اهتم الإعلام المغربي خلال هذه الأيام بما اعتبره تغييرا في الموقف المصري من قضية الصحراء الغربية، اعتمادا على مشاركة وفد جبهة البوليسار...
اهتم الإعلام المغربي خلال هذه الأيام
بما اعتبره تغييرا في الموقف المصري من قضية الصحراء الغربية، اعتمادا على مشاركة
وفد جبهة البوليساريو ضمن أشغال مؤتمر البرلمان الأفريقي- العربي، الذي احتضنته
شرم الشيخ في مصر. ولم يتردد الإعلام المغربي في وصف ما يفترض موقف القاهرة بمثابة
خيانة للصداقة التقليدية بين البلدين.
وعمليا، سطرت مجموعة من الباحثين
والصحافيين المغاربة مقالات في الصحافة بشقيها الورقي والرقمي تنتقد فيه مشاركة
وفد من البوليساريو ضمن مؤتمر البرلمان العربي- الأفريقي الذي احتضنته مصر خلال
الشهر الجاري. وتناسلت الفرضيات، البعض منها اقترب من واقع العلاقات الدولية
والآليات التي تحكم فيها، وأخرى طغت عليها العاطفة السياسية لأنها انطلقت من
اعتقاد أن كل من لا يقف مع المغرب في ملف الصحراء فهو مع الجزائر والبوليساريو، أو
بعبارة أخرى فهو معاد لمصالح المغرب. وعلى هذا المنوال يقسم بعض المغاربة العالم
من مع مغربية الصحراء ومن ضد مغربية الصحراء.
وإذا كانت الرباط منذ قرابة سنتين قد
أعربت عن موقف دبلوماسي حاد للغاية تجاه مصر بسبب الصحراء، جعل القاهرة تنفي دعمها
للبوليساريو، فهذه المرة تلتزم الدبلوماسية المغربية الصمت، ما يجعل التساؤل
العريض وهو: هل اعتمدت الصحافة المغربية على مؤشرات حقيقية للحديث عن قلق أو غضب
مغربي رسمي من التصرف المصري باستقباله وفدا للبوليساريو في النشاط المذكور؟ أم
فقط اعتمدت على تأويل للحدث نظرا لغياب معرفة عميقة بالعلاقات الدولية؟
في البدء، تتبنى مصر موقفا يميل إلى دعم
المغرب بدون تبني مغربية الصحراء، رغم بعض الأزمات التي تقع بين القاهرة والرباط،
وهي قليلة ومحدودة التأثير. ولعل العنوان الأبرز لهذا الموقف هو موقف مصر في مجلس
الأمن الدولي طيلة السنة الجارية الذي شكل رفقة فرنسا والسنغال والأردن كتلة لدعم
مواقف الرباط رغم الضغط الروسي والأمريكي حول قضية تقليص المغرب قوات المينورسو في
الصحراء الغربية.
وتحافظ مصر على هذا الموقف رغم تطور
العلاقات بينها وبين الجزائر، فهذه الأخيرة لعبت دورا في رفع فيتو الاتحاد
الأفريقي ضد مصر بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس محمد مرسي. كما تحافظ
على الموقف نفسه رغم حاجة مصر إلى الغاز الجزائري وإلى التنسيق الأمني والعسكري
والسياسي في ملف ليبيا، حيث للبلدين، مصر والجزائر، حدود طويلة مع ليبيا المتفجرة
سياسيا وعسكريا وتهدد أمنهما القومي.
في الوقت ذاته، لم تقّم مصر في أي وقت
من الأوقات صلات ثنائية بدون الحديث عن علاقات مع جبهة البوليساريو كحركة أو
الجمهورية التي أعلنتها هذه الأخيرة وهي «الجمهورية العربية الصحراوية
الديمقراطية، وبالتالي، فمشاركة البوليساريو في النشاط المشار إليه أعلاه الذي هو
مصدر قلق الإعلام المغربي، أكثر منه رسميا، هو نشاط جماعي لا يمكن تحميله موقفا
سياسيا أكثر من حجمه الواقعي. وسبق للرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند وكذلك رئيس
الحكومة الإسباني ماريانو راخوي المشاركة في أنشطة جماعية أفريقية، شارك فيها زعيم
البوليساريو السابق محمد عبد العزيز بصفته رئيس الجمهورية التي أعلنها.
وعلاوة على هذا، فالدولة المغربية قررت
منذ شهور العودة الى الاتحاد الأفريقي وقدمت طلبا رسميا سيدرس خلال يناير المقبل
في قمة الاتحاد الأفريقي. ويحدث هذا رغم استمرار وجود البوليساريو كعضو كامل
العضوية في الاتحاد، بمعنى أن المغرب سيقبل بالجلوس في المنتدى نفسه الذي توجد فيه
البوليساريو، وسيحضر كل الأنشطة رفقة البوليساريو للاتحاد مستقبلا، فلماذا تغاضى
المغاربة عن موقف دولتهم أساسا.
ومما يغيب عن الرأي العام المغربي وكذلك
الكثير من وسائل الإعلام في هذا البلد لا يتجلى في موقف مصر الرسمي الذي لا يعادي
المغرب، بل يتمثل أساسا في نجاح ناشطين من جبهة البوليساريو التواصل مع حركات
يسارية وحقوقية وإعلامية في العالم العربي.
في هذا الصدد، كانت قضية البوليساريو حاضرة فقط في أجندة الدولة والأحزاب السياسية
والهيئات الحقوقية ووسائل الإعلام الجزائرية، لكنها خلال السنوات الأخيرة ومنذ
اندلاع الربيع العربي نجحت البوليساريو في التسلل الى دول عربية أخرى. وهكذا نجد
لجان تضامن في تونس ومصر واليمن واهتماما وسط الاعلام في الأردن ومصر وتونس بل حتى
السودان، الأمر الذي لم يكن في الماضي. إن ما وقع في الاتحاد الأوروبي يتكرر وإن
كان بشكل جنيني في العالم العربي، فقد راهن ناشطو البوليساريو وبدعم من الجزائر
على غزو الرأي العام الأوروبي والحركات اليسارية والبيئية والحقوقية للتأثير على
الحكومات، وهو ما يحدث الآن. وهذا السيناريو يتكرر في العالم العربي وأمام أنظار
المغاربة الذين يفتقدون للمبادرة للدفاع عن مواقفهم في عالم يتغير باستمرار بسبب
تغير الآليات التي تتحكم فيه.
القدس العربي
التعليقات