الصورة المركبة لبديعة الراضي ومحمد بولامي عاد بعض اليساريين المغاربة مجددا إلى النبش علنا في تاريخهم النضالي القديم لإضفاء المشروعي...
الصورة المركبة لبديعة الراضي ومحمد بولامي
هكذا وجهت بديعة الراضي أحد الوجوه الثقافية اليسارية في الثمانينات من الملتفات حول جريدة أنوال آنذاك سهام النقد للامينة العامة الاشتراكي الموحد نبيلة منيب بمبرر انها لم تنتمي لتجربة العمل السري داخل منظمة 23 مارس خلال فترة السبعينيات. ثم انبرى محمد بولامي بخلفية الإنتماء لتجربة التأسيس الأولى ليرد على بديعة الراضي دفاعا عن منيب. ولا ندري من سيدخل على خط العبث السياسي بعدهما ليعبر الجميع عن عمق الأزمة التي تنخر اليسار المغربي.
لا اذكر أبدا إن كنت قد قرأت أو سمعت عن أحد ممن تبقى من شيوخ الحزب الشيوعي أو غيره من اطياف اليسار الفرنسي من زايد على رفاقه يوما اوبخس اسهامهم في النضال والانتماء لليسار باسم شرعية مقاومة الاحتلال النازي خلال فترة الأربعينات من القرن الماضي حتى ولو شابته شبهة التخاذل قليلا مع العدو أو تخلى يوما عن حمل السلاح ..
ذلك أن قدسية المقاومة والعمل السري وحتى حمل السلاح في لحظة تاريخية ما تنتهي في مقابل ولادة مدلولات رمزية أخرى مرتبطة بلحظات تاريخية جديدة في سيرورة النضال المستمر لليساريين من أجل تحقيق رؤيتهم ومشروعهم الذي يطمحون إليه.. إنه جوهر اليسار الفعلي وحقيقته وصلب مرجعيته الفكرية والسياسية ومبرر وجوده ..
إن ابتذال النقاش لدى بعض ممن انتموا لفصيل من اليسار الجدري المغربي يوما وانحدارهم لمستوى رديئ من النقد العلني على صفحات الجرائد لا يشكك فقط في هوية وانتماء البعض منهم لمرحلة معينة من تاريخ اليسار السبعيني، يعتبرها الجميع بدون نقد علمي عميق لحظة مرجعية مقدسة من لم ينتمي إليهالا يستحق شرف الانتساب لليسار، ولكن أيضا يلغي إمكانية تحقيق تراكمات سياسية ناجحة قد تتجاوز نوعيا لحظة التأسيس الأولى.
التقديس والقداسة والمقدس إذن ليست مفاهيم خالصة للفكر الديني فقط. انها كذلك من أمراض اليسار المغربي اليوم، بل هي من مظاهر أزمته العميقة نتيجة لعدم تملكه لاجوبة سياسية ونظرية كفيلة بنقله من حالة الجمود والتشضي إلى مستوى آخر من الإسهام الفعال في إنتاج واقع سياسي وديموقراطي بديل يكون فيها لليساريين ولمشروعهم موطئ قدم.
هكذا أصبحنا نرى اليوم وفي إطار هجمة إعلامية وسياسية غير عادية ظاهرها يتعرض لزعيمة حزب يساري وفي عمقها استهداف لمشروع سياسي على الطرف النقيض للمشروع السلطوي للدولة، كيف توظف أطراف انتمت لتجربة سياسية يسارية قدسية الإنتماء لمرجعية مشتركة هي مرحلة السرية والتأسيس للمزايدة على طرف اخر لا ينتمي للحظة تاريخية مغلفة بهالة من القداسة..
يتخبط اليسار إذن ويضرب بعضه ببعض كتجلي واضح لأزمة عميقة تعيشها نخب تخلت عن أدوارها التاريخية واستعاضت بقدسية الإنتماء لتجربة العمل السري و لحظة التأسيس عن إجهاد نفسها بإنتاج أجوبة عملية لواقع سياسي يزداد تعقيدا باستمرار.
*محمداليوسفي
التعليقات