حمزة محفوظ* فيديو العبادي الجديد يكاد ينسخ السابق (من الناسخ والمنسوخ)، حتى وإن كان بفيديوه القديم وفر على الجميع جمع الأسباب التي ت...
حمزة محفوظ* |
التصريح الجديد بدء بمغالطة غير دقيقة، مضمونها أن الذين اتهموه باستخراج التراث الذي تأوي إليه داعش وبقية المنظمات الارهابية، المخيف والمستنكر، -ادعى الرجل- أن الذين قالوا هذا الكلام وانتقدوا تصريحه هم من المغرضين الذين يبحثون عن هفوات للجماعة ومزالق شيخها.
ولو أنه اطلع على الانتقادات التي انتشرت على الفضاء الأزرق، سيجد أن من بينهم من يدافع عن الجماعة، وحقها في الوجود والتعبير، ويرغب في أن تشارك في بناء الوطن الذي يستوعب كل أبناءه، ويكرمهم ويوفر لهم شروط العيش ويرعى حقوق الناس. وألا تكون الجماعة -كما غيرها- هدفا للإكراه ولا مصدرا له، لا بضرب الأعناق بالسيوف، ولا الجماجم بالعصي، ولا إغلاق البيوت بالتشميع، ولا إغلاق الأفواه بالرقابة والتضييق، ولا الأجساد بالسحل ومنع التنقل والتظاهر.
أما الذين يتصيدون للجماعة فعليا ويراهنون على سلطوية الدولة وتأبيد عنفها، فلا أظن أن الفيديو السابق، إلا منحهم هدية فرحوا بها بأشد مما يفرح الطفل بهدية العيد. فقد أهداهم مادة يبررون بها الاعتداء على الحقوق، ويطمئنون بعدها من توفير أي بديل ممكن عن حالة تهريبهم للأموال وتجاوزهم القوانين.
لقد كنت من الأوائل الذين شاهدوا الفيديو السابق، ولعلي أول من انتقده وعبر عن إحباطه عبر الفيسبوك.. رغم أني كنت قد فتحته آملا في أن يتحفنا الرجل بكلام جديد، يتجاوز ليس فقط سلفه على رأس الجماعة ويجتهد بعده، بل يتجاوز معه تراثنا المليء بالدم والاكراه، ويركز ويعلي شأن تلك الأجزاء الصغيرة والمحدودة منه التي علا فيها النقاش والتداول والعلم، وإن وجدنا نصا يعارض العقل اتبعنا العقل، وحيثما كان العدل ثمة شرع الله -وليس العكس-.. كما جاء في أثر السلف.
إن السلف الذي يورطنا في تراثه، استحكم لفهمه ولسياقه وحدوده ساعة عاش، و"هم رجال ونحن رجال" كما قال ابن حنيفة، بوسعنا أن نزيد على قوله اليوم، "نحن نساء ورجال واسلاميون وعلمانيون، ومسلمون وغير ذلك.. وليس لأحد أن يتحكم في مستقبلنا ممن ماتوا ولا حتى ممن يعيشون، إلا أن نتداول ونختلف ثم نتفق على الحد الأدنى من المسلماة، ونرعى الى الحد الأعلى كرامة الإنسان، أكثريته وأغلبيته ومفرده، ضعيفه قبل قويه...".
نجد في الفيديو الجديد الكثير من النقط المبشرة... قال الشيخ :
-"ندعو لقانون يضمن لكل فرد فرد كرامته وحقه في العيش وحريته." واستعمل الفرد بدل المجموع، وشدد على حريته وكرامته وحقه.
- "نحن لا نحرص على المصطلح مصطلح الخلافة، وإنما نحرص على العدل على الشورى، وليكن الاسم أيا كان، نحرص على المضمون وليس على الشكل. وإلا فهذا المصطلح فأخذته دول وأسمت نفسه به."
- "البلدان الذي فتحت عنوة، كالأندلس، رجعت الى ما كانت له قبل الاسلام". وشدد على المحبة.
- "شكل الحكم لا يهم، ولكن مضمونه.. والشكل يختاره الناس.. الذي يهمنا من الخلافة حق الناس والحرية والكرامة وفصل السلط". -نهاية الاقتباس-.
إن العرض الذي تقدمه الدولة يراوح مكانه، ويؤبدنا في حالة تهريب الأموال وغياب العدل وتحكم القصر.. ما يفترض من القوى المستقلة عنها والرافضة للاحتواء أو التسليم -والجماعة منها- تطوير بدائل مقنعة والتحرر من الطوبويات والشموليات، بإتجاه تقديم بديل متفق عليه يخرجنا من الهمجية التي يعيشها وطننا، ليس بإتجاه همجيات جديدة، بل باتجاه دولة الكرامة والحريات والعدل.
اختلاف اليسار والاسلاميين شيء غير قابل للانكار، وإذا كان يسار القصر واسلاميوه عندهم أرضية مشتركة قوامها الحفاظ على الحد الأقصى من الحماية السلطوية، والحد الأدنى للاستقرار والكرامة، فالأطراف المستقلة يجب أن تطور اتفاقا بديلا، يلزم الجميع بالعمل على الحد الأقصى للكرامة والاستقرار والانهاء مع السلطوية.
ننتظر من "العدل والاحسان" ليس فقط التأكيد على سلميتها وممارسة ما نقله الشيخ من قول هابيل لأخيه: "لئن بسطت يديك لتقتلني، ما أنا بباسط إليك يدي لأقتلك.." -وهذا جيد-، بل والتشجع لايجاد أجوبة بديلة مدافعة عن حقوق الأقليات ومستنكرة للعنف ضدها، وضامنة للمساواة -استنكار الاعتداء على المثليين في المجال الخاص، وتبرير مساواة المرأة بالرجل في الميراث في زماننا ورعاية الأقليات الدينية...- وهي أسئلة راهنة ومستعجلة، نجد في التراث أيضا محاولات حسنة يمكن البناء عليها.. حتى نلجم العنف الثاوي في قلوب الناس الذي من أسبابه غياب العدالة، ولكنه يستهدف الأطراف الأضعف منه.
رد فعل بعض شباب الجماعة بعد الفيديو الأول المدافع باطلاقية وشراسة عما جاء فيه، وهو ما تجاوزه الفيديو الثاني للشيخ نفسه، يجعلنا ننبه الأصدقاء فيها من الشباب: إن وظيفتكم ليس تبرير القيادة، بل أكبر مساعدة يمكن أن تقدموا لها هي إحراجها وانتقادها وتطوير بدائل مفيدة لمعركتنا جميعا، في أفق ما نريده ربيعا ديمقراطيا ويريده غيرنا خريفا، تمص فيه دماء الناس والبسطاء، ويستمر فيه إنتهاك حقوقهم، وينعدم فيه الأمل.
* للتواصل مع الكاتب: www.facebook.com/ha.mahfoud
* للتواصل مع الكاتب: www.facebook.com/ha.mahfoud
التعليقات