$type=ticker$count=12$show=post$cols=3$cate=0

فكرة اليسار بالمغرب: بين الموت والحياة - عبد الكريم ساورة*

عادت من جديد فكرة اليسار قبل انتخابات السابع من أكتوبر للنقاش والتداول العمومي ، وبدأ السؤال يطرح من جديد بعد أن حركت فيدرالية اليسار مي...

عادت من جديد فكرة اليسار قبل انتخابات السابع من أكتوبر للنقاش والتداول العمومي ، وبدأ السؤال يطرح من جديد بعد أن حركت فيدرالية اليسار مياها كثيرة كانت راكدة،  من قبيل هل بالفعل فكرة اليسار تصلح كمشروع للإنقاذ مستقبلا ؟ بعد أن أبان حزب العدالة والتنمية أنه مجرد مكينة انتخابية و عن محدوديته في التعاطي مع المعضلات المجتمعية سواء ذات الطابع الاجتماعي أو الاقتصادي بالنظر إلى خطابه الذي ظل معلقا في السماء أكثر من إنزاله إلى الميدان الذي يعتبر المحك الحقيقي للجميع. 
 وعلى هذا الأساس أصبح ملحا أن نضع هذا اليسار تحت المجهر ونسأل بوضوح هل لازلت الروح تذب في بدن هذا الكائن الأسطوري؟ وهل لازال له من أدوار يمكنه أن يلعبها في المستقبل باعتباره البديل الحقيقي في المقبل من الزمن السياسي المغربي ؟
في البداية لابد من الإعتراف أن اليسار بالمغرب يعيش أسوأ أيامه على كل المستويات، سواء على مستوى الخطاب أو الممارسة وهذا انعكس بشكل مباشر على مردود يته وعلى مكانته الكبيرة التي كان يحتلها بين صفوف الجماهير.
وفكرة اليسار ليست شعارا تم رفعه في لحظة تاريخية معينة كنوع من الترف السياسي من طرف القوى اليسارية وإنما هي توجه معرفي وفلسفة حياة ونزول مهذب عند الجماهير، نعم معانقة الجماهير والذوبان معها في أعلى وأسمى كفاحاتها ومطالبها المجهوضة 
وعلى هذا الأساس كانت فكرة اليسار حاضرة بقوة في الأناشيد المدرسية وفي الشعارات الجامعية وكانت تتجسد على كل المستويات والأصعدة، كانت قصيدة ثورية تمشي في كل الدروب والأزقة، وكان الرفاق كل الرفاق يؤمنون بلحنها المقدس وينامون على تراتيلها الصوفية.
كان المشروع قويا، ليس بالكلمات المسطحة والأساطير المنمقة وإنما بالرجال والمواقف والجرأة في اتخاذ القرارات الكبيرة، في مواجهة التسلط وجبروت المخزن، كان المناضل اليساري يضع حياته في كفه ولايتوسل بمبادئه من أجل أن يربح مقعدا أو تعيينا رفيعا أو أرضا كما حدث مؤخرا. 
لم يتوان الرفاق في المطالبة بتحرير المغاربة من الاستعمار بأنواعه، وكانوا صوتا واحدا، وشعارا واحدا، يصرخ به الفلاح والعامل والطالب والمثقف، وكانت فكرة اليسار ترفرف  في كل الأجواء
كان النضال مدرسة عريقة لايدخلها سوى الشرفاء، وكان الوطن يؤلف بين كل هؤلاء الرجال من أجل هدف كبير هو تحقيق العدالة الاجتماعية وتذويب الطبقية وكرامة الإنسان المغربي.
لم يتوان الرفاق في المطالبة بتحرير المغاربة من الاستعمار بأنواعه، وكانوا صوتا واحدا، وشعارا واحدا، يصرخ به الفلاح والعامل والطالب والمثقف، وكانت فكرة اليسار ترفرف  في كل الأجواء، كان الشاعر يكتب قصيدته الثورية ويطالب فيها بهدم كل الأصنام المصنوعة من طرف القوى الرجعية، وكان الكل يردد معه الأبيات بدون تزييف أو تزوير للمعنى، كان للكلمة معنى عندما تحفر وتجد طريقها إلى قلوب المغاربة دون مواربة.
كانت الأغنية الثورية، من أمثال سعيد المغربي، الشيخ إمام ومارسيل خليفة، بمثابة الأوكسجين الحقيقي الذي يتنفس به الجميع من تلوث المخزن وعفنه ، كانت الحناجر تردد بدون تردد أغنية الحياة، رافضة الذل والخنوع والإستكانة، كان الإيقاع عاليا في الحس والتذوق لمطلب التغيير الذي كان مطلب الجميع. والآن هل لازال المواطن المغربي منتصب القامة يمشي مرفوع الهامة ؟ كما كان يردد المناضلين مع الفنان الرائع مارسيل خليفة ؟
المثقف، هذا اللقب الذي كان حاضرا، واقفا، كشجرة العوسج، أصبحْتُ متوجسا من انقراضه، كان أسما على مسمى، حاضرا في كل التفاصيل يرسم كل اللحظات المفرحة والمقلقة، إنه النبي الحقيقي لتأريخ المرحلة بكل عنفوانها، يسجل الموت ويسجل الحياة ولا يأبه إلى مقص الجلاد ولا يلتفت إلى تنقيط الحاكم  ومعاقله المظلمة، كان محامي الشعب بكل ماتحمل الكلمة من معنى تاريخي.
المثقف هذا الكائن الجميل كان منخرطا بقلبه وقلمه، يكتب بلغة اليسار ويأكل ويشرب بطعم اليسار وينزل إلى الشارع وينخرط في كل مايرتبط بالجماهير، إنه الصوت الحقيقي لمطالبهم وآلامهم وآهاتهم .
كان بيانا واحدا للحزب في قضية من القضايا، كافيا أن يلهم حماسة المناضلين وتشتعل الشوارع  للمطالبة بتسوية ما يجب تسويته، كان للحزب رونقه ووزنه داخل العمران السياسي والشعبي، كان الحزب حزبا والبيان بيانا والمتلقي كان دائما مع الموعد، مستعد ومستيقظ وعلى أهبة الاستعداد بكل مايتعلق بحياة الوطن .
كان المواطن ثوريا هو الآخر، قارئا جيدا للأحداث، تلميذا نجيبا، يتابع دروسه السياسية بامتياز، كان أستاذا ومحللا وأبا حنونا على الحزب، وكان أكثر من ذلك قنوعا وليس انتهازيا، لا يبيع أفكاره ومبادئه وحزبه من أجل رغيف أسود، كان المواطن يشبه حزبه كثيرا لايختلف عنه في شيئ ، إنهما وجهان لرسالة واحدة.
والآن ماذا بقي من هذه الخصال الثورية التي كان ينعم بها اليسار والتي كان يقهر بها كل الأعداء والخصوم ؟
في الحقيقية هو سؤال مرير وقاس عندما نرفع بصرنا نحو هذه الكائنات السياسية والتي تريد أن تقدم نفسها الآن على أنها لازالت حاملة لقيم اليسار وآماله، لكن للأسف الصورة تبدوا صادمة ومشوهة ولا تعكس حقيقة الأمر. 
وحتى نخرج من حلقة جلد الذات ولعن الظلام إلى فسحة الممكن، وبما أن التاريخ هو سجل كبير للهزائم وكذلك للأمجاد، فلا شيئ يمكن اعتباره نهائيا بالمرة، إلا إذا أعلن عن وفاته وتم دفنه نهائيا، وبما أن اليسارهو مشروع من القيم والمبادئ في صناعة الحياة ومستقبل الإنسان، وبما أن التجربة ليست نهائية، فلا غرو أن يخرج فصيل كطائر الفينق لازال يعشق هذه المبادئ وهذه هي سنة العشق  ليحيي ماتبقى ن خصال رفيعة لهذا الطائر الأسطوري ويحلق بها نحو الأعلى، ولا يوجد حاليا في الساحة سوى مشروع فيدرالية اليسار التي تملك كل المقومات لتحقيق ذلك على أرض الواقع مستقبلا. يبقى السؤال الصعب : هو كيف يمكن تحقيق ذلك ؟
الجواب لايتطلب كثيرا من البحث والتنظير، بما أن الساحة تعرف شحا وفقرا كبيرين من حيث المشاريع المجتمعية وذات حمولة ثقافية ومنفتحة على كل ماهو حداثي،  وبما أن تاريخ اليسار مملوء بالكثير من المحطات التاريخية الكبيرة، ومن الأمثلة العظيمة لرجاله ومواقفهم والتي لازلت هي التي تعطيه كامل التوهج والاحترام ، فلا ينبغي  أن نتوه كثيرا حول الوسائل والسبل لتحقيق هذه الغاية ، يكفي أن يحترم اليساريون مبادئ اليسار وأخلاق السياسة وذكاء المواطن ونكران الذات وجمع ماتبقى من اليساريين الشرفاء وهم كثر، فكل الطرق إلى قلب هذا المواطن وبيته ستكون سهلة ومعبدة. لاتنتظروا كثيرا فالمستقبل كقلب المرأة فهي تكره المتردد .

التعليقات

الاسم

اخبار العالم,2030,اخبار العرب,1751,اخبار المغرب,6524,أرشيف,10,أسبانيا,4,اسبانيا,170,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,5,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,308,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,59,اقتصاد,987,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الأردن,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,19,البرازيل,11,الجزائر,299,السعودية,15,الصحة,118,الصين,25,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,23,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,74,اليمن,23,إيران,47,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,13,تاريخ,5,تحقيق,1,تحليل,2,تدوين,759,ترجمة,1,تركيا,19,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1305,تقرير صحفي,75,تونس,90,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,388,حزب الله,9,حماس,1,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,76,رياضة,374,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,14,سوسيال ميديا,15,سوشال ميديا,15,سياحة,1,سينما,29,شؤون ثقافية,446,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,910,طاقة,25,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,1,علوم و تكنولوجيا,314,عناوين الصحف,322,غزة,81,فرنسا,180,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,604,فنون,243,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1929,كولومبيا,1,لبنان,21,ليبيا,34,مجتمع,1253,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,7,مغاربي,1045,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: فكرة اليسار بالمغرب: بين الموت والحياة - عبد الكريم ساورة*
فكرة اليسار بالمغرب: بين الموت والحياة - عبد الكريم ساورة*
https://1.bp.blogspot.com/-dGgLgsmhrC8/WAlYLuD_CqI/AAAAAAAAiNM/YM41J5yD708O5xMip9y0CQEWAzWrNiyoQCLcB/s640/files_converted.jpg
https://1.bp.blogspot.com/-dGgLgsmhrC8/WAlYLuD_CqI/AAAAAAAAiNM/YM41J5yD708O5xMip9y0CQEWAzWrNiyoQCLcB/s72-c/files_converted.jpg
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2016/10/blog-post_758.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2016/10/blog-post_758.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy عناوين رئيسية