*كريم المر أعدت الولايات المتحدة سلسلة من الخطط السياسية للهيمنة على العالم، وذلك عقب خروجها منتصرة من أتون الحرب العالمية الثانية ف...
*كريم المر |
أعدت الولايات المتحدة سلسلة من الخطط السياسية للهيمنة على العالم، وذلك عقب خروجها منتصرة من أتون الحرب العالمية الثانية في نهايات النصف الأول من القرن العشرين، وما تبع ذلك من ظهور واقع عالمي جديد اختلفت فيه موازين القوى وبدأ غروب شمس الإمبراطوريات الاستعمارية السابقة التي تفرغت للعق جراح الحرب وما تركته من دمار في بلدانها، تاركة الساحة خالية لذلك النسر الأمريكي ليرث هذا الإرث الكبير المتمثل في عالم نامٍ من عشرات الدول المستقلة حديثًا.
في انتظار القوة الجديدة التي ستهيمن عليه وتفترس ثرواته.
وكانت هذه القوى هي الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ولكل منهما أساليبه الخاصة وأهدافه المعلنة وغير المعلنة، وبذلك بدأ الصراع بين الطرفين والمعروف في الأوساط السياسية بالحرب الباردة.
وقد كانت الانقلابات العسكرية في مقدمة تلك الوسائل التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها في الهيمنة على العالم الثالث ودرء خطر المد الشيوعي عن المناطق الخاضعة لنفوذها.
فتاريخ الولايات المتحدة وتحديدًا منذ العام 1952 حافل بالكثير من الانقلابات العسكرية، والتي لعبت أجهزة مخابراتها الدور الأكبر في التخطيط لها واعتبرت الشريك الأول لما انبثق عن تلك الانقلابات من أنظمة عسكرية.
وقد اعتمدت الولايات المتحدة في ذلك عدة وسائل، كان في مقدمتها حالة السلام وغياب الحروب في بعض الدول وغياب عنصر التهديد الخارجي، وهو ما نتج عنه تحويل جيوش تلك الدول أنظارها نحو كراسي الحكم والسلطة والتدخل في النظم السياسية لبلدانها، وبالتالي استغلت الولايات المتحدة السلامَ سلاحًا بديلًا عن الحرب يمكنها من خلاله إخضاع الأنظمة السياسية لتبعيتها، عبر جعل جيوشها ألعوبة في يدها يمكنها استخدامها ورقةَ ضغط على ساستها في أي وقت إن حاولوا الدوران خارج فلك الولايات المتحدة أو تهديد مصالحها.
وتم ذلك عبر سياسة بعيدة المدى لخصت في ما عرف بقانون الأمن المشترك الذي صدر في 1952 وعملت من خلاله على خلق جيل من العسكريين المفرخين في مدارسها العسكرية، وقد غرست فيهم قيمها وجعلت منهم مجرد صبيان يأتمرون بأمرها بعد عودتهم لبلدانهم، وحافظت على تلك العلاقة عبر ما يسمى بالمعونة العسكرية كي تحافظ على ولاء تلك المؤسسات العسكرية.
وبالتالي لا يكون أمام النظم السياسية في تلك البلدان إلا خيار من اثنين؛ فإما أن تنبطح أمام السيد الأمريكي مقدمة فروض الولاء والطاعة مثلما حدث في مصر خلال حقبة الرئيس الأسبق مبارك، أو تواجه الانقلاب العسكري مثلما حدث في تشيلي في العام 1973.
كما استغلت الولايات المتحدة حاجة بعض الأقليات العرقية أو الاجتماعية لحماية تلك الجيوش التي تنتمي لها طبقيًّا في جعل تلك الأقليات داعمًا أساسيًا للنظم العسكرية وسياستها القائمة على التبعية للولايات المتحدة، لأن في ذلك ضمانًا لاحتفاظ تلك النظم بالسلطة وبالتالي أمن تلك الطبقات.
فعلى سبيل المثال؛ في أمريكا اللاتينية يشكل الأوروبيون والخلاثيون ما لا يزيد عن 30 بالمائة من سكان القارة ومع ذلك فإنهم يهيمنون تمامًا على مقاليد السلطة السياسية والعسكرية والاقتصادية في بلدان القارة، و90 بالمائة من المثقفين ينتمون لتلك الفئة، أما بقية العرقيات فترزح تحت وطأة الفقر والجهل والمرض.
كما لعبت الشركات متعددة الجنسيات دورًا مهمًّا في تحريك دوائر الحكم في الولايات المتحدة من أجل حماية مصالحها في بعض مناطق العالم، وذلك بما تتمتع به من نفوذ عبر ما تقدمه من دعم للأحزاب والأفراد في المعارك الانتخابية.
وقد سعت الولايات المتحدة لضمان مصالح تلك الشركات فدبرت الانقلابات ضد عدد من الزعماء الذين سعوا للتخلص من احتكار تلك الشركات لثروات بلدانهم، مثلما حدث في تشيلي عام 1973 عندما أقدم الرئيس سلفادور أليندي على تأميم مناجم النحاس فأطاحته الولايات المتحدة عبر قائد الجيش أوغستو بينوشيه، في انقلاب دموي انتهى بمقتل أليندي.
كما سعت تلك الشركات لحشد الدعم السياسي والعسكري من الولايات المتحدة لتلك الأنظمة الديكتاتورية ومساعدتها في قمع أي حراك شعبي أو عمالي في مهده، فيكفي أن تعرف أن الشركات متعددة الجنسيات التي عملت في البرازيل خلال حقبة الحكم العسكري كإكسون موبل وفيات وغيرها، كانت تقدم بصفة دورية للسلطات الأمنية قوائم بأسماء قادة الحراك العمالي في المصانع التابعة لتلك الشركات لاعتقالهم وحتى قتلهم، وقد راح ضحية ذلك الآلاف من العمال والسياسيين، وهذا ما أثبتته نتائج لجنة التحقيقات التي شكلتها الحكومة البرازيلية في عام 2012.
وفي المقابل، تسابق قادة تلك الأنظمة القمعية في محاولة إرضاء هذه الشركات ومنحها الامتيازات والإعفاءات الضريبية إدراكًا منهم للدور الذي تلعبه في صنع القرار السياسي الأمريكي.
وقد جعل ذلك التعاون المثمر من تلك البلدان جنة لتلك الشركات.
باختصار؛ فعندما تتعارض المصالح العليا للعم سام مع أحلام الشعوب ومصالحها يكون العسكر جاهزين بالمشانق لإعدام تلك الأحلام، وجاهزين بالدبابات لدهس مصالح شعوبهم تحت عجلاتها.
وسنفرد سلسلة مقالات قادمة لسرد عدة نماذج لتلك الانقلابات وما تولد عنها من أنظمة وصراعات وأحداث سياسية .
*كاتب من مصر
التعليقات