تراثنا القديم يزخر بالحكم و الأمثال، و أغلبها مرتبط بالمكان و الزمان الذي أنتجها و قد لا تصح على باقي الأمكنة و الأزمنة الأخرى. لكن ال...
تراثنا القديم يزخر بالحكم و الأمثال، و أغلبها مرتبط بالمكان و الزمان الذي أنتجها و قد لا تصح على باقي الأمكنة و الأزمنة الأخرى.
لكن الأنظمة الغير الديمقراطية تختار منها الحجايات التي تلائم مخططاتها و توافق هواها، ومنها الحكمة الأثيرة لديها و التي تقول: "أشغلهم قبل أن يشغلوك"، لذلك فهي تجد للشعب المظلوم كل مرة لعبة يتسلى بها و تستأثر بكل اهتمامه و ينام و يصحو عليها و تنسيه تماما الانتباه إلى حاله و تحديد الهوية الحقيقية للمسؤولين عن أوضاعه المأساوية المتردية ممن استنزفوا عرقه و ماله و حقه في العيش الكريم و صادروا مستقبل أبنائه.
و انطلاقا من تلك الحكمة المكيافيلية تعمد السلطات إلى تضخيم بعض الأحداث العابرة و توحي لـ : إعلامها المسخر بأن ينفخ فيها و يمنحها أحجاما أكبر منها حتى تغطي تماما على واقع الأزمنة المبهدلة و الرديئة.
و لعل السلطات على وعي تام بأن الحكايات التي تنسجها بخيوط التضليل و لفت الأنظار إلى جهات أخرى أو الأحداث التي تركب عليها ذات مفعول سريع الزوال، و أخطر ما تخشاه أن يحدث بياض أو فراغات بين لعبة و أخرى، و لهاية و أخرى، لكن خزان (من خزن يخزن) في المخزن و نظامه من هذه الحكايات لا ينفذ أبدا، و حين يضعف مستوى إنتاجها، فإن أجهزة القمع تلجأ إلى حيلة خلق أعداء من عدم، و تحريض الرأي العام ضدهم مع تحميلهم المسؤولية المباشرة عما حدث و يحدث من مآزق و انزلاقات خطيرة و ارتباك في سير " المنجزات"، أو الفضائح التي تكشف حقيقة الوعود و الالتزامات وتسفه الذين يزوقون الظلم و يبررونه و كذلك الزوايا و القبائل السياسية التي فقدت ظلها حين باعت روحها بأبخس الأثمان و فقدت ما تبقى لها من مشروعية فأضاعت القواعد و المتعاطفين و دخلت في مرحلة سبات شتوي لن تخرج منه أبدا.
و يدرك الخزان الأكبر أن بيع الأوهام للشعب و تسويقها يحتاج إلى تواطؤات سواء من داخل الزوايا السياسية أو الإعلام بحثا عن مرشحين قادرين على الترويج لحكاياتها و قصصها المفبركة و منحها الحد الأدنى من المصداقية، كما أنه في حاجة إلى برلمانيين محنكين، حنكتهم تجارب الحوانيت الانتخابية و لهم صوت جهوري كيهرس الكيسان، لكي يصرخوا بأعلى بهتانهم بأن الكذب حقيقة لا غبار عليها، و أن الشعب في حاجة للمزيد من الأوهام لكي نضمن له الأمن و الطمأنينة و الاستقرار.
لكن ماذا لو انقلب السحر على الساحر و نفذ خزان المخزن من الحكايات و الحجايات، أو أضرب الشعب عن استهلاكها مثل الأدوية الجاهزة التي لم يتساءلوا عن تركيبتها و أعراضها الجانبية.
ماذا لو شغل الشعب المخزن رافضا أن تشغله قصص تمت فبركتها في المختبرات السلطوية.
فالشعب يبحث عن الحرية و "الشغل" الحقيقي و العناية الصحية و العدالة و التعليم الراقي، و مهما تناسلت الحكايات فإنها غير قادرة على أن تقف حجر عثرة و تحول دون انشغاله بهمومه و تطلعاته المتوارثة جيلا بعد جيل.
التعليقات