سواء بسبب الذكاء أو الدهاء أو لمجرّد الغباء، تساهلت أمريكا -بل تواطأت- زمنا طويلا مع صقور الكهنوت الوهابي في الخليج، ومع التعليم الديني ...
سواء بسبب الذكاء أو الدهاء أو لمجرّد الغباء، تساهلت أمريكا -بل تواطأت- زمنا طويلا مع صقور الكهنوت الوهابي في الخليج، ومع التعليم الديني المؤدلج في الشرق الأوسط والمراكز الدينية بالضواحي؛ تساهلت مع خطوط إمداد شبكات النصرة وداعش وبوكو حرام، ومع القنوات الدولية لصرف أموال الزكاة، ومع المخيمات العلنية لتفريخ الجهاديين التكفيريين، وذلك إما بدعوى "الحرية الدينية" (من وجهة نظر حقوقية)، أو بدعوى العمل على احتواء وترويض وإعادة تدوير تيارات الجهاد التكفيري (من وجهة نظر سياسية)، أو بدعوى مواجهة روسيا أو إيران (من وجهة نظر جيوستراتيجية)، أو بدعوى شل فعالية مقاومة دول الجنوب للعولمة الرأسمالية (من وجهة نظر إيديولوجية)، إلخ، ما انتهى في الحساب الأخير إلى تغول كوني للجهاد التكفيري، ومن ثمة استفحال مظاهر الرعب المعولم..
لقد راهن أوباما بوضوح على أن أصدقاءه في الشرق الأوسط من القوى السنية الرئيسية ( قطر وتركيا والسعودية) سيقدمون كل الدعم الممكن للقضاء النهائي على الإرهاب الإسلاموي قبل موعد الانتخابات الأمريكية.. أو هكذا كان الرهان على العالم السني بالذات حتى لا تصبح الحرب على الإرهاب حربا طائفية، ويكون الأمر هدية مجانية للمتطرفين الكامنين والظاهرين..
في المقابل، ماذا فعلنا؟ أخذنا الكرة وجرينا بها إلى خارج الملعب : العرب السنة ذهبوا لقتال الحوثيين في اليمن لفائدة التكفيريين في الحساب الأخير، والأتراك السنة ذهبوا لقتال الأكراد في سورية والعراق لفائدة التكفيريين في الحساب الأخير، ومناهج التعليم الديني لا تزال هي هي، وخطب الجمعة لا تزال هي هي، والفضائيات الفتنوية لا تزال هي هي، والأدهى أن داعش أصبحت ترسل مقاتليها إلى العواصم الغربية حيث يلقون على الأرجح ما يشبه البيئة الحاضنة، وبعد كل هذا وجهنا كامل اللوم إلى أوباما لأنه لم يكن حازما من أجلنا كما ينبغي !.. ثم وجهنا اللوم للأمريكيين لأنهم صوتوا على ترامب الذي ربّما سيكون حازما معنا أكثر مما ينبغي !.. وأخيراً بدأنا في إعطاء الدروس الخصوصية للأمريكيين .. فيا لوقاحتنا !!
بكل تأكيد، معركة التنويريين الأمريكيين هي معركة تقويض خطاب العنصرية الكامن في الثقافة الغربية والذي ينتج أمثال ترامب في أمريكا، ولوبين في فرنسا وغيرهما، لكن معركة التنويريين المسلمين في المقابل هي معركة تقويض خطاب الكراهية الكامن في الثقافة الإسلامية والذي يوشك أن يشعل فتن التفجير والتهجير في كل مكان، ويهدد الأمن والسلام إقليميا وعالميا.. ذلك أنّ القدرة على العيش المشترك تستدعي مساءلة كل الأطراف، وتستدعي بالأساس أن يسائل كل واحد نفسه.. فلننظر إلى المرآة إذاً..
لننظر إلى المرآة.
التعليقات