$type=ticker$count=12$show=post$cols=3$cate=0

COP 21 : بين الانحباس الحراري والانحباس الجيوسياسى

بقلم : محجوب لطفي بلهادى* بتبادل القبلات والعناق على الطريقة الباريسية الحميمية أٌسدل الستار منذ عدة اشهر عن حلقة أخرى من المسلسل ال...


بقلم : محجوب لطفي بلهادى*
بتبادل القبلات والعناق على الطريقة الباريسية الحميمية أٌسدل الستار منذ عدة اشهر عن حلقة أخرى من المسلسل الأشد دراماتيكية في تاريخ الدبلوماسية البيئية في العالم  (أو ما اصطلح على تسميتهCOP 21 ) ، إثرها مباشرة انطفأت الأنوار وانخفض منسوب الانتشاء ليعود الجميع إلى رشدهم للتوقف عن ما "حققته"  هذه "القمّة المناخية التاريخية" ...
بعد قرع المطرقة الخضراء إيذانا بافتتاح فعاليات الندوة، انطلقت مداخلات رؤساء وفود الدول الأكثر تلويثا لكوكبنا لتٌفصح عن رمادية وقتامة المستقبل البيئي الذي بانتظارنا… 
منذ الوهلة الأولى حذر رئيس الوزراء الهندي الجميع بقوله " بانّ الهند غير مستعدّة للتضحية بالمصادر التقليدية للطاقة (الفحم على وجه الخصوص)...".. رئيس الدبلوماسية الأمريكية فقد أعلنها صراحة بأنّ أيّ اتفاق ملزما حول المناخ سوف لن يٌقبل من مجلس الشيوخ.. الرّوس بدورهم أبدوا عدم اكتراث بما يحدث في باريس، فالظفر بمكان بالمياه الدافئة "بالمتوسط" أفضل بكثير من المشاركة في حلّ معادلة بيئية مستعصية : انحباس حراري مقابل انحباس جيوسياسى. 
بنفس درجة "التفاعل البيئى" حافظ التنين الصيني ( بطل موسوعة غينيس بدون منازع في نسختها البيئية ، بما يبعثه من أكسيد الكربون الذي يٌمثل رٌبع مجموع "غازات الدفيئة" في العالم، وما تقذفه مصانعه في ثلاث أسابيع يعادل كمية الغازات المنبعثة من دول "الاتحاد الأوروبي" مجتمعة مدة سنة كاملة ) كالمعتاد على هدوءه الدبلوماسي وفق طقوس "كنفوشيوس" الصارمة والحكيمة، أما المنظمات الغير حكومية ONG فان قسما منها هلّل وصفّق بدوره "بالانجاز التاريخي" ترضية للجهات المموّلة... باختصار شديد، الجميع تقريبا كان يلهث طيلة فعاليات الندوة للظفر برقم حساب بيئي في بورصة خالية من كل رصيد وأسهم حقيقية...
لمن قد لا يعلم ، ف COP 21 - التي تصرّ الميديا ومن خلفها عدد من مراكز الضغط السياسية والمالية على وجه الخصوص إصرارا على توصيفها "بقمّة باريس للمناخ"، ما هي في حقيقة الأمر إلاّ "ندوة للأطراف" (Conférence des Parties - COP) للدول الموقّعة على "الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول المتغيرات المناخية" لسنة 1992 المنعقدة على هامش "قمّة الأرض" "بريو جانيرو" بالبرازيل بنفس السنة، مهمتها تتمثل بالأساس في :
- تفعيل الفصل الثاني من نفس الاتفاقية التي تنصّ " على ضرورة العمل على الحدّ من الغازات الدفيئة بشكل يحقق قدرا كافيا من التوازنات البيئة..."، 
- والعمل على تحيين "الساعة المناخية" من خلال اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة على ضوء ما تتضمنه "تقارير المخاطر المناخية" الصادرة عن "مجموعة الخبراء الدوليين حول المناخ" GIEC التي تضم أكثر من 2000 خبير متخصص في المناخ والبيئة الخ.


فالندوة الأولى للأطراف كانت قد انعقدت ببرلين سنة 1995 ومعها ازدادت وتيرة الانحباس الحراري بمعدّلات مخيفة ..فمسلسل/ COP شارف على 21 سنة من الاحتفال باللاّحدثLe non événement  ومٌرشّح لأن يتواصل لعقود أخرى من الزمن ...
فقراءة لمخرجات "ندوة باريس" تفضي إلى التعاطي معها ضرورة من زاويتين مختلفتين، من أمام وخلف عدسة الكاميرا.
1- أمام عدسة الكاميرا  
يتمّ التسويق بان "اتفاق باريس": كوني، طموح، تاريخي، وملزم وفق عبارات الرئيس الفرنسي وانه نجح في وضع التنمية المستدامة في صلب انشغالات المجتمع الدولي ..في حين أن حيثيات الاتفاق تكشف بانه إعادة إنتاج لمخرجات "كوبنهاغن" 2009 (COP 15) الفاشلة لكن هذه المرة بإخراج جديد أكثر حبكة لا غير.. فعدم تجاوز عتبة الدرجتين إلى موفى سنة 2100، والوعد بتمويل اقتصاديات الجنوب بما قدره 100 مليار من الدولارات لمساعدتها على التكيّف والانتقال إلى اقتصاديات صديقة للبيئة كانت جميعها مدرجة في بيان ندوة الأطراف "بكوبنهاجن" لسنة 2009 ، الفرق الوحيد أنه بالأمس القريب امتنعت عددا من الدول عن التوقيع أما اليوم فالكلّ مكبّل بالعديد من الضغوط والاكراهات الداخلية والخارجية تجعله غير قادر على تحمّل تبعات فشل الندوة بمفرده ودخول قفص الاتهام البيئي ...
من حيث الشكل لم يرقى "اتفاق باريس" إلى مستوى "المعاهدة" أو "البروتوكول" وبالتالي لن يحظى بالإلزامية من منظور القانون الدولي..كما يفتقر نص الاتفاق إلى صياغة قانونية قوية وفق تعبيرSandrine DUBOIS الباحثة /المديرة ب CNRS حيث تم استخدام متكرر ومتعمد للفظ " يجب" عوضا عن لفظ "تلتزم" الأكثر حزما وإلزامية عند تحرير الاتفاقات الدولية المتعددة الأطراف...  
في مستوى المضامين، نلحظ عدم التنصيص عن آلية زجرية محددة واضحة المعالم لوضع "اتفاق باريس" موضع التنفيذ الفعلي حتى نتمكن من الخروج من دائرة النوايا المفرغة، ولا جبرا للضرر للدول التي تضررت من التقلبات المناخية دون أن تكون لها دورا في ذلك، ولا إشارة ولو خفية عن وضع حزمة من الإجراءات الرقابية الفاعلة لتحويل الوعود بخفض غازات الدفيئة Gaz à Effet de Serre التي تقدمت بها العديد من الدول المشاركة إلى واقع مٌجسّم وملموس، ولا اصداعا بالحقيقة المؤلمة بأن المستوى الحالي لغازات الدفيئة (أكثر من ppm 560) بما فيها التعهّدات التي قدّمتها عدد من الدول يجعلنا على مسافة خطوة واحدة من خطّ "اللاّرجعة المناخي" le seuil d’irréversibilité climatique الكارثي وفق تقارير علمية مؤكّدة - راجع في هذا الصدد التقرير الخامس "لمجموعة الخبراء الدوليين لمراقبة المناخ" لسنة 2014 -...


2- خلف عدسة الكاميرا 
حيث تتكشّف بوضوح تداعيات الانحدار البيئي الذي نعيشه اليوم.. جزر وأرخبيلات بالجملة في عرض المحيط الهادي مهددة بالانغمار في القريب العاجل .. دول ساحلية ستعرف مناطقها المتاخمة للشريط الساحلي وخلجانها نفس المصير في المنظور المتوسط إن لم يتم اتخاذ التدابير الايكولوجية اللازمة بشكل جماعي فعال وسريع..مزيدا من التصحّر وتقدّم للصحراء.. هجرة ايكولوجية قسرية جماعية بدأت تتضح معالمها في العديد من بقاع العالم خاصة المدارية منها لتبلغ أقصاها مع حلول منتصف القرن الحالي في حدود 200 مليون مهاجر ايكولوجي.. اختفاء متوقع لعدد من الكائنات النباتية والحيوانية بنسبة 30 بالمائة...
فالمعادلة البيئية الدولية الراهنة تنطوي على مجموعة من العناصر يتداخل فيها البيئى بالجيوسياسى بشكل يصعب الفصل بينهما منها :
- اعتماد كلى لاقتصاديات الكثير من الدول - خاصة تلك المتضررة من الانحباس الحراري - على العائدات المتأتية من استخراج وإنتاج وتطوير حقول الوقود الأحفورى (النفط-الفحم-الغاز...) 
- "مجموعة الملوثين الكبار" تعانى ذاتها من التداعيات المدمرة للمتغيرات المناخية، فالهند ثاني دولة منتجة للفحم في العالم تعرف العديد من الأعاصير والفيضانات، الصين ذاتها أعلنت في سابقة تاريخية  قبل أيام من انعقاد ندوة باريس على فرض "حظرا للتجول البيئى" لسكان عاصمتها "بيكين" من خلال دعوتهم بالتزام بعدم الخروج من بيوتهم بعد أن سقطت المدينة في قبضة "الإرهاب الايكولوجي" ..
- حقيقة أن الصناعات العملاقة المتسببة في الدفيئة تغذى عالم المال والميديا وتتحكم بأنماط حياتنا اليومية...
اليوم وبعد اشهر من انقضاء "التخميرة" التي رافقت أجواء اختتام فعاليات "ندوة الأطراف" بباريس والاستعداد "لندوة مراكش" أو "كوب 22 " لسنة 2016 ، أصبح من المؤكد ، على الأقل لدى العديد من خبراء المناخ والقانون الدولي للبيئة، بأنّ مخرجات "اتفاق باريس" تشير بوضوح بأنّ مرحلة الانتقال البيئي من "اقتصاد أحفورى" إلى "اقتصاد أخضر" ستظل تترنح بين مطرقة الاحتباس الحراري وسندان الاحتباس الجيوسياسى...
بالنهاية، يبدو أن الساعة قد حانت لتطوير آلية "ندوة الأطراف" والعمل على النأي بها عن الحسابات المصلحية الضيقة والمغلوطة لعدد من الدول والتكتلات الإقليمية... 
في انتظار تحقيق ذلك، لازال ساسة العالم الكبار مصممين على الاحتفال سنويا ببطولات  COP الوهمية في حين أن سقف بيتنا "الأرض" مهددا في أية لحظة بالسقوط على رؤوسنا جميعا...

*جامعي متخصص في القانون الدولي والتفكير الاستراتيجي 


التعليقات

الاسم

اخبار العالم,2031,اخبار العرب,1751,اخبار المغرب,6529,أرشيف,10,أسبانيا,4,اسبانيا,172,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,7,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,308,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,59,اقتصاد,992,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الأردن,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,19,البرازيل,11,الجزائر,300,السعودية,15,الصحة,118,الصين,26,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,23,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,74,اليمن,23,إيران,47,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,15,تاريخ,5,تحقيق,1,تحليل,2,تدوين,762,ترجمة,1,تركيا,19,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1307,تقرير صحفي,75,تونس,91,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,389,حزب الله,11,حماس,3,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,76,رياضة,376,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,14,سوسيال ميديا,18,سوشال ميديا,15,سياحة,2,سينما,29,شؤون ثقافية,448,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,912,طاقة,25,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,2,علوم و تكنولوجيا,315,عناوين الصحف,322,غزة,87,فرنسا,180,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,614,فنون,243,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1932,كولومبيا,1,لبنان,21,ليبيا,34,مجتمع,1254,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,8,مغاربي,1047,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: COP 21 : بين الانحباس الحراري والانحباس الجيوسياسى
COP 21 : بين الانحباس الحراري والانحباس الجيوسياسى
https://4.bp.blogspot.com/-V1M2g66KzYY/V6H_Eoq9lkI/AAAAAAAAgQE/fwP9sfJCRRM6K3_n-AR7q3MB7sOfI4ewQCLcB/s640/Capture.PNG
https://4.bp.blogspot.com/-V1M2g66KzYY/V6H_Eoq9lkI/AAAAAAAAgQE/fwP9sfJCRRM6K3_n-AR7q3MB7sOfI4ewQCLcB/s72-c/Capture.PNG
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2016/08/cop-21.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2016/08/cop-21.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy عناوين رئيسية