"أتريدون أن نصوت؟ لن يكون هذا الأمر .. كلهم لصوص"، فالبنسبة لـ"حسين جمال"، "ادريس قدور" و"عبدو خليل&q...
"أتريدون أن نصوت؟ لن يكون هذا الأمر .. كلهم لصوص"، فالبنسبة لـ"حسين جمال"، "ادريس قدور" و"عبدو خليل"، كل رجالات السياسة هم هنا فقط "لجمع المال". يرى هؤلاء الأصدقاء الثلاثة، المزدادون بمدينة خريبكة المعروفة بثروة الفوسفاط التي يسيرها "المكتب الشريف للفوسفاط"، عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر.
يقول "حسين جمال"، الذي يعتقد أن وفاة والده العامل بـ"المكتب الشريف للفوسفاط" ناجمة عن استنشاقه لغبار الفوسفاط لسنوات عديدة، إن "الموظفين هنا يتقاضون 10 آلاف درهم في الشهر بالإضافة إلى تعويضات عن السكن والصحة، مضيفاً أنه في حالة عطالة عن العمل منذ 5 سنوات ولا يتلقى أي مساعدات من الدولة، موضحا أن مورده المالي الوحيد يوفره من خلال عمله في مجال الزراعة أو البناء، مقابل اقل من 10 دراهم للسلعة الواحدة، ليلخص وضعة الحالي في عبارة واحدة : "إنها الأزمة". في هذه المنطقة يلاحظ في كل مداخل القرى مساكن عشوائية، وعلى الطرقات المؤدية لها تخطف انتباهك صور للدواب والأطفال وهم ينقلون سويا المياه إلى أسرهم.
دستور 2011 لم يؤثر على المؤسسة الملكية
هؤلاء الأصدقاء الثلاثة يحاكون الأفكار السائدة في المغرب، فمن بين 34 مليون مواطن في المملكة، 22 مليون لهم الحق في التصويت (أكبر من 18 سنة)، لكن فقط 13 مليون شخص من سجلوا أنفسهم في اللوائح الانتخابية، بحسب وزير الداخلية، محمد حصاد. وفي الانتخابات التشريعية السابقة (2011) فقط 6 ملايين مواطن توجهوا لصناديق الاقتراع، أي ما يعادل أقل من ربع الفئة الناخبة، فالمغاربة لا يعيرون أية أهمية لرئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران.
"الحزب الإسلامي" الذي قدم ولاءه للملك حل في المرتبة الأولى سنة 2011 بـ 27 في المائة من أصوات المغاربة الذين شاركوا في الانتخابات وقتئذ, الحكومة التي قادها بنكيران، جاءت ببرنامج ليبيرالي من المنظور الاقتصادي، والموجه للطبقة الوسطى (مناهضة التمييز بين الرجل والمرأة، محاربة الفساد...)، ومحافظة من المنظور الأخلاقي (تقوية القيم الإسلامية للمجتمع، تجريم حرية المعتقد والمثلية الجنسية ...). "بنكيران جيد لكن ليست له أية سلطة"، يقول "صلاح بن زين"، شاب عاطل عن العمل، الذي يكسر رتابة حياته، في أحد القرى بالرماني جنوب المغرب، بلعب "البلياردو" مع أصدقائه، ليستطرد : "رئيس كل شيء، الشرطة، العدل.. هو الملك".
هذا الشاب المغربي صائب في ما قال، فالدستور الجديد المقترح من طرف الملك محمد السادس سنة 2011 في ظل رياح "الربيع العربي"، صوت له بـ"نعم" 97.5 من المغاربة، لم يغير من صلاحياته، فملك المغرب لا زال مستمرا في ترؤسه للمجالس الوزارية، وبين يديه صلاحية حل البرلمان، يعين القضاة ورؤساء المؤسسات العمومية. فكرة مراجعة الدستور كانت على رأس مطالب الشارع بقيادة حركة 20 فبراير، يقول محمد المدني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الرباط، بحيث أن الدستور الجديد اعترف باللغة الأمازيغية والمساواة، لكن يغير أي شيء في نواة سلطة المؤسسة الملكية. الملك مازال يعتبر حجر الأساس في النظام المغربي، التشريعي، التنفيذي والقضائي. أما في المجال المالي، فـ"الشركة الوطنية للاستثمار" (SNI)، التي تمتلك العائلة الملكية 60 في المائة من الحصص، يعتبر الملك الفاعل الاقتصادي الأكثر قوة في المملكة.
وتهيمن "SNI" أهم المجالات الاقتصادية في المغرب، بالإضافة إلى أن الملك يعتبر أكبر المستثمرين في مجال الفلاحة. "لا يكمن المشكل في كون الملك رجل أعمال"، يوضح الصحافي، عمر بروكسي، مشيراً إلى أن "المشكل يكمن في تعدد صفات الملك، فهو في نفس الوقت المقاول ورئيس السلطة التنفيذية والقضائية، الشيء الذي لا يعطي مجالا لمنافسته". وبشكل منتظم الشركات التابعة لـ"SNI" تحوز على عدد من العروض العمومية التي تطرح من طرف الموظفين السامين المنصبين من طرف الملك، المساهم الرئيسي في هذه الشركة.
المعارضون و"ثروة الملك"
حتى المناضلون السياسيون الأكثر راديكالية لا يتجرؤون على الحديث عن "ثروة الملك"، "في المغرب "القوى القمعية" بإمكانها أن تكون متسامحة في حالة ما إذا تم التطاول على الله، لكن لا تتسامح إذا تم التطاول على الملك"، يقول أحد مناضلي اليسار، والذي تم سجنه في ظل نظام الحسن الثاني، فضل عدم ذكر إسمه". "لا نريد إسقاط النطام، لكن دمقرطة المؤسسات"، تؤكد نبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب اليسار الاشتراكي الموحد، الهيئة السياسية الأكثر انتقادا للنظام المغربي، لتضيف "نحن مع الملكية البرلمانية، أي أن يسود الملك لكن لا يحكم، بمعنى نظام سياسي مع فصل حقيقي للسلط".
ويعتبر أعضاء جماعة العدل والإحسان - ربما – هم الأكثر رديكالية في مواقفهم السياسية، "نحن مع تغيير ديمقراطي حقيقي، يتقاطع مع المبادئ الكبرى للإسلام"، يوضح محمد الحمداوي، عضو المكتب السياسي لـ"الجماعة"، مضيفاً أن "أعضاءنا تجدهم دائما إلى جانب الفقراء الذين وجب على الدولة مساعدتهم"، ليشير إلى أنه من منظور العدالة "نطالب بالتقسيم العادل للثروات"، ففي المغرب يوجد 12 مليون مواطن يعيشون بأقل من دولارين في اليوم الواحد، في حين أن الملك هو شخص غني. "ليس المشكل في غنى ثراء الملك، لكن بالنسبة لنا، كمسلمين، السؤال الذي نطرحه هول : هل هذه الثروة تم جمعها بنزاهة، وهل توزع بطريقة سليمة على الفقراء؟ لكن الحقيقة أنه ما بين 2011 و 2016، ثروة الملك تضاعفت بشكل قياسي وكذلك الفقر، وهذا شيء غير طبيعي".
المصدر: موقع"لكم" (عن لوموند ديبلوماتيك بتصرف)
التعليقات