محمد اليوسفي تبهرك مدينة طنجة إن زرتها اليوم بعد طول غياب، بين محطة القطار التي يتم تغيير معالمها كليا لتتناسب مع المعايير الدولية ...
محمد اليوسفي |
تبهرك مدينة طنجة إن زرتها اليوم بعد طول غياب، بين محطة القطار التي يتم تغيير معالمها كليا لتتناسب مع المعايير الدولية لتشغيل القطارات فائقة السرعة وفندق هيلتون حديث البناء وما يحاذيه من بنايات زجاجية شاهقة بمكاتب فارغة وصولا إلى وسط المدينة ينبهر الزائر بحجم هذا التحول الهائل لمدينة كانت منذ بداية القرن الماضي منطقة دولية خارج سيطرة المخزن العتيق..
اليوم يتم إعداد البنيات التحتية والعمرانية لتصير المدينة ومعها الجهة قطبا صناعيا وماليا شبيها بهونغ كونغ ومكسيكو ودبي..
خلف كل هذا التحول الظاهر وبالغوص قليلا في أعماق المدينة، هوامش متسعة من فقر ونسيان وتهميش لا تنتهي.. الآلاف من المغاربة من أبناء المدينة القدامى ومن الدخلاء "العروبية" أهل الداخل كما يتم نعتهم احتقارا، أناس غير معنيين تماما بهذا التحول.. أحزمة للفقر والتهميش الاجتماعي تحيط بطنجة من كل الأطراف..
الهامش الطنجوي ينتمي لمغرب آخر لم تشمله عناية العهد القديم وغير آبهة به خطط وتحولات العهد الجديد..
يبدي أهل الهامش الطنجويون تذمرا من توافد مغاربة الداخل على مدينتهم, يعبرون عن ذلك صراحة وبلا تحفظ.. شباب طنجة غارقون في الجهل والعنف والمخدرات بشتى صنوفها، مستواهم التعليمي رديئ جدا لا يؤهلهم للاستفادة مما يمكن أن يوفره أي استثمار مباشر من فرص للعمل والتشغيل.. يشكلون في واقع الأمر قنابل لأي انفجار اجتماعي محتمل و مشاتل للتطرف والفكر الديني المتزمت..
في كواليس القصر يتم الدفع منذ سنوات قليلة برجل من أصول ريفية ليس له ماض سياسي معروف كي يصبح رجل الدولة المستقبلي.. هو نفسه الذي يترأس الآن جهة طنجة تطوان.. فصل كل شيئ ليصير على مقاسه.. إنه رجل المرحلة في الشمال وربما في المغرب كله مستقبلا.. يغتني الرجل اليوم بشكل غير مسبوق، ويتم التمكين له في كل شيء لحدود انه يحتل أحيانا مقدمة البروتوكول مباشرة بعد الملك.
رغم ذلك يحاول القصر أن يبدي حياده تجاه لعبة يمسك كليا بجميع تفاصيلها.. بالأمس تحدث الملك في خطاب العرش السنوي عن موقعه فوق المؤسسات والأحزاب.. لم يعد هذا الكلام يقنع الكثيرين، فقد أصبح الآن للدولة حزبها.. لم تكتفي الدولة بتدجين الأحزاب الوطنية واحتوائها، اليوم تريد القضاء عليها نهائيا وليس فقط إضعافها .
لا يبدو أن القصر يدرك خطورة فقدان عجلة احتياط جديدة يمكنه استعمالها كما حصل في الأزمات السابقة.. لا ديموقراطية ولا استقرار في أي بلد بدون معارضة قوية وذات مصداقية..
إنه مغرب جديد يتم إعداده بتهور ودون حساب دقيق.. مغرب المافيا والفساد والسفر نحو المجهول..
التعليقات