لم تكد تنتهي الجلبة التي أحدثها قرار «فايسبوك» بمنع نشر الصورة الشهيرة لفتاة النابالم من حرب الفيتنام (راجع «السفير» 10/09/2016) حتى عاد...
لم تكد تنتهي الجلبة التي أحدثها قرار «فايسبوك» بمنع نشر الصورة الشهيرة لفتاة النابالم من حرب الفيتنام (راجع «السفير» 10/09/2016) حتى عادت قضية جديدة، أشد خطورة من سابقاتها لتتصدر الأخبار. قبل أيام أعلن «فايسبوك» عن بدء تعاون جدّي بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة الموقع من أجل التصدي لمحاولات «التحريض» على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك وفق ما جاء في تقرير جديد صدر عن وكالة «أسوشيتد برس»، ونقلته صحيفتا «غارديان» البريطانية و«هآرتس» الإسرائيلية.
تشير المستجدات إلى أن الحكومة الإسرائيلية بدأت باتخاذ خطوات تشريعية تهدف إلى إجبار مواقع التواصل على منع نشر أي محتوى ترى إسرائيل بأنه «محرّض». ويبدو أن إدارة «فايسبوك» خضعت لتلك التهديدات فشرعت على الفور بالتعاون مع الحكومة الإسرائيلية عبر سلسلة من الاجتماعات من أجل تحديد المضامين التي ينبغي مراقبتها. وفي اجتماعٍ مع إدارة «فايسبوك»، الإثنين الماضي، مثّل وزير الداخلية الإسرائيلية جلعاد اردان ووزيرة العدل الإسرائيلية إيليت شاكيد حكومة الاحتلال، وتعتبر شاكيد من أكثر وجوه الحكومة الإسرائيلية تطرفاً، وهي التي وصفت الأطفال الفلسطينيين قبل تقلّدها منصبها الحالي بـ«الثعالب الصغيرة» داعية إلى «إبادة الشعب الفلسطيني».
تدّعي حكومة الاحتلال بأن الكثير من موجات العنف التي أشعلها فلسطينيون في الأشهر الماضية أذكيت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. ولذلك فهي «تعتب» على «فايسبوك» وإدارته التي من المفترض أن تكون أكثر حذراً في فرض «رقابة على الإرهاب». ويبدو أن جهود اسرائيل قد أثمرت، فتشكّل فريق عمل مشترك يعمل على وضع استراتيجية تهدف إلى رصد وإزالة المضامين المرفوضة. يسعى الفريق لإيجاد آلية تحذف المواد الفلسطينية المعنية بصورة مباشرة تشابه تلك المعتمدة لحذف الفيديوهات الصادرة عن «داعش»، من دون الحاجة لانتظار وصول تبليغات أو طلبات من الحكومة الإسرائيلية.
في بيانٍ صادر عن إدارة «فايسبوك» تقول الشركة إنه «لا يمكن التصدي للمتطرفين على شبكات الإنترنت من دون تعاونٍ بين صنّاع السياسات والمجتمع المدني والمنظمات الأكاديمية والشركات، وهذا الأمر ينطبق على إسرائيل وما تبقّى من العالم»، مضيفةً أن لا مكان للإرهاب ودعمه على صفحات «فايسبوك». لكن هل ترضخ إدارة الموقع الأزرق لحكومات أخرى وتحترم مفاهيمها حول الإرهاب وداعميه، بحيث نشهد مثلاً اليوم الذي تُحظر فيه صور جون ماكين أو نتنياهو؟ بالطبع لا.
لا تخفي الحكومة الإسرائيلية زهوها بالسطوة التي تمتلكها على «فايسبوك»، فتقول الوزيرة إيليت شاكيد إن اسرائيل قدمت لإدارة الموقع خلال الأشهر الأربعة الأخيرة ما يقارب «158 طلباً لحذف مضامين ذات طابع تحريضي، وأن إدارة الموقع استجابت بنسبة 95 في المئة». تندرج ضمن الطلبات المستجابة حملات حظر وإغلاق حسابات طالت مدراء صفحات إخبارية في غزة مثل «شبكة القدس الإخبارية» بعد إعلان هؤلاء تضامنهم مع الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية، الأمر ذاته حصل حينما تم إغلاق حسابات لناشطين، إثر اشتراكهم في حملة قاوم بصورة. كذلك أوقف الموقع حسابات المشرفين على صفحة «السفير» ومنع لنشر الأخبار بسبب نشر بعض المواد المرفقة بصور السيد حسن نصرالله (راجع «السفير» ٢٤/٢/٢٠١٦).
التعاون الجديد بين إسرائيل وإدارة «فايسبوك» يحفّز أسئلة حول طبيعة الهيمنة التي تتمتع بها الحكومة الإسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تبرر استخدام مصطلحات مثل «الإجبار» و«الرضوخ» في الوقت الذي يتم الترويج فيه لهذه المواقع باعتبارها آخر أدوات تكريس «الديموقراطية» و«حرية الرأي».
تُظهر الحادثة الجديدة استحالة الفصل بين التكنولوجيا كأداة، وبين الرسائل التي قد تحملها. لطالما تجاهل الكثيرون الإحصائيات التي تصف اسرائيل بـ «دولة تكنولوجيا»، تسعى لنيل مكانة متميزة في عالم الابتكار وصناعة المعلومات، وذلك من خلال جهود آلاف الشركات. لكن وبالرغم من أهمية الاعتراف بتقدّمها في ذاك المجال، لا بد من الانتباه لمحاولة تضخيم «انتصار» الكيان الصهيوني في التضييق على النشطاء الفلسطينيين عبر «فايسبوك» وغيره من مواقع التواصل، كما لو أن الحرب بين الطرفين افتراضية بالكامل ويمكن حسمها في الفضاء الافتراضي.
يسأل البعض عن الأسباب التي جعلت التعاون بين إسرائيل و «فايسبوك» يخرج إلى العلن اليوم بدلاً من أن يبقى طي الكتمان، فمن الواضح أن هناك مكاسب سياسية تحقّق من خلال علانية تلك العلاقة، أبسطها بالطبع تظهير الموقع بوصفه «باحة خلفية افتراضية لإسرائيل».
*نور أبو فرّاج (السفير)
التعليقات