* لسوء حظنا لقد غيّرت وسائل الاتصال العالم ، ولم يعد إخفاء فضائحنا نحن العربان ممكنا كما كان . فضائحنا السياسية والدينية والاقتصادية وال...
* لسوء حظنا لقد غيّرت وسائل الاتصال العالم ، ولم يعد إخفاء فضائحنا نحن العربان ممكنا كما كان . فضائحنا السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية أصبحت ... ماركة عربية مسجلة ... لقد كشفت الستلايتس والتلفونات الذكية والفيسبوك وغيرعا ... عوراتنا وما أكثرها ... للعالم كله ، ولم يعد بإمكاننا إنكارها ، أو حتى محاولة الدفاع عن أنفسنا كما فعلنا في الماضي .
* لقد دمرنا أوطاننا ، وافقرنا شعوبنا ، وشردنا الملايين من أبنائنا ، وحطمنا آثارنا التاريخية ، وقتلنا معارضينا بالحرق ، والنحر ، وقطع الرؤوس ، وسبينا واغتصبنا النساء البريئات ، ونهبنا ممتلكات الآخرين . لقد شاهد العالم معظم هذا بالصوت والصورة ومن المستحيل نفيه أو إنكاره .
* وزيادة في تطورنا وسبقنا لعصرنا لقد أصبح عندنا مئآت العيادات ومحطات إلاذاعة والتلفزة التي يديرها ... علماء كبار متخصصون في أحدث الاكتشافات العلمية ... التي نستخدمها لنخرج .. الجنّ .. من أجسام البشر ، ونشفي الناس من العين الحاسدة ، ونعالج الأمراض المعدية والمستعصية بالأعشاب والتعاويذ ، ونفك الأسحار التي حضّرها لنا الأعداء والحساد ، ونحضّر .. الأحجبة .. لمن يريد أن يقي نفسه من جميع الأخطار .
* ونضع خرزة زرقاء كبيرة على أبواب بيوتنا لتحفظها من الزلازل والكوارث الطبيعية ، مقلدين بذلك ما كان يفعله أجدادنا في ريف فلسطين حيث كانوا يضعون ... لزقة من العجين ... على صباح الحمار عندما يشترونه لتبارك الّلزقة ....الحمار... ، وتحفظه من كل الأخطار وأهمّها الاصابة بعين الحسود ، لأن العين عندنا تصيب حتى الحمير ، وإنها لا تفرق بين الحمير والغزلان لا بالشكل ولا بالمحتوى .
* أنا لا أؤمن أن التاريخ يعيد نفسه ، ولكنني أؤمن أنه قد ... يجدّد نفسه ... ودليلي على هذا هو أن ما نفعله من تصرفات ...غبيّة ... الآن تشبه ما كان يفعله أسلافنا ولكنها أكثر تطورا وتكلفة . مثلا كان حكامنا في زمنهم يضيّعون مبالغ ضخمة على الجواري ، والراقصات ، والقصور ، والسكر والعربدة ، والشعراء المنافقين ، والولائم ، والهدايا التي كانوا يقدمونها لزوارهم من ساسة ومتنفذين من مناطق مختلفة من العالم .
* الظاهر ان التاريخ فعلا جدّد نفسه حيث اننا الآن نتصرف بطريقة أكثر غباء وفخامة وبذخا . كل حاكم عندنا يملك طائرة خاصة من أكبر وأغلى الطائرات يحسده عليها باراك أوباما لأن عمر طائرة الرئاسة التي يستخدمها 36 سنه . الديكور الداخلي في طائرة الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز كلف الشعب السعودي 100 مليون دولار قبل أكثر من ثلاثين سنة كما ذكر الموسادي الاسرائيلي مؤلف كتاب " عن طريق الخداع " . حكامنا يهدون زوارهم سيوفا من الذهب الخالص مرصعة بالجواهر ، ومجوهرات أخرى بالملايين وفي المقابل يعطي الزائر لحاكمنا .. أبو السيوف والمجوهرات .. البوم فيه بعض الصور ثمنه عشر دولارات .
* ونقيم حفلات زواج خيالية ، ونشتري الشعراء والكتاب الذين يسبحون بحمدنا ، ونشحن أفخم وأغلى السيارات بالطائرة الى أوروبا عندما نقضي إجازاتنا هناك ، ونزور أهم نوادي القمار في العالم لنظهر كرمنا العربي ، ونملك طائرات ويخوت خاصة باهظة الثمن . ونستورد راقصات من جميع أنحاء العالم ، ونتبرع بمئات الملايين لغير العرب ... لأنه لا يوجد فقير واحد في أوطاننا ... ! إننا شعب أصيل لن يتخلى عن قيم ...هبله ... النبيلة ، وقد زاد ذكائه الهبلي مع الزمن !
* آخرأخبارنا تقول إن رجل أعمال سعودي أهدى يختا لشخص أجنبي ثمنه 200 مليون دولار فقط . وإن ثريا إماراتيا إشترى حوض إستحمام مصنوع من حجر نادر بمبلغ 6 ملايين درهم ، وكويتيا دفع 77 ألف دولار ثمن حمامة قيمتها في السوق لا تتجاوز عشرة دولارات ، وإن أحد رجال الأعمال العرب قام بشراء ملابس داخلية للاعبة التنس كارنيكوفا بمبلغ 30000 دولار .
* وذكرت صحيفة القدس العربي الصادرة بتاريخ 1-9-2016 أن أميرة سعودية أهدت طبيب اسنانها ... ثلاث ... ساعات رولكس وقالت سموّها " إنها لا تعرف ذوق الطبيب ، لذا قرّرت أن تهديه الساعات الثلاثة علما أن قيمة أقل ساعة منها تبلغ حوالي 40 الف دولار . " وذكرت الصحيفة أيضا أن أميرة سعودية قد أعلنت قبل أيام " عن حاجتها لمستشارة ملابس براتب 140 ألف دولارأمريكي سنويا " طبعا زائد السكن ، والاجازة السنوية المدفوعة ، وتذاكر طائرة ذهاب وعودة بينما 25 % من السعوديين أو ما يعادل 5 ملايين سعودي لم يسمعوا بالنفط حتى الآن ، ويعيشون تحت خط الفقر في واحدة من أغنى دول العالم .
* أما عن السياسة فالمصيبة أعظم . ملايين الأبرياء من إخواننا قتلناهم نحن في حروبنا ، ودمرنا دولا بأكملها . فقد ذكرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي السيدة كريستين لاغارد في تصريح لها بتاريخ 15- 9 - 2016 " أن إقتصادات دول منطقة الشرق الأوسط مدمّرة بسبب النزاعات والحروب وأزمات اللاجئين ." حيث أن هناك 20 مليون نازح عن ديارهم في مناطق الحروب والنزاعات ، وعشرة ملايين لاجىء في دول العالم ، وتم تدمير معظم وسائل الانتاج في مناطق النزاع ، والخسائر على مستوى الثروات والعائدات هائلة ، في حين يضعف رأس المال البشري بسبب نقص العمل والتعليم .
* أضف إلى ما سبق ذكره أن الحريات العامة معدومة في الوطن العربي ، ولا يوجد دولة قانون ديموقراطية مستقرة واحدة في المنطقة ، وإن كل دولة عربية يحكمها ويتحكم بها وبثرواتها ... شخص واحد ... ، وإن وضع المرأة في أوطاننا يرثى له وإنها مسلوبة الارادة والحقوق .
* أغلب الناس في دول العالم يسافرون خارج أوطانهم للراحة والآستمتاع ولزيادة معلوماتهم عن شعوب العالم وثقافاتهم . ولهذا فإن نسبة كبيرة منهم تهتم جدا بزيارة المعالم الأثرية التاريخية ، والمتاحف ، والأماكن التي تتميز بجمال طبيعي خلاب . إن معظمهم يتصرفون بأدب في الشارع والمطعم والمتجر ، وحتى في الأماكن السيئة كالبارات والنوادي الليلية ، وغالبا ما يعطون إنطباعات جيدة عن أنفسهم وعن أوطانهم .
* أما نحن عندما نسافر ، فإن نسبة كبيرة منا وخاصة سواح دول النفظ ، وأبناء الأغنياء من كل أرجاء وطننا ، يتصورون أن كل شيء في هذه الدول معروض للبيع وفي انتظار العربان لدفع الثمن . ولهذا فإننا وبسبب جهلنا ،.. وكبتنا .. ، وفهمنا الخاطىء لشعوب هذه الدول وثقافاتهم ، وقيمهم ، نتصور أن كل شيء عندهم ... مباح ... ولا نفهم أن هذه المجتمعات وصلت إلى درجة عالية من التحضر والحرية والممارسات الأخلاقية .
* ولهذا فإننا نبلي بلاء حسنا في الاساءة لأنفسنا وأوطاننا بتصرفاتنا الفظة ، وسلوكنا الذي ينقصه التهذيب واللباقة مع الناس عامة في الشارع ، والمنتزه ، والحديقة العامة ، وعلى الشواطىء ، وفي الاماكن السيئة السمعة التي يزورها عدد كبير من سياحنا ، ونعطي إنطباعا سيئا عنا وعن أوطاننا .
* لا يحق لنا أن نتصرف هكذا ونتوقع من الناس إحترامنا . عندما ينتقدنا العالم فإنه ينتقدنا لفشلنا ، وحماقاتنا ، وممارساتنا الغير مقبولة في داخل أوطاننا وخارجها . لقد أصبح العالم قرية صغيرة ولم يعد هناك ما يمكن إخفاءه إلى الأبد . قد يقول قائل إن العالم متحيز ضدنا . هذا غير صحيح ! والسؤال هو لماذا لا يتحيز العالم ضد ماليزيا ، والنرويج ، واليابان وينتقد شعوبها كما ينتقدنا ؟ الشعوب تفرض إحترامها وهيبتها بإنجازاتها ، ونجاحها ، وأنظمتها الحديثة ، وتحضرها في التعامل وليس بالعنجهية ، والتخلف الحضاري ، وصرف الأموال بغباء .
التعليقات