$type=ticker$count=12$show=post$cols=3$cate=0

السُّلطة والسَّلاطة! - جمال بدومة*

كنت مارا قرب البرلمان، ذات مساء، حين رأيت حشدا من رجال السلطة يفرق تظاهرة للعاطلين. كان المحتجون جنب النافورة، المقابلة لمحطة القطار، ال...

كنت مارا قرب البرلمان، ذات مساء، حين رأيت حشدا من رجال السلطة يفرق تظاهرة للعاطلين. كان المحتجون جنب النافورة، المقابلة لمحطة القطار، التي باتت تكسوها الطحالب وتنق فيها الضفادع من كثرة الإهمال، وحولهم عشرات المخازنية المستعدين ل"خزيت"، كما يدل على ذلك حرفا الخاء والزاي في تسميتهم، فضلا عن بذلاتهم البنية وهراواتهم السوداء ونظراتهم الشزراء، كان معهم ضباط يضعون نجوما على الكتف و"تولكي وولكي" في اليد ويعتقدون أن الرعد لا يمكن أن يزمجر في السماء إلا بإذنهم والمطر لا يمكن ان يسقط الا اذا حصل على ترخيص من وزارة الداخلية. وسرعان ما تمكنوا من تشتيت الغاضبين دون ضرب. بدل استعمال الهراوات، أطلقوا على المتظاهرين وابلا من الشتائم السوقية والكلمات البذيئة، التي كنا نحن المارة والفضوليون نسمعها بوضوح... العنف اللفظي أدى الى إرباك المحتجين وتقسيمهم، البعض كان يرد على الشتيمة بأحسن منها، آخرون كانوا يحاولون ان يشرحوا لأصحاب القبعة أنه من العيب على رجل يمثل الدولة أن يتلفظ بمثل هذه البذاءات، دون جدوى، فيما تراجعت الأكثرية الى الوراء خوفا مما لا تحمد عقباه. أكثرية المحتجين كانوا نساء، سمعن من الكلمات السوقية ما لا يمكن سماعه في احقر البارات. فهمت حينها أن الكلام النابي من تقنيات الردع عند الأجهزة الأمنية، تماماً مثل خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع... ويبدو ان هناك "دروسا" في الكلام الساقط تلقن في معاهد التكوين التي يتخرج منها رجال السلطة، المواطن مجرد حشرة، وعليهم الا يترددوا في دعسها بأحذيتهم الثقيلة كلما استدعى الامر ذلك، وبإمكانهم نهش أعراض الناس وشتم آبائهم وأجدادهم وكل أفراد سلالتهم، ماداموا في النهاية مجرد "سيفيل"!
تذكرت هذا "الفيلم البوليسي" وانا أتأمل فجيعة الحسيمة، التي ذهب ضحيتها بائع السمك محسن فكري الاسبوع الماضي، ولعل اكثر ما يستوقف في المأساة -بعد الصور البشعة في حاوية الأزبال- هي الجملة التي نسبت الى رجل السلطة قبل ان يتم فرم الضحية : "طحن مو" أو "طحن دينمّو" في رواية منقحة ومزيدة... عبارة سرعان ما تحولت الى هاشتاگ أشعل الفضاء الأزرق، وأسفرت عن تظاهرات حاشدة في الجهات الأربع من المملكة.
لحسن الحظ أن هناك رقابة شعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم تعد تسمح لمثل هذه الانتهاكات بان تمر في صمت، كما يؤكد لنا درس الحسيمة. وقد فهمنا ذلك بشكل واضح في غشت 2013 حين خرج الناس الى الشارع مطالبين بإعادة مغتصب الأطفال دانيال گالڤان الى زنزانته. ورغم ان الأمر يتعلق ب"عفو ملكي"، والمغاربة لم يتعودوا على الاحتجاج ضد ما يقرره القصر، لا احد استطاع ان يوقف الشرارة التي اشتعلت كما تشتعل النيران في التبن اليابس، لم ينجح احد في إيقاف الغضب الذي انتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتحول الى تظاهرة في الشارع، تعرضت لقمع مفرط من طرف السلطة لكنها حققت الهدف، حيث راينا السلطات الاسبانية تلقى القبض على گالڤان والملك يزور عائلات الضحايا في بيوتهم. التظاهرات هذه المرة كانت سلمية ولم تتعرض للقمع، وكالعادة رفعت سقف المطالب عاليا تنديدا بالظلم ودفاعا عن الكرامة والعدالة الاجتماعية.
"طحن مو"، "عطي لوالديه"، "فرشخ الكلب"، "خسرلو كمارتو"... السلطة في المغرب مشتقة من السلاطة، ولا أعرف متى يفهم القيمون على أمن المغاربة أن السلطة ثقافة وتربية، والحفاظ على الامن لا يكون باحتقار الناس وشتمهم وطحنهم مع النفايات. ولا يسعنا الا أن نسأل عبد اللطيف الحموشي والشرقي الضريس ومحمد حصاد أو من سيخلفه: من أن يأتي رجالكم بكل هذا الحقد على المواطنين؟ وأين "المفهوم الجديد للسلطة" الذي يتحدث عنه الملك في خطبه منذ سبعة عشر عاما؟ هل صارت أرواح المغاربة رخيصة لدرجة طحنها مع الأزبال؟ لا بد من مراجعة شاملة لعلاقة السلطة بالمواطن، الفتنة نائمة لعن الله من يوقظها!

التعليقات

الاسم

اخبار العالم,2030,اخبار العرب,1751,اخبار المغرب,6524,أرشيف,10,أسبانيا,4,اسبانيا,170,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,5,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,308,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,59,اقتصاد,987,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الأردن,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,19,البرازيل,11,الجزائر,299,السعودية,15,الصحة,118,الصين,25,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,23,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,74,اليمن,23,إيران,47,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,13,تاريخ,5,تحقيق,1,تحليل,2,تدوين,759,ترجمة,1,تركيا,19,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1305,تقرير صحفي,75,تونس,90,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,388,حزب الله,9,حماس,1,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,76,رياضة,374,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,14,سوسيال ميديا,15,سوشال ميديا,15,سياحة,1,سينما,29,شؤون ثقافية,446,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,910,طاقة,25,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,1,علوم و تكنولوجيا,314,عناوين الصحف,322,غزة,81,فرنسا,180,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,604,فنون,243,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1929,كولومبيا,1,لبنان,21,ليبيا,34,مجتمع,1253,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,7,مغاربي,1045,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: السُّلطة والسَّلاطة! - جمال بدومة*
السُّلطة والسَّلاطة! - جمال بدومة*
https://2.bp.blogspot.com/-8Lqik6dokT0/Vpb83pi46-I/AAAAAAAAZoQ/2E8JcUPKVz0/s640/10354823_983324825014657_7854129077743888598_n.jpg
https://2.bp.blogspot.com/-8Lqik6dokT0/Vpb83pi46-I/AAAAAAAAZoQ/2E8JcUPKVz0/s72-c/10354823_983324825014657_7854129077743888598_n.jpg
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2016/11/blog-post_58.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2016/11/blog-post_58.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy عناوين رئيسية