رؤية متشائلة لواقع أرادوه مهزوما.. أو كما قال الراحل إدريس بنعلي :"تشاؤم المتفائل" بعد قضاء سنة في الولايات المتحدة الأمري...
رؤية متشائلة لواقع أرادوه مهزوما.. أو كما قال الراحل إدريس بنعلي :"تشاؤم المتفائل"
بعد قضاء سنة في الولايات المتحدة الأمريكية (و.م.أ )، عدت إلى وطن تابعت واقعه السياسي و الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي لحظة لحظة من بلاد (و.م.أ) التي تسيطر شركاتها الرأسمالية العظمى و سلطتها السياسية على العالم..
لأن شعوب العالم لم تتحرر بعد و لا تقرر مصيرها إلا نسبيا في عالم معولم.. و لا مجال لأقارن الحياة و العيش في الو.م.أ مع الحياة في المغرب..
لأن الحياة و الواقع في النظام الياسي للـ(و.م.أ) و هو بلد يتنفس فيهما الناس و المواطن هواء و سلطة المال و الرأسمالية و حرية المال و الرأسماليين و في مراحلها الإمبريالية المعولمة التي تخنق و تستلب إنسانية الإنسان و تحوله إلى بضاعة رأسمالية في سوقها المحلية و العالمية، لا يمكن مقارنتهما (الواقع و الحياة) مع واقع و حياة مغرب لا زال نظامه يعيش بثقافة و سوسيولوجية الماضي و تاريخ السلاطين و ثقافة الرعية و القبلية و الطرقية و آلاف زوايا "الصُّلاح" و كناوة و الفلكلور إحياء الماضي...
وكل ذلك نقيض للثقافة الإنسانية التقدمية الديمقراطية العقلانية و نقيض للعلم و المعرفة العلمية، لأنه بالعلم و بالمعرفة العلمية يرتقي وعي الإنسان و ثقافته و مَعِيشِهِ الملموس إلى وعي و ثقافة و مَعِيشِ المواطنة و احترام القانون الوضعي الذي يعلم الإنسان كيف يعيش إنسانيته في مجتمع ديمقراطي يحترم الاختلاف و يكرس الكرامة الإنسانية و المساواة و الحرية و العدالة الاجتماعية و حقوق الإنسان.
تتبعت بدقة الاستعدادات لانتخابات 7 أكتوبر و الحملة الانتخابية و استمعت بموضوعية لخطابات الأحزاب و زعمائهم و قرأت عنها ما يُكـْـتَـبُ في الداخل و الخارج و قرأت آراء الأحزاب و المثقفين و ما يُسمى مُحللين و هم فقط "الكارين حنكهم" أو "أصواتُ أسيادهم".. و اطلعت على الإجراءات الانتخابية و واقع و تداعيات اللجنة المكلفة بتدبير الانتخابات و التي شكلتها المؤسسة الملكية من ممثل المخزن وزير الداخلية و من رئيس الحكومة و من وزير العدل ممثلين لحزب العدالة و التنمية و الإسلام السياسي.. و ما يعنيه هذا التشكيل من معنى سياسي بكون المخزن و "حزب العدالة و التنمية" و "حزب الأصالة و المعاصرة" بلوروا سيناريو محكم الأدوار.
وقامت وسائل الإعلام الرسمية، قبل و خلال الحملة الانتخابية، عبر من تسميهم "محللين سياسيين"، بدعاية الاستلاب في كون الانتخابات ستفرز "قطبية ثنائية" بين ممثل الإسلام السياسي "حزب العدالة و التنمية" و ممثل القوى المخزنية "حزب الأصالة و المعاصرة" الذي يدعي "الحداثة و الديمقراطية" الخاضعة لسلطة ثقافة المخزن و البيعة و سلطويتهما!!...
فهمت من كل ذلك أن الانتخابات مخدومة و متوافق عليها بقوة هذا الواقع المخدوم و المفروض و السيناريو المحبوك.. و فهم الشعب هذا السيناريو المزيف للسياسة الذي تتحكم فيه السلطة السياسية و سلطويتها و "مديرية الشئون العامة" شبكاتها الاجتماعية التي تتحكم فيها أجهزة وزارة الداخلية المختلفة، شبكات اجتماعية تشتغل باستمرار، لا تنام لها عين، في مجتمع تريده مزيف و شعبوي، تشتغل كل يوم في صمت و من وراء الستار.. تصنع الأحداث و توجه الرأي العام..
و لم يفاجئني موقف أن أغلب المواطنين و المواطنات الذين يطمحون إلى نظام سياسي ديمقراطي و مجتمع ديمقراطي متقدم، مجتمع المعرفة، لم يسجلوا أنفسهم في اللوائح الانتخابية أو مسجلون و يرفضون ممارسة حقهم في التصويت، لأن لهم وعي عميق اكتسبوه من الواقع الملموس و من معيشهم و حياتهم الملموسة و من الحياة السياسية و التاريخ السياسي للنظام السياسي و للمجتمع منذ الاستقلال الشكلي.. و تبلور لديهم وعي و موقف أن الانتخابات في نظام سياسي تقليدي تبعي لا يمكن أن تغير شيئا من الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي و لن تنتقل بالمجتمع المغربي نحو بناء ديمقراطية حقيقية و دولة ديمقراطية و مجتمع المعرفة و الديمقراطية..
و من يدعي أن المغرب أجمل بلد يزيف على الشعب واقعه الإنساني و الاجتماعي و الثقافي المؤلم. من يدعي أن طبيعة النظام السياسي في المغرب هي الضامن للاستقرار يزيف واقع العنف النفسي و المعنوي و عنف الحياة و عنف العلاقات الاجتماعية و عنف التعليم المأزوم و السكن الغير اللائق و البطالة المتفشية و الصحة العمومية المعطوبة مما فكك العلاقات الاجتماعية و اغتال كل ما هو إنساني و تقدمي فيها وفرض لا عقلانيتها.. و عنف الإجرام و عنف البطالة و عنف الإقصاء الاجتماعي...
من يدعي أن الدولة و الإدارة في المغرب في خدمة المواطنين و المواطنات الذين يؤدون الضرائب و ليس لهم نصيب من ثروات البلاد يزيف الواقع و يخدم مصلحة المستفيدين من واقع نهب ثروات الوطن و الشعب و يتلقى المقابل.. من يدعي أن الدولة و الإدارة في خدمة المجتمع و مصالح الشعب يزيف واقع علاقة الدولة العنيفة بالمجتمع و بالمواطن. من يدعي أن انتخابات 7 أكتوبر انتخابات سياسية و ديمقراطية و شفافة و نزيهة يزيف واقع أن هذه الانتخابات ليست سوى إفراز لمجتمع تنخره الأمية الأبجدية و الأمية المعرفية و التخلف الاجتماعي و اللا عقلانية و هو واقع ينتج أصوات و فئات شعبية غير واعية بمصالحها الديمقراطية و المصالح الديمقراطية للشعب في التقدم و الحرية و العدالة الاجتماعية و المساواة و الكرامة..
و من يدعي أن البرلمان و الحكومة اللذين أنتجتهما انتخابات 7 أكتوبر بربع أصوات الشعب المغربي تخدم مصالحه الديمقراطية يزيف واقع و حقيقة أن جل، إن لم يكن كل البرلمانيين و البرلمانيات، يخدمون مصالحهم الخاصة و مواقعهم مع المخزن صاحب نعمتهم.. إلا من رحمته إنسانيته و وعيه النقدي و أخلاقه السياسية و كرامته. من يدعي أن أصوات الشعب التي شاركت في الانتخابات (25% من مجموع المغاربة الذين لهم حق التصويت) كانت أصواتا واعية بمصلحة الوطن و الشعب يزيف الواقع المؤلم و المتخلف الذي انحدر إليه الوطن في جميع المجالات الثقافية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية..
واقع دولة و مجتمع تبعيين للدوائر الرأسمالية الامبريالية و لدول االسعودية و الخليج التي "تصدق" هبات دولاراتها على الدولة لخدمة مصالحها و تحالفاتها لاستدامة وجودها الاستبدادي.. فالملكيات الاستبدادية في هذا العصر تتكافل كي لا تتجاوزها شعوبها و كي لا يتجاوزها التاريخ.. بعد انتفاضة شعوب بدون قيادة ضد الاستبداد.. من يدعي أن البلد آمن يزيف واقع بشاعة الجرائم و العنف و الاستبداد و الإقصاء الذي ينتج مواطنين و مواطنات خاضعين تؤطرهم ثقافة اتكالية و الزبونية و النفاق الاجتماعي و الفوضى المتحكم فيها. من يدعي أن الدولة و المجتمع و المواطن و المواطنة يحترمون الاختلاف يزيف الواقع الملموس للمجتمع الذي يعيش تحت سلطة المخزن و سلطة فقهاء الظلام و شعبوية فئات اجتماعية كبيرة من المجتمع و سلطة الفاسدين و سلطة المزيفين للواقع..
سيقول البعض: "و ما العمل؟"
جواب نسبي و موضوعي سيكون مقترحا في تدوينة قادمة..
التعليقات