$type=ticker$count=12$cols=3$cate=0

اليسار والربيع العربي (2): مستنقع الستالينية والإسلاموفوبيا

“ابحثوا عن اليسار في الثورة، وفي الثورة فقط، فخارج الثورة الكل يمين”.. يمكننا فهم موقف لليسار المعادي لثورات الربيع العربي وال...


“ابحثوا عن اليسار في الثورة، وفي الثورة فقط، فخارج الثورة الكل يمين”..

يمكننا فهم موقف لليسار المعادي لثورات الربيع العربي والداعم للأنظمة العربية، إما ضمنيًا أو علنيًا، في سياق مواقفه التاريخية والإرث النظري للتحليلات والأفكار الستالينية البالية التي تأثرت بها الأحزاب الشيوعية في منطقتنا العربية، وكان ومازال لها أثر كارثي على مواقف وسياسات هذه الأحزاب، فاليسار العربي عبر تاريخه عجز عن فرض نفسه كقوة مهيمنة وفاعلة في الصراع الطبقي إلا في حالات نادرة ومؤقتة، لأسباب كان منها الذاتي والموضوعي، ليعلن اليسار عن إفلاسه وزوال تأثيره بين الجماهير وسقوطه مع سقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان تابعًا له باعتباره نموذجًا للاشتراكية، ومن ناحية أخرى قبوله في كثير من الأحيان لأطروحات انتهازية وانهزامية في مسيرة استسلام منظمة التحرير الفلسطينية وقبل ذلك من ضربات تلقاها اليسار عبر تاريخه مع تصفية المقاومة الفلسطينيّة في الأردن وتصفية الحركة الشيوعيّة العراقيّة إثر استيلاء البعثيين على السلطة وأيضا تصفيةُ الحزب الشيوعيّ السودانيّ.

الثورة على مرحلتين من المناشفة إلى الستالينية إلى الأحزاب الشيوعية في العالم والمنطقة العربية، كانت ومازالت نظرية “الثورة على مرحلتين أو المراحل” هو التصور المهيمن على اليسار العربي حيث تعرقل نظرية المراحل مسيرة الثورة الاشتراكية في سبيل تحقيق ما يسمى بـ “الثورة الوطنية الديمقراطية” كمرحلة أولى يتم فيها إتمام المهام الديمقراطية والوطنية عبر نظام ديمقراطى برجوازي، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الثورة الاشتراكية بقيادة الطبقة العاملة. أدت تلك الرؤية إلى التفريق بين الأنظمة العربية على إنها إما “رجعية” أو”وطنية” بالرغم من نفي صفة “الاشتراكية” عن جميع الأنظمة وبغض النظر عما إذا كانت ديمقراطية أم لا.
يرى هذا اليسار أن الأنظمة الوطنية لها دورًا هامًا في مواجهة الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية، وأن السياسة التي تتبع حيال هذه الأنظمة هي التحالف معها عبر استراتيجية “الجبهة الشعبية” التي طرحها ستالين والتي تؤدي إلى تذيل الطبقة العاملة لليبراليين المدافعين عن الرأسمالية في مقابل “الجبهة المتحدة“.

فالكثير من فصائل اليسار عبر تاريخها وحاضرها عاشت ومازالت في حالة من الخضوع التام دون قيد أو شرط للنظم القومية العلمانية في المنطقة.

ففي العراق، تحالف الحزب الشيوعي أقوى الأحزاب الشيوعية في المنطقة، بتوجيهات من موسكو، مع عبد الكريم قاسم الذي كان الاتحاد السوفياتي مؤيدًا لحكمه وغير راغب في إثارة صراع على السلطة وتصعيد المواجهة مع الغرب، ليتكرر الخطأ مرة أخرى عبر تحالف الحزب الشيوعي مع البعثيين والذي لم يمنع الأخير من الانقلاب على الشيوعيين وإعدام الآلاف منهم وسجن آلاف آخرين.

وفي مصر أيضا تحالفت منظمة حدتو، أكبر التنظيمات الشيوعية، مع البرجوازية الوطنية ممثلة في حزب الوفد، في إطار الجبهة الشعبية الوطنية، ليتذيل الشيوعيون البرجوازية المصرية التي كانت مصالحها مع الاستعمار ويضيع على الشيوعيين بذلك فرصة قيادة الجماهير في حزب ثوري يصنع ثورة اجتماعية ضد البرجوازية والاستعمار، ليأتي بعد ذلك انقلاب الضباط الأحرار في 1952 بقيادة جمال عبد الناصر ليقطع الطريق على ثورة اجتماعية كانت تطل برأسها بعد حالة من الاختمار الثوري كان يعيشها المجتمع والجماهير قبل حركة الضباط الأحرار.

وفي عام 1965، قام الشيوعيون بحل حزبهم بزعم أن نظام عبد الناصر يسير في طريق الاشتراكية ومعاديًا للغرب الإمبريالي. أما في سوريا فقد تحالف الحزب الشيوعي مع البعثيين فيما سُمي بـ “التحالف الوطني” ليمتد هذا التحالف إلى يومنا هذا، ليقف الحزب الشيوعي مع النظام في وجه الجماهير الشعبية السورية من أجل تحررها وضد الثورة التي يعتبرها “مؤامرة”.

وعكس ذلك، وبالنظر إلى تاريخ وإرث الثورة البلشفية بين فبراير وأكتوبر 1917 حين رفض البلاشفة بقيادة لينين وتروتسكي الدخول في حكومة ائتلافية مع البرجوازية، بينما كان تركيزهم في كسب الأغلبية في السوفييتات بنضالهم مع عمال بتروجراد وتحريضهم للجنود على الجبهة من أجل وقف الحرب وتوزيع الأراضي ومن ثم وضع البلاشفة بوضوح الثورة الاشتراكية على أجندتهم منذ اللحظة الأولى للثورة.

عكس ما فعله المناشفة من قبول الدخول في حكومة ائتلافية مع البرجوازية رفضت بشدة توزيع الأراضي على الفلاحين كما رفضت وقف الحرب الإمبريالية.

وهو ما أثبت خطأ نظرية الثورة على مراحل، والتي ما يزال اليسار العربي يتبناها، وهو ما يُعد امتدادًا للمنشفية في مقابل نظرية “الثورة الدائمة” التي أثبتت صحتها سواء بالإيجاب مع ثورة أكتوبر 1917 أو بالسلب مع هزيمة الثورة الصينية 1925-1927.

إن هذه الدروس التاريخية وكذلك دروس الربيع العربي المهزوم تثبت لنا يومًا بعد يوم، ليس فقط فشل أطروحة الثورة المجزئة على مراحل، وإنما أيضًا كونها أودت بالكثير من الأحزاب والتنظيمات الاشتراكية التي تدًعي “الماركسية”، وأسقطتها في بئر الانتهازية تارة وخيانة الشعوب الثائرة تارة أخرى بوقوفها بجانب الطغيان.

الإسلاموفوبيا
في سياق آخر لفهم مواقف اليسار، هو الموقف من الإسلاميين، حيث يعاني هذا اليسار مما يسمى “بالإسلاموفوبيا” أو الخوف من الإسلاميين حيث يتبنى نظرية “فاشية الحركة الإسلامية” فتيارات وحركات الإسلام السياسي كلها، بالنسبة لهذا اليسار، تعد فاشية وظلامية بدءًا من الإخوان المسلمين ومرورًا بالسلفية وانتهاءًا بداعش وجبهة النصرة، ويعنى ذلك الوقوف في معسكر الدولة الاستبدادية والارتماء في أحضان هذه الدولة سواء كانت تعيش في كنف الإمبريالية كمصر، أو تدًعي معاداتها كسوريا، وبغض النظر عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذه الدولة، فهذا اليسار بمختلف مسمياته الستاليني والماوي والقومي يدعم أنظمة الطغمة العربية.

فقبل ثورة 2011 في مصر، تحالف اليسار المصري متمثلًا في حزب التجمع والحزب الشيوعي المصري مع دولة مبارك ضد الحركات الإسلامية، ثم مؤخرًا وقف داعمًا ومؤيدًا للانقلاب العسكري بقيادة السفاح السيسي بحجة “مدنية الدولة”، ولم يكن لينجح الانقلاب دون دعم هذه الأحزاب “المدنية”. وفي سوريا وقف هذا اليسار داعمًا لبشار ونظامه لأنه على الجهة المقابلة يوجد الإسلاميون، وبالتالي عليك أن تختار التحالف مع أحد الطرفين.. نعم بهذه البساطة والنخبوية، فالجماهير لا تعني شيئًا لهذا اليسار وكأن الشعب لم يقم بثورة على هذا النظام ومهدد بالقوى الرجعية من أمثال داعش وجبهة النصرة وغيرهم من أعداء الشعب السوري وثورته التي كلما رفعت أعلامها وشعاراتها قُمعت من نظام الأسد وشبيحته ومن والتنظيمات الرجعية الأصولية.

وكأنه أيضًا لا يمكن لليسار بناء طريق ثالث بعيدا عن النظام الديكتاتورى وبعيدا أيضا عن التنظيمات الرجعية ومع الشعب السورى لاسترداد ثورته وحقه في الحياة

إن نظرية “فاشية الحركات الإسلامية” تزيف الصراع الطبقي لصالح صراع حول “المدنية” و”الدينية” بدلًا من الاعتماد على التحليل الطبقي لهذا الحركات والتنظيمات في سياق الرأسمالية وطورها الإمبريالي وتغض النظر عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعاني منها الشعوب.

خاتمة
إن سياسات هذه الأحزاب الشيوعية المتأثرة بالإيدولوجيا الستالينية والإسلاموفوبيا جعلتها تأخذ الموقف المعادي لثورات الشعوب العربية، لكن في المقابل، والأهم هو النظر للبديل ممثلًا في اليسار الماركسي الثوري عبر تاريخه، بداية من ماركس وإنجلز إلى لينين وتروتسكي وروزا لكسمبورج وغرامشي، وعبر حاضره ممثلًا في اليسار الثوري التحرري الجديد، والذي قام على أنقاض الاتحاد السوفيتي رافضًا العيش في جلبابه، ولم يقع في مستنقعه العفن. يسار متبني الثورة الدائمة، في مقابل الثورة على مراحل، والجبهة المتحدة في مقابل الجبهة الشعبية. يسار لا يتذيل لقوى أخرى سواء كانت ليبرالية أو إسلامية. يسار غير مرتبط بالطغيان ولا يدعم أنظمة ديكتاتورية بأي حجة كانت. يسار في أولاوياته حقوق الإنسان وحريته. يناضل مع الجماهير أينما تناضل لأن مَن يفعل غير ذلك فليس بيسار.

المصدر: الاشتراكي

التعليقات

الاسم

اخبار العالم,2010,اخبار العرب,1745,اخبار المغرب,6504,أرشيف,9,أسبانيا,4,اسبانيا,166,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,5,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,307,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,58,اقتصاد,977,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,14,البرازيل,11,الجزائر,298,السعودية,15,الصحة,118,الصين,25,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,21,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,71,اليمن,23,إيران,33,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,13,تاريخ,4,تحقيق,1,تحليل,1,تدوين,755,ترجمة,1,تركيا,17,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1297,تقرير صحفي,75,تونس,89,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,388,حزب الله,8,حماس,1,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,75,رياضة,373,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,12,سوسيال ميديا,11,سوشال ميديا,15,سياحة,1,سينما,28,شؤون ثقافية,442,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,910,طاقة,24,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,1,علوم و تكنولوجيا,314,عناوين الصحف,322,غزة,73,فرنسا,176,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,593,فنون,242,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1924,كولومبيا,1,لبنان,20,ليبيا,34,مجتمع,1247,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,7,مغاربي,1042,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: اليسار والربيع العربي (2): مستنقع الستالينية والإسلاموفوبيا
اليسار والربيع العربي (2): مستنقع الستالينية والإسلاموفوبيا
https://1.bp.blogspot.com/-fQaHIBURUAc/WI3Zb4V5oNI/AAAAAAAAkvI/xpPf25aiwH8yLzwmchz_hcVe92P0FoYBQCLcB/s640/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B1%25D8%25A8%25D9%258A%25D8%25B9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B9%25D8%25B1%25D8%25A8%25D9%258A-800x400.jpg
https://1.bp.blogspot.com/-fQaHIBURUAc/WI3Zb4V5oNI/AAAAAAAAkvI/xpPf25aiwH8yLzwmchz_hcVe92P0FoYBQCLcB/s72-c/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B1%25D8%25A8%25D9%258A%25D8%25B9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B9%25D8%25B1%25D8%25A8%25D9%258A-800x400.jpg
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2017/01/2_29.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2017/01/2_29.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy Table of Content