طلبت مني أستاذتي فاطمة الزهراء صلاح، التي جمعتني بها سنوات النضال النسائي على صفحات جريدة 8 مارس، أن أحكي كل التفاصيل التي طبعت لقائي ال...
طلبت مني أستاذتي فاطمة الزهراء صلاح، التي جمعتني بها سنوات النضال النسائي على صفحات جريدة 8 مارس، أن أحكي كل التفاصيل التي طبعت لقائي العابر بقاتل عمر بنجلون.
في الواقع من بين ما قاله وأنا أدعو له الله أن يغفر له، أن عمر كان يستحق القتل، وحاول استحضار بعض أقوال الرسول فقلت له إن الله قال مخاطبا النبي محمد "عليك البلاغ وعلينا الحساب"، واستظهرت له هذه الآية "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم" وأنت نصبت نفسك في منزلة الخالق وحاسبت عمر بنجلون، هذا إذا كان عمر اقترف ما يستحق أن يعاقب من أجله.
قال لي" الله يقول من رأى منكم منكرا فليغيره
لم أدعه يتم. سألته كم كان عمرك حين نفذت عملية الاغتيال.
قال: 22 سنة
قلت: كنت قاصرا
قال: بلى كنت راشدا
قلت له: كنت قاصرا على فهم الدين.
الذي التقيته كنا في الدرب نسمي والدته بـ"اسفرتيكة" ونسمي أسرته بـ"دار اسفرتيكة" لأن والدته أرادت أن تقول "السرتافيكة" بمعنى الشهادة الطبية فنطقتها "اسفرتيكة"، ولهذا المصطلح قصة واقعية.
قبل أن يقدم على قتل عمر بنجلون بأسابيع قليلة، اعترض سبيل إحدى بنات الجيران، في الصباح الباكر، حين كانت متوجهة إلى محل البقالة لاقتناء مادة الحليب، وأراد الاعتداء عليها، فاستنجدت بأخيها، الذي كان يمارس رياضة "الكاراتيه"، ويحمل الحزام الأسود، فانتقم لأخته شر انتقام دفاعا عن عرضها وسلامتها.
خرج الأخ مهرولا، مسك قاتل عمر من تلابيبه، أسقطه أرضا، وأشبعه رفسا وضربا، وتركه مدرجا في دمائه، وحين رأت والدته آثار الدم على وجهه، وعلمت بما جرى لابنها توجهت إلى بيت هذا "الكراطمان" وقالت لوالدته:
"غدي ندير لولدي اسفرتيكة أو ندعي ولدك"
فصرنا نسميها بهذا المصطلح.
قاتل عمر بنجلون، حين قدمت الشرطة لاعتقاله، وبعد أن أخرجته من البيت، كان مفزوعا، وهو يصيح:
"وااامَي، جيبي ليَ كارنية تحت سدارية مخدة"، ومنذئذ صارت أسرته تعرف بدار قاتل عمر بنجلون.
لم تدم إقامة هذه الأسرة بيننا في الدرب، فذات صباح لم يعد لها وجود بيننا، غادرت خلسة، واختفت، حاملة معها هذا الوصم.
غير بعيد عن زقاقنا الذي جمعني بقاتل عمر بنجلون، وفي زقاق قريب، عاينت، ذات صباح، تابوتا يحمله رجال بزي رسمي، ووضعوه أرضا. كانت سلسلة حديدية تلف التابوت الخشبي.
ذاك الصباح لاحظت حركة غير عادية في الحي، عدد من الجيران يهرولون في اتجاه واحد، سرت وراءهم، فوجدت نفسي في أحد أزقة الحي، أمام تجمهر غفير، تسربت بين الأرجل بحكم صغر حجمي وقتها، فرأيت التابوت الملفوف بالسلسلة الحديدية.
سمعت نسوة تقلن: "الله يستر حتى فقبرو راه مسجون"
وكان اسم عمر بنجلون يتردد وسط المتجمهرين.
أخبرتني الوالدة أن التابوت كان لواحد من قتلة عمر بنجلون، وقد توفي في السجن، والسلسلة الملفوفة على تابوته تعني أنه محكوم ولم ينه مدة عقوبته.
لف التوابيت بالسلاسل حين تكون لسجناء توفوا قبل استنفاذ مدة العقوبة، موضوع يستحق التحقيق والتمحيص. هل مازال هذا يمارس؟ هل الأمر مجرد عرف أم أنه إجراء قانوني؟ لف التابوت بالسلاسل وإحاطة القبور بها ماذا يعني ولماذا وكيف؟؟؟ .... سأبحث في هذا الشأن.
التعليقات