في ذكرى انتفاضة 14 دجنبر90: شهادة الناشط عبد الغني تشنوت + فيديو

حلت اليوم الذكرى 26 لانتفاضة 14 دجنبر 1990 ، اليوم الذي واجهت فيه الجماهير الشعبية بأجسادها العارية الرصاص الحي  بمدينتي فاس وطنجة .  في...

حلت اليوم الذكرى 26 لانتفاضة 14 دجنبر 1990، اليوم الذي واجهت فيه الجماهير الشعبية بأجسادها العارية الرصاص الحي بمدينتي فاس وطنجة. في هذا اليوم، خرجت جماهير غفيرة من عمال ومعطلين وطلبة وتلاميذ بقوة من الأحياء الشعبية ضد قرار وزارة الداخلية، يوم 5 دجنبر، والتي اعلنت فيه استعدادها لاستعمال كل الوسائل لضمان "حرية العمل" والحفاظ على"النظام العام"، الامر الذي ادى الى ان تطالب القيادات النقابية الداعية والمعبئة للاضراب، من المضربين التزام بيوتهم، وهو ما عتبر انذاك إفراغ الإضراب العام من أي مضمون كفاحي. غير ان الجماهير كان لها قرار آخر، فتحدت الأحزاب والنقابات وخرجت للشارع محتحجة ضد الاوضاع الاجتماعية المزرية وواجهت بصدورها العارية رصاص ودبابات النظام..

عن انتفاضة فاس، التي سقط فيها اكبر عدد من الجرحى والشهداء، يكتب الناشط المغربي " عبدالغني تشنـــــوت " كشاهد عيان من فاس:

استيقظت في مثل اليوم من سنة 1990 في حدود الساعة التاسعة صباحا ... فطلبت مني امي ان أذهب إلى شراء الحليب كي نفطر ... ذهبت إلى اقرب دكان من اجل ذلك فكان مغلقا ... ثم إلى دكان اخرى فكان مغلقا ... كل الدكاكين و المقاهي مغلقة كانت ... و الحيطان مكتوب عليها ( اﻹضراب حق مشروع ) ... فهمت انه يوم إضراب من خلال اﻷجواء ... عدت إلى امي و قلت لها : اليوم إضراب و كلشي ساد ... قالت لي : نفطرو بالقهوة كحلا ماعندنا مانديرو ... اخذت فطوري بسرعة و خرجت للشارع الاحظ و اترقب و أراقب الوضع عن كتب ... في حدود الساعة العاشرة و النصف بدأ الشارع يمتلئ بالناس ... لم يكن هناك اي شيء يدل على ان مظاهرة او مسيرة او تجمع احتجاجي سيقوم ... كان الناس يمشون جنب الرصيف بكل ادب و احترام ... فرادى و مثنى و ثلاثي و رباعي .. بدأ الشارع يمتلئ بالمارة المتنزهين ( اقول المارة فقط ) و الذين لا نية لهم في اي شيء ... بعد لحظات بدأت سبارات كبار ضباط البوليس تجول في الحي ... رغم ان اﻷمر لا يحتاج إلى ذلك ... ثم بدات سيارات السيمي المتحرك تجوب احياءنا الشعبية و هي تطلق اصوات التحذير و اضواء الخطر ههههه ... رغم ان لاشيء يستدعي ذلك ... مجرد مواطنين مسالمين يمشون جنب الرصيف ... تحركات اﻷمن و قوات التدخل السريع كانت استفزازية و تلعب على اعصاب المواطنين المسالمين ... ردة الفعل على استفزاز البوليس ستأتي من اﻷطفال الذين بدؤوا بالتصفير و الصياح ... بدات قوات القمع في تعقب اﻷطفال و الجري وراءهم و كل من جاء في طريقها من شيوخ و نساء و رجال بعقلهم هههههه ... فبدات المواجهة بين قوات القمع و المواطنين .

الساعة : الثانية عشر زولا 

المكان : باب الفتوح باب الخوخة سيدي بوجيدة ( اﻷحياء اﻷكثر تهميشا في ذلك الوقت )

بدأت تتوافد حافلات محملة برجال السيمي المتنقل مدججين بهراوات الفأس ... و اﻷحياء المذكورة في قمة الغليان كر و فر هنا و شعارات هنال و مواطنون يتفرجون فقط هنالك ... كلما جأت حافلة محملة بقوات القمع يتم رجمها بالحجارة ... الشيء الذي جعل قوات القمع تهرب خارجة الاحياء المذكورة إلى ضواحي المدينة ... و الشعب يسيطر على الساحة ... في هذه اﻷثناء بدأ يتسلل بعض اﻷشخاص ذوي السوابق إلى بعض الدكاكين من اجل اقتحامها و نهبها و سرقتها ... في حين بدات تتكون مسيرات كبيرة و حاشدة من الحاقدين و المهمشين و المنبوذين و الكارهين لسياسة هذا النظام اللعين ... هذه المسيرات كانت اﻷكثر نضجا و وعيا ... لقد اختارت مهاجمة البورجوازية الكبرى : فنادق الخمسة نجوم فندق المريني مثلا و اوطيل الجامعي ... و التي سيصبون عليها جام غضبهم و قوة إحساسهم بالفوارق الطبقية ... 

****

الساعة الثانية بعد الزوال ... فندق المريني تحت رحمة النيران ... سيارات و حافلات تحترق هنا و هناك ... دكاكين تحت سطوة اللصوص المحترفين و المبتدئين و الهواة ... و تحت سطوة الذين يشعرون بالحرمان و التهميش ... إنهم ينتقمون ...

الساعة الرابعة بدأت بعض الحوامات تجوب سماء الحي ... بعدها بقليل ... تم إنزال العسكر القادم من الصحراء و هو مدجج باﻷسلحة الخفيفة بنادق و رشاشات و مدافع خقيفة ... و بدأ القصف العشوائي ... و رمي الرصاص حيثما كان ... كان الضحايا من اﻷطفال و النساء لم يفعلوا اي شيء ... ذنبهم انهم متواجدين بالشارع ... و هناك من قتل و هو في نافذة منزله يتفرج فقط ...

****

الساعة الثامنة مساءا ... و رغم ان الاوضاع كانت قد بدات تسكن ، ﻷن اغلب المواطنين دخلوا إلى منازلهم بسبب الرعب و الخوف الذي سببه صوت الرصاص .... إلا أنه بدأ في تكثيف إطلاق النار ... الشوارع تقريبا خالية ... و مع ذلك صوت الرصاص مكثف ... لم اكن اعرف في الليل ماذا كان يقصفون ... استمر الوضع هكذا إلى حدود منتصف الليل ... 

في الصباح خرجت كي ارى ماذا حدث بالضبط ... الرصاص الخاوي بحال الزبيب فوق اﻷرض و على مختلف اﻷحجام و اﻷشكال ... حيطان و ابواب دكاكين و منازل عليها اثار الرصاص ... مليشيات من المخزن تجوب اﻷحياء و الدروب الضيقة ... و تعتقل كل من لا يروق لها منظره ... اختطافات من الشارع و المنازل عشوائية ... احد جيرانينا و الذي كان حذيث الزواج و قضى يوم اﻹضراب مع زوجته في المنزل ... خرج ثاني يوم اﻹضراب كي يرى و يستطلع فقط ... تم اعتقاله لمدة سبع سنوات ظلما و عدوانا ...

في الزوال كانت اﻹنتفاضة الشعبية قد انتقلت إلى احياء اخرى ( عوينة الحجاج .. ليراك ... بنسودة ... )