ما بين خطاب العرش الأخير وما تلاه من بلاغ للديوان الملكي بخصوص تصريحات الأمين العام لحزب التقدم و الاشتراكية نبيل بن عبد الله يحاول ال...
ما بين خطاب العرش الأخير وما تلاه من بلاغ للديوان الملكي بخصوص تصريحات الأمين العام لحزب التقدم و الاشتراكية نبيل بن عبد الله يحاول القصر جاهدا النأي بنفسه عن صراع سياسي يمسك كليا بجميع تفاصيله والظهور بمظهر الحكم المتسامي فوق المؤسسات والأحزاب.
جاءت هذه المحاولة بعد أن تمكنت الدولة عمليا في تكرار لتجارب سياسية قديمة عرفها المغرب غداة الاستقلال في خضم صراع القصر مع الحركة الوطنية من التمكين لحزبها السياسي الهجين وأيضا في إطار سعيها لشرعنة تواجده في سياق الترتيبات لما بعد الاستحقاق الانتخابي القادم كي يتم قبوله، رغم الشبهة التي طالت نشأته، كزعيم أو مشارك في أي ائتلاف حكومي قادم
ما الذي جعل القصر في ظرف زمني قصير يؤكد مرتين نأيه عن الصراع الحزبي ويحاول أخذ مسافة من الحزب المعلوم رغم حيثيات ميلاده المعروفة؟ هل يكفي بلاغ الديوان الملكي لإضفاء الشرعية على مخلوق هجين ترعرع في دواليب السلطة؟
يبدو ظاهريا على الاقل أن هناك جبهة للرفض تشكلت من أحزاب العدالة والتنمية وحليفها التقدم والاشتراكية ومعهما حزب الاستقلال يقوم خطابها السياسي على مفهوم وحيد في صراعها الانتخابي والسياسي هو مفهوم التحكم في الحقل السياسي بما يعنيه عمليا من فرض إرادة السلطة وصناعة خرائط سياسية على مقاس الدولة العميقة. واذا كان المفهوم يتسم بالوضوح على مستوى التأويل السياسي فإن الحديث عن التحكم لا يستقيم دون الحديث عن المتحكم في الحقل السياسي والإشارة إليه.
لا تمتلك النخب الحزبية الجرأة الكافية للحديث عن مصدر التحكم الحقيقي لذلك تلجأ للإشارة لفعل التحكم دون الحديث عن مصدره. ففي حين يتحدث بنكيران عن الدولة الثانية مما عرضه لانتقاد ضمني في خطاب العرش الأخير يتجرأ الأمين العام للتقدم والاشتراكية أكثر فيشير بالنيابة عن بنكيران الذي التزم الصمت إلى مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة مستشار الملك فؤاد عالي الهمة باعتباره المهندس الفعلي لفعل التحكم مما استدعى خروج الديوان الملكي ببلاغ متكامل للرد على نبيل بن عبد الله في خطوة تهدف في ظاهرها إلى النأي بالقصر عن الصراع السياسي الحزبي وفي عمقها تحاول أن تنتزع بالقوة اعترافا مستقبليا بأحقية حزب الدولة لقيادة أي حكومة مقبلة.
يأتي بلاغ الديوان الملكي ليكشف الستار أولا عن أزمة صامتة سببها سعي الدولة لفرض شرعية حزبها وقبوله من طرف غيره من الفرقاء الحزبيين أولا ثم التمكين له بعد ذلك في أي ائتلاف حكومي مقبل ليتسنى لها الانفصال عنه جزئيا فيما بعد.
غير أن البلاغ ورغم تأكيده على ما كان قد ذهب إليه خطاب العرش من سمو المؤسسة الملكية فوق المؤسسات والأحزاب إلا أنه يعيد تأكيد واقع التحكم في الحياة السياسية المغربية حين يفصل زعيم حزب سياسي عن هيئته فينتقد الأمين العام كشخص فاقد للاهلية السياسية لقيادة حزبه ويزكي المؤسسة الحزبية كمؤسسة عريقة في رد واضح على نبيل بن عبد الله حينما جعل التحكم مقتصرا على مستشار الملك دون حزب الأصالة والمعاصرة.
لا يتعلق الأمر بمجرد رد فعل على تصريح صحفي للامين العام لحزب التقدم والاشتراكية عبر عنه الديوان الملكي فقد سبقته تصريحات لقياديين من داخل حزب الأصالة والمعاصرة ترى أن بنكيران صوت نشاز داخل حزبه يحاول أن يفرض تصوره على إخوانه في العدالة والتنمية مما يعد في العمق استمرارا عمليا لمحاولة التحكم في الحياة الحزبية عن طريق توجيه القرار الحزبي وضرب استقلاليته فهل سينجح بلاغ الديوان الملكي في إظهار وجوه جديدة تقلب الطاولة على بنكيران وحليفه؟
يبدو أن الدولة العميقة تصر على فرض حزبها في أي ائتلاف حكومي مقبل وتكسير جبهة رفض ما يسمى بالتحكم حتى ولو تطلب الأمر الاستعانة بوجوه حزبية جديدة على استعداد أكبر لقبول هيمنة مولودها الهجين.
التعليقات