دور حفل الولاء والبيعة في تثبيت شرعية الملكية في المغرب يرى عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو أن «المظاهر والطقوس الاحتفالية لحفل ال...
دور حفل الولاء والبيعة في تثبيت شرعية الملكية في المغرب
يرى عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو أن «المظاهر والطقوس الاحتفالية لحفل الولاء والبيعة تشكل نوعا من السلطة، وليس السلطة التي تفرض نفسها من حيث الأوامر فحسب، وإنما تلك التي تمارس من غير أن يكون علينا ممارستها، تلك التي ندعوها سلطة طبيعية».
تحليل «بورديو» الأخير يحيلنا على استنتاج أن هذا المخزون الطقوسي لحفل الولاء والبيعة بممارسته لهذه السلطة الطبيعية ساهمَ، ويساهمُ، بشكل واضحٍ، في عملية تطويع النخب السياسية، وإدماجها في الحقل السياسي الرسمي، وتثبيت شرعية الخلافة الإسلامية في المغرب منذ أزيد من اثني عشر قرنا، كما يجسد قوة النظام واستمراريته التي يستمدها من الإجماع الشعبي عبر أبرز تجلياته في طقوس البيعة.
مواقف التيارات السياسية من حفل الولاء
بينما تختار التيارات الحداثية والعلمانية واليسارية الصمت، وتجاهل الحديث عن حفل الولاء والبيعة، إلا في بعض التصريحات المتناثرة وغير الرسمية. نجد أن الإسلاميين في المغرب ـ بمختلف تياراتهم ـ يتناولون الموضوع بشكل أكثر جدية، بين مؤيد لاستمرار تنظيم الحفل ومعارضٍ له.
يقفُ الإسلاميون المعتدلون متمثلين في «حركة التوحيد والإصلاح» و «حزب العدالة والتنمية» الذي يرأس الحكومة الآن، موقف المتشبث بالبيعة وطقوسها ويعتبرونها عهدًا على الطاعةِ، مؤكدين على الثوابت التي اعتمدها هذا التيار، كشرط من شروط ولوج الحقل السياسي الرسمي، وهي: الإقرار بالإسلام كدين للأمة، ثم العمل في ظل الملكية وإمارة المؤمنين، ونبذ كل أشكال التطرف والعنف الديني. وفي هذا الإطار يعمل حزب العدالة والتنمية المغربي في كل مناسبة، على التذكير بتشبثه بشرعية المؤسسة الملكية، وبنظام البيعة وطقوس حفل الولاء معتبرًا إياها إرثًا دينيًا وحضاريًا ينبغي السهر على استمراره.
وفي الجهة المقابلة نجد «جماعة العدل والإحسان» التي تتموقع فيما سماه الباحث المغربي «عبد الإله سطي» بـ «الإسلام الاحتجاجي»، فتتخذ موقفًا ناقدًا لحفل الولاء والبيعة وتصف طقوسه بـ«المذلة والمهينة» خصوصًا الانحناء الشديد الذي يصفونه بـ«الركوع»، كما تعتبر تشبيه الحفل ببيعة الرضوان كما عبر عن ذلك وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق «أحمد التوفيق» مجرد حشد للمسوغات الواهية التي لا يسندها شرع، ولا يقبلها عقل.
ختامًا، يمكن استنتاج أن حفل الولاء والبيعة بمظهره الطقوسي الاحتفالي، وباعتباره عقدًا على الطاعة، ورباطًا مقدسًا بين الراعي والرعية في المغرب، يشكل أحد الثوابت الرئيسة لشرعية الملكية المغربية، باعتبارها إمارة للمؤمنين، والساهرة على حماية الوطنِ والدين، مشكلًا ـ أيضًا ـ آلية للاستقرار السياسي، وضمانًا للاستمرارية، خصوصًا وأن طقوسه التقليدية والدقيقة توحي على هبة خاصة للسلطان، وسموه، وتشعر المبايعين بأنهم دخلوا فعليًا تحت حماية إمارة المؤمنين.
ساسة بوست (بتصرف)
التعليقات