شهد المغرب خلال شهر مايو 2016 أربعة أحداث تأخذ صورة منعطفات ومحطات مقلقة للغاية، نظرا لتأثيراتها المستقبلية، تنطلق من وحدته الترابية إل...
شهد المغرب خلال شهر مايو 2016 أربعة أحداث تأخذ صورة منعطفات ومحطات مقلقة للغاية، نظرا لتأثيراتها المستقبلية، تنطلق من وحدته الترابية إلى تأمين الأمن الغذائي والتقدم العلمي. بعضها شد اهتمام الرأي العام والمتتبعين والبعض الآخر لم يلق الاهتمام الكافي لأسباب متعددة منها، حضور أجندة إعلامية وسياسية لمعظم الصحافة والأحزاب تغلب عليها الإثارة وكل ما هو سطحي.
ويتجلى الحدث الأول في البعد المقلق الذي أخذه نزاع الصحراء بين المغرب والبوليساريو في الساحة الدولية، وأساسا الأمم المتحدة. فقد اكتشف الرأي العام المغربي معطيات كانت غائبة عنه، وعلى رأسها بدء تخلي جزء من الغرب عنه، خاصة واشنطن، التي تتخذ مواقف غير ودية في مقترحاتها بشأن قرارات مجلس الأمن الخاصة بالصحراء. ورغم التوتر السياسي القائم نتيجة احتجاج المغرب على ما يعتبره مضمونا «مفترى عليه» من طرف الأمريكيين في تقرير واشنطن حول حقوق الإنسان في المغرب، يبقى السؤال الرئيسي: لماذا تخلت الولايات المتحدة عن المغرب في هذا الظرف الدقيق والشائك، بينما المغرب كان يقول بأن واشنطن حليفة أبدية؟ ويزداد تساؤل الرأي العام المغربي حول هذا التغيير لثلاثة أسباب، الأول وهو الرواية التي كانت الدولة المغربية ترددها للمواطنين بوقوف واشنطن إلى جانب المغرب، ثم استثمار الدولة المغربية ملايين الدولارات في الإنفاق بسخاء على لوبي لم ينفع في شيء سوى في بيع الأوهام للدولة نفسها، وللرأي العام المغربي، عبر تصريحات موجهة للصحافة المغربية بدل الصحافة والرأي العام الأمريكي. ثم ما هو مستقبل الصحراء في ظل هذه التطورات؟ ويرى المغاربة نزاع الصحراء من باب الوحدة الوطنية والترابية التي شكلت العمود الفقري لبناء الهوية المغربية تاريخيا.
وعلاقة بالحدث الثاني هو الوضع الذي وصلت إليه الجامعة المغربية ومن عناوينه المؤلمة ما جرى الأسبوع الماضي، عندما تعرضت فتاة عاملة في مقصف كلية مكناس للعلوم لاعتداء همجي، حيث جرى قص شعر رأسها عنوة، وتعرضت لضرب مبرح بمبرر أنها جاسوسة لفصيل سياسي أمازيغي على فصيل يساري ماركسي. هذا الحادث المؤسف الذي يلتــقي مع ممارسات «داعـــــــش» ينضاف الى مواجهات شبه يومية مع قوات الأمن، وتحرش جنسي بالطالبات، وفضائح أصبحت الجامعة المغربية مسرحا لها خلال السنوات الأخيرة. وبقدر تراكم هذه الفضائح، لم تعد تشكل جديدا أو حرجا، بل أصبحت من مميزات الجامعة المغربية. وإذا انطلقنا من قاعدة علمية تحظى بإجماع كل الباحثين أنه لا يمكن لدولة تحقيق نهضة التقدم بدون جامعة متقدمة، فوضع الجامعة المغربية يؤكد على مستقبل غير مريح.
وفي ارتباط بهذا الموضوع، نتساءل: كم من رسائل دكتوراه أنتجتها الجامعة المغربية في مجال الرياضيات والفيزياء والكيمياء والإعلاميات والطب وعلوم الاقتصاد والاجتماع؟ وهي التخصصات الرئيسية لتقدم أي مجتمع. الجواب سيكون هو: نسبة قليلة للغاية مقارنة مع عدد الجامعات في البلاد وساكنة المغرب التي تتجاوز 34 مليونا، ونسبة الشباب المرتفعة، ثم الموقع الجغرافي للمغرب المطل على الاتحاد الأوروبي، والطموحات التي تعلنها سلطاته. وضع الجامعة المغربية سيئ، لم تعد تنتج النخب بل العطالة والتذمر، يضرب في الصميم مشروع الملك محمد السادس ومساعديه منذ سنتين، الذي يتحدث عن ارتقاء المغرب إلى دولة صاعدة. تاريخيا، لا تحقق أي دولة نموا وانتقالا تنمويا متينا في غياب جامعة متينة، الشيء الذي لا يتوفر عليه المغرب في الوقت الراهن.
ولا يقل الحادث الثالث خطورة عن الأول، بل ربما يتعداه، ويتعلق بالأمن الغذائي للمغرب. فقد كشفت التقارير الوطنية والدولية عجز المغرب عن إنتاج المواد الزراعية الكافية لتأمين الأمن الغذائي لشعبه. يحدث هذا في وقت، يرفع المغرب شعار «الدولة الزراعية بامتياز». الأمن الغذائي لأي دولة يعتبر من دعائم السيادة الحقيقية، ولهذا تعمل الدول الكبرى على ضمانه. وأعلن المغرب خلال السنوات الأخيرة عن المخطط الأخضر الذي بقي قاصرا، لأنه صب في مصلحة كبار المستثمرين ومنهم الأجانب، من دون تطوير عمل الفلاح الصغير والمتوسط الذي يعتبر عماد الأمن الغذائي. وتبقى المفاجأة الكبرى هو ما أعلنته الأمم المتحدة هذه الأيام باحتلال المغرب المركز 14 عالميا من أصل أكثر من 120 دولة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث تزامنت عوامل سلبية للغاية منها نضوب المياه في المغرب، وارتفاع أسعار الغذاء عالميا وارتفاع الطلب الداخلي أمام قلة الإنتاج.
في الكثير من المناسبات تركز بعض السلطات على مشاريع تكون بمثابة مظاهر للتباهي أمام الآخرين، لكنها تنسى الأساسيات التي تقوم عليها الدول وتضمن قوامها الأمني الحقيقي.
ويعتبر المغرب من هذه الدول التي تفقد الكثير من مقوماتها، الأمر الذي يجعله، رغم الاستقرار، في مؤخرة الكثير من الدول، إذا تم الأخذ بعين الاعتبار تاريخه وموقعه الجغرافي المطل على أوروبا.
٭ كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
التعليقات