقترب من الشعر التعليمي دون أن تكونه.
من حسنات كتاب "النقد الذاتي" أنه يبطن شوفينية علال الفاسي تجاه الأمازيغ، والتي يكشف عنها خطابه أمام قادة حزب الاستقلال عام 1957، حين قال ":أيها الإخوة إن جلاء الجيش الفرنسي قد تمّ وإجلاء القواعد الأمريكية في الأفق، لكن المشكل الكبير: كيف يمكن اجلاء البربر؟".
لا أريد أن أشرح فكرة علال الفاسي أكثر ممّا نطق بها هو، لأن موقفه من الأمازيغ وليس البربر، يعرفه القاصي والداني. ولا أريد، أيضاً، أن أواخذ المطبعة التي وافقت على طبع كتابه الشوفيني "السياسة البربرية في المغرب: عناصرها ومظاهر تطبيقها".ولكن ألحّ أن رجلاً تتحرّك أفكاره في هذه الدائرة الضيقة وبهذه الشروط المعرفية والثقافية المتواضعة، يصعب أن تنتظر منه شعراً ينتصر لآلام وقضايا الانسان في عموميّة لا في اثنيته. فضلاً على أنّ هيأة وخدود علال الفاسي الحمراء أبعد من أن توحي بأن الرجل كان يعيش ألم الشعر ووجعه.
التعليقات