$type=ticker$count=12$show=post$cols=3$cate=0

الصحافة والحياة الخاصة للأشخاص - علي انوزلا*

سقطت بعض وسائل الإعلام المغربية في المحظور، عند تناولها الحياة الخاصة للأشخاص، بدعوى أن الأمر يتعلق بشخصياتٍ عموميةٍ. وبالتالي، من حق ال...

سقطت بعض وسائل الإعلام المغربية في المحظور، عند تناولها الحياة الخاصة للأشخاص، بدعوى أن الأمر يتعلق بشخصياتٍ عموميةٍ. وبالتالي، من حق الصحافة أن تقتحم المجال الخاص لهؤلاء.
ما بين الصحافة والحياة الخاصة للأشخاص خط رفيع اسمه أخلاق المهنة، ومسؤولية الصحفي وواجبه، ويخل صحفيون كثيرون بأخلاق مهنتهم، ويستحضر قليل منهم مسؤوليتهم وواجبهم عندما يخوضون في الحياة الخاصة للآخرين.
موجب هذا الكلام، هو "النقاش" الذي يُثار في المغرب، بين الفينة والأخرى، كلما اقتحمت "صاحبة الجلالة" المملكة الخاصة بحياة الآخرين، وقد تكرّرت الحوادث، في الفترة الأخيرة، حتى أصبح لها من يدافعون عنها داخل مهنة المتاعب، بدعوى أن من حق الصحفي اقتحام المجال الخاص للأشخاص الذين يكتب عنهم، خصوصاً إذا تعلق الأمر بشخصياتٍ عمومية.
مع الأسف، يغلب على "النقاش" (أضع الكلمة بين قوسين لتحفظي على مستواه) المطروح اليوم في المغرب الطابع السياسي، ويبتعد عن قواعد المهنة، وما تفرضه أخلاقها وتقاليدها المتعارف عليها عالميا. ففي الفترة الأخيرة، انتشرت في الصحافة المغربية عدة "قصص"، موضوعها هو الحياة الخاصة لشخصياتٍ عمومية، سواء تعلق الأمر بمسؤولين أو بسياسيين، أو فقط بشخصياتٍ عمومية، يتم تعريض حياتهم الخاصة لـ "النهش" و"الهتك" و"التشويه" و"التشهير" و"القذف".. وبدلاً من أن تكون الصحافة "التقليدية"، وخصوصاً "المكتوبة" و"الرقمية"، مرجعيةً في الحرص على احترام أخلاق المهنة، فإن كثيراً منها، خصوصاَ المقربة من بعض دوائر السلطة في المغرب، أصبحت تُجاري رواد المواقع الاجتماعية في نشر "الإشاعات"، وتعتمد عليها كـ "مصادر" لقصصها التي تنتهك حرمة الحياة الخاصة للآخرين.
وعندما يُثار "النقاش" حول ضرورة احترام أخلاق المهنة، والالتزام بتقاليدها، نجد من يقف مدافعاً عن "حرية" هذا النوع من "الصحافة"، بدعوى أن الصحافة العالمية، وفي الدول الديمقراطية، تتناول "الحياة الخاصة" للآخرين، عندما يتعلق الأمر بشخصياتٍ عموميةٍ أو بالمال العام. وغالباً ما يتذرع أصحاب هذا الرأي بقضايا يعتبرونها مماثلةً لتبرير الخوض في أعراض الناس، وهم هنا مثل شاهد الزور، لأن لا علاقة لتلك القضايا بما راج عن مسؤولين وسياسيين وشخصياتٍ عمومية مغربية. 
"الحالة الوحيدة التي يمكن للصحافي أن يدافع فيها عن اقتحامه الحياة الخاصة لشخصيات عمومية هي عندما يكون هناك خرق للقانون. لكن، عليه أولاً أن يثبت وجود ذلك الخرق. وعليه ثانيا أن يحترم قرينة البراءة"
أول قضية يتذّرع بها هؤلاء هي قضية المدير السابق لصندوق النقد الدولي، ستراوس كان، والحالة هنا أنها تتعلق بجريمة اغتصابٍ، يعاقب عليها القانون، والضحية هي من اشتكت الجاني للشرطة. ويورد المدافعون عن خرق "الحياة الخاصة" للشخصيات العمومية قضية الرئيس الأميركي السابق، بيل كلينتون، والمتدربة في البيت الأبيض، مونيكا لوينسكي، والتي كشفتها صديقة الأخيرة عندما سربت للصحافة تسجيلات المكالمات التي كانت تجري بينها وبين مونيكا التي كانت تثق فيها، وحكت لها كل شيء عن علاقتها برئيسها. وعندما تناولت الصحافة الأميركية تلك القضية، بعد أن تأكّدت من صحة التسجيلات، فعلت ذلك انطلاقا مما تمليه عليها مدوّنة آداب المهنة التي يخضع لها الصحافيون الأميركيون، والتي تقول: "لا يمكن المسّ بالحياة الخاصة لأي كان، إلا في حال تبريره بمصلحة عامة طاغية". وفي هذه القضية، وقفت الصحافة الأميركية في صف الدفاع عن المصلحة العامة، وأجبرت الرئيس على الاعتراف بالخطأ، والاعتذار أمام الشعب عن خطئه.
قضية أخرى يبرّر بها هؤلاء "الصحافيون" حريتهم في التطاول على الحياة الخاصة للآخرين، هي قضية الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وصديقته المفترضة. وكانت مجرّد تسريب تناولته بعض صحف الفضائح وصحافة "الباباراتزي" التي استرقت صورة الرئيس، وهو في طريقه إلى ما يُفترض أنه بيت عشيقته، لكن الصحافة الفرنسية الجادّة لم تلتفت إلى هذه القضية، لأنه ليس من عرف الصحافة الفرنسية وتقاليدها الخوض في الحياة الخاصة للناس، حتى لو كانوا شخصيات عمومية.. بل هناك من الصحافيين الفرنسيين من كتب يدين الممارسات غير المهنية وغير الأخلاقية للصحافيين ووسائل الإعلام التي تناولت القضية.
أما الدفع بأن الأمر يتعلق بالمال العام، وبالتالي من واجب الصحافة أن تحرص على كيفية صرفه، فهذا تبريرٌ آخر غير مقنع، ليس فقط لأنه لا تهمة من دون دليل، والواقع أن ما نشرته الصحافة المغربية بخصوص القضايا التي تطاولت فيها على الحياة الخاصة لشخصيات عموميةٍ، واتهمتها بتبذير المال العام، لم تستند فيه إلى دليل مادي واحد، يزكّي اتهاماتها، وإنما أيضاً لأنه لا يمكن أن تتدخل الصحافة في حرية صرف الأشخاص أموالهم، بدعوى أنهم شخصيات عمومية! فكل موظفي الدولة يتلقون رواتبهم من المال العام، فهل يجب أن نحاسب كل موظفٍ على كيفية صرفه راتبه، لأن مصدره من المال العام؟
بقي شيء مهم وأساسي، هو أننا، في أغلب القصص التي راجت أخيراً، عن الحياة الخاصة لشخصياتٍ عمومية مغربية، نحن أمام إشاعات و"فذلكة" بنيت على "وشاياتٍ" و"تسريباتٍ"، لا أحد يعرف مصادرها سوى أصحابها. وفي أحسن الحالات، أمام "محاضر شرطة" يصعب تصديق رواياتها.. وهنا، تكمن خطورة هذه "الصحافة" التي تنتهك أعراض الناس في خرق واضح وبَيِّنٍ لأخلاق المهنة وأعرافها وتقاليدها، ولا يمكن أن تصنّف مثل هذه الكتابات إلا تحت عنواني القذف والتشهير، وهما من جرائم يعاقب عليها القانون.
أما من يدّعون أن من واجب الصحافة أن تحترم الشفافية، فهذا حقٌّ يراد به باطل، لأنه لا يمكن أن تتحوّل الشفافية الكاملة إلى نوع من "الاستبداد" الذي يعطي للصحفي الحق للدسّ بأنفه في حياة الناس الخاصة. على الصحافيين أن يعرفوا كيف يحموا مهنتهم باحترام أخلاقها، فليس كل صورة أو فيديو أو تسريب صالحا للنشر بدعوى ممارسة الشفافية وحرية النشر، والصحافيون الذين يدافعون عن حريتهم في اقتحام الحياة الخاصة للآخرين باسم الحرية هم أول من يضع هذه الحرية في خطر.
الحالة الوحيدة التي يمكن للصحافي أن يدافع فيها عن اقتحامه الحياة الخاصة لشخصيات عمومية هي عندما يكون هناك خرق للقانون. لكن، عليه أولاً أن يثبت وجود ذلك الخرق. وعليه ثانيا أن يحترم قرينة البراءة، لأن الصحافي ليس مدّعياً عاماً، وليس قاضيا.
عندما نسمح، نحن الصحافيين، بخرق قواعد مهنتنا، والدوس على أخلاقها، نتحول إلى مجرد موظفين في حملة علاقات عامة، وهذه من أسوأ أنواع الصحافة التي تنتشر اليوم في العالم، إنها "صحافة العلاقات العامة".

التعليقات

الاسم

اخبار العالم,2030,اخبار العرب,1751,اخبار المغرب,6524,أرشيف,10,أسبانيا,4,اسبانيا,170,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,5,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,308,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,59,اقتصاد,987,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الأردن,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,19,البرازيل,11,الجزائر,299,السعودية,15,الصحة,118,الصين,25,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,23,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,74,اليمن,23,إيران,47,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,13,تاريخ,5,تحقيق,1,تحليل,2,تدوين,759,ترجمة,1,تركيا,19,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1305,تقرير صحفي,75,تونس,90,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,388,حزب الله,9,حماس,1,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,76,رياضة,374,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,14,سوسيال ميديا,15,سوشال ميديا,15,سياحة,1,سينما,29,شؤون ثقافية,446,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,910,طاقة,25,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,1,علوم و تكنولوجيا,314,عناوين الصحف,322,غزة,81,فرنسا,180,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,604,فنون,243,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1929,كولومبيا,1,لبنان,21,ليبيا,34,مجتمع,1253,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,7,مغاربي,1045,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: الصحافة والحياة الخاصة للأشخاص - علي انوزلا*
الصحافة والحياة الخاصة للأشخاص - علي انوزلا*
https://4.bp.blogspot.com/-ciQPSBN111w/V-vJI7rZSPI/AAAAAAAAhPI/o1Y3mb4XC3IZtLRvzQf07b5TldS2KyYHwCLcB/s640/Ali-Anouzla-800x478.jpg
https://4.bp.blogspot.com/-ciQPSBN111w/V-vJI7rZSPI/AAAAAAAAhPI/o1Y3mb4XC3IZtLRvzQf07b5TldS2KyYHwCLcB/s72-c/Ali-Anouzla-800x478.jpg
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2016/09/blog-post_261.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2016/09/blog-post_261.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy عناوين رئيسية