حاولت أن أتحاشى الخوض في موضوع توزيع المساعدات على الصحفيين، لأنني أعرف خروب بلادي وأعي أن كثيرا من الصحفيين أو من المحسوبين على مهنة ا...
حاولت أن أتحاشى الخوض في موضوع توزيع المساعدات على الصحفيين، لأنني أعرف خروب بلادي وأعي أن كثيرا من الصحفيين أو من المحسوبين على مهنة الصحافة يعانون من ممارسات حاطة بالكرامة الإنسانية ولايوجد لها مثيل حتى في المعامل السرية، بينما يستغل المهنة أشخاص يغتنون بالرشوة، بما فيها رشوة أجهزة الدولة والبام والعدالة والتنمية وهلم جرا، ويرتقون في السلاليم كلها دون أن يمتلكوا كفاءات حقيقية غير كفاءة "التخلويض" ومؤهلات المخبرين و"السخارة".
لكنني وجدت نفسي مضطرا للإدلاء برأي في الموضوع.
توزيع "الصدقات" على الصحفيين المساكين ينطوي على احتقار لمهنة ولممارسيها من طرف وزير دخل إلى المهنة من الباب الخلفي، إذ كانت بدايته في نشرة أصدرها الرئيس الأسبق للجماعة الحضرية للدار البيضاء وصهر إدريس البصري قبل اعتقاله بتهم ثقيلة، ولم يستطع أن يفرض فيها حضورا مميزا، رغم استغلاله للجهل داخل الزاوية التي ينتمي إليها وتسلقه السريع لسلم المسؤولية ذاخلها، إذ لم يكتب طيلة سنوات سوى قطع إنشاء ولم يستطع أن يضمن لجريدة "التجديد" التي تولى إدارتها مقروئية متوسطة، إذ كان أعلى رقم مبيعات بلغته في عهده هو 945 نسخة حسب مصدر جدير بالثقة (عليه الرحمة)، ومن المحتمل أن الزاوية والحزب التابع لها قد اشتريا جزءا كبيرا من العدد الذي سجل هذا الرقم القياسي.
المساعدات النقدية للصحفيين تندرج في إطار مسعى لترسيخ صورة صحفي يتسول كما يتسول الأعمى تحت سقيفة أبي العباس السبتي بمراكش وتتفيه شخصيته وإبقائه في وضع لايسمح له بتكوين شخصية مستقلة ماديا ومعنويا وغير قادر غلى الارتقاء بمهنته كي تشكل فعليا سلطة رابعة وينفتح على الممارسات الصحفية التي "تبرزط".
وإإذا كان الناطق باسم بنكيران منسجما مع منطق أصحابه الذين كانوا ينوون تحويل المغاربة إلى متسولين على أبواب الحكومة باستعمال "مخدوم" لما يسمى ب"التحويلات النقدية المباشرة"، التي أوصى بها صندوق النقد الدولي كآلية للقضاء على دعم أسعار المواد الاستهلاكية مند أواسط تسغينات القرن الماضي (بداية بالمكسيك بعد أزمة "تيكيلا")، وعيوننهم مركزة على الانتخابات و"التمكين" وليس على مصالح الفقراء الذين عذبوهم بغلاء شامل وسياسات مدمرة للخدمات الأساسية، فإن مباركة النقابة الوطنية للصحافة المغربية لهذه الخطوة يؤكد استمرارية تعامل هذه النقابة مع الصحفيين بنفس المنطق الذي عاملت به القيادات السياسية المغربية الصحفيين على مدى عقود من الزمن، حيث كان الصحفي مجرد "كتاتبي" عند السياسي الذي يفرض عليه وضعا ماديا لايسمح له ب"رفع الرأس"، وغالبا مايكون هذا الصحفي محدود الاختيارات نظرا لأسباب متعددة، ويجعله تابعا مستسلما لاينبش ببنت شفة، بحيث تتحمل القيادات السياسية للأحزاب مسؤولية تردي الأخلاق المهنية وانتشار الرشوة في قطاع الصحافة المكتوبة مثلما تتحمل الدولة مسؤولية الفساد الشامل الذي جعل وسائل الإعلام السمعية البصرية "شوهة عالمية" مهنبا وأخلاقيا.
ذلك أن النقابة ساندت منطق الحكومة في هذا الوقت الذي يبحث فيه الجميع عن شراء الزبناء. وأخرجت جمعية الأعمال الاجتماعية من دائرة العمل الاجتماعي كما هو متعارف عليه. لاأتصور أن صحفيا استفاد، ولوتحت ضغط الضرورة وقلة ذات اليد (الله يكون فالعوان)، سيكون له صوت ورأي مستقلين أأمام من منحه المساعدة ومن لعب دور وسيط لتوزيعها، لأنه لو فعل سيتهم ب"قليل الخير". وسنرى كيف سيتباهى الإخوان بكونهم وزعوا الصدقات على الأرامل والمطلقات والصحافيين (بحال بحال)، رغم أنهم وزعوا مالا عموميا ولم يعطوا شيئا من جيوبهم.
كان حريا بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي ناضلنا من أجل تحويلها إلى نقابة للصحقيين قبل التحاق مسؤوليها الحاليين بالمهنة، أن تجنب الصحافيين هذه الإهانة، وكان حريا بوزارة الاتصال أن تخصص جزء من الدعم لعمل اجتماعي حقيقي لفائدة الصحفيين وأسرهم بالطرق المتعارف عليها في جمغيات الأعمال الاجتماعية المسيرة بشكل سليم وما أقلها في بلاد المخزن والتخونيج، وتخصص جزء آخر لدعم المقاولات الصحفية المنظمة التي تواجه مشاكل مالية على أساس اشتراط وضع اتفاقيات جماعية تحفظ للصحفي حقوقه وكرامته وعدم لهف المساعدات من طرف أصحاب المقاولات أو مدرائها وتحسين أوضاعهم بدلا من تحسين أوضاع الصحفيين. وكم صاحب مقاولة صحفية ومدير ينشر الكلام الغليظ ويدافع عن الديمقراطية ويتصرف كالاقطاعي في رؤوس الصحفيين. لاديمقراطية بدون احترام الصحافة وحريتها وبدون صحافي يشعر أنه قادر على ممارسة مهنته بحرية ودون خوف من أن يجد نفسه بين عشية وضحاها مشردا كما حصل لزملاء كثيرين. أو يجد نفسه في خريف العمر بلا تقاعد وبلا تغطية صحية ويرى في المقابل من عرفوا من أين تؤكل كتف الزعماء أو الأجهزة البوليسية أو حتى جهات أجنبية وقد اغتنوا بسرعة خيالية.
إن المقاولات الصحفية هي الباب الحقيقي لتحسين وضعية الصحفيين بشكل مستديم وليس الصدقات العابرة، التي استفاذ منها موزعوها أيضا حسب مابلغني، حتى لايجد الصحفي نفسه بلا حقوق أولية. فقد وجدت أن "العلم" التي اشتغلت فيها لسنوات، وكانت إدارتها تقتطع لي الضريبة والضمان الاجتماعي والتقاعد التكميلي لسنوات لم تصرح بي يوما، وحالتي شبيهة بحالات زملاء اشتغلوا في صحف أخرى. وأعرف أن شكاية لإدارة الجريدة أو لزعيم الحزب الذي تنطق باسمة الجريدة أو لرئيس النقابة ستأكلها الفيران، لذلك لم أشتك، فالسياسيون منشغلون ب"الديمقراطية" وليس بشكايات المواطنين أوبحقوقهم، فهي ليست ديمقراطية. لن نتقدم. بلد سار ويسير في الطريق الخطأ ونخب مريضة ومرضها عضال. كيبقاو فيا الشباب بصدق.
*محمد نجيب كومينة:www.facebook.com/mohamednajib.koumina
التعليقات