شارك الملك محمد السادس في القمة الخليجية المغربية الأسبوع الماضي، وتجلت المفاجأة في تصريحاته التي تشير إلى فرضية تعرض المغرب للمؤامرة ...
شارك الملك محمد السادس في القمة الخليجية المغربية الأسبوع الماضي، وتجلت المفاجأة في تصريحاته التي تشير إلى فرضية تعرض المغرب للمؤامرة من أصدقائه التاريخيين في الغرب، خاصة الولايات المتحدة، وبالتالي، نحن أمام سيناريو مشابه للانتقادات الخليجة تجاه واشنطن.
واستعمل الملك في خطابه تعابير ومفردات ليست من تقاليد وأعراف ملكية محافظة، بل من تقاليد الخطابات اليسارية، سواء الهيئات الراديكالية أو زعماء دول مثل معمر القذافي أو الراحل هوغو تشافيز أو الإكوادوري رافائيل كوريا. وهذه ليست المرة الأولى التي يستعمل فيها خطابا من هذا النوع، بل لجأ إلى هذه النبرة في تحليل الوضع الداخلي في خطاب وطني الصيف الماضي.
تآمر الدول على بعضها هو جزء من العلاقات الدولية، أحيانا يكون عملا ظاهريا وأحيانا يكون سريا. وبلورت الثقافة السياسية المغربية مفهوم المؤامرة التي يتعرض لها المغرب من طرف جيرانه، وبالأخص إسبانيا والجزائر. ويرى المغاربة في دعم الجزائر لجبهة البوليساريو للاستقلال بالصحراء الغربية عملا عدوانيا يدخل ضمن المؤامرة. وتاريخيا، يقدم الفكر السياسي والعسكري الإسباني إنتاجا ضخما حول كيفية إبقاء المغرب ضعيفا، يمتد من وصايا إيزابيلا الكاثوليكية بغزو المغرب، إلى تقارير معاهد استراتيجية التي توصي بمراقبة المغرب اقتصاديا وسياسيا في الوقت الراهن. ومؤامرة الجيران ناتجة كذلك عن تخوفهم من تعرضهم لمؤامرة مضادة من المغرب. ويعتقد صناع القرار في مدريد اعتقادا راسخا في استعمال المغرب في الوقت الراهن للهجرة والمخدرات بهدف إضعاف بلادهم، بل بعضهم يشك حتى في استعمال ورقة الإرهاب في تفجيرات 11 مارس في مدريد، حيث روجت أوساط رسمية لهذه الفرضية، بما في ذلك زعماء من الحزب الشعبي الحاكم.
استعمل الملك في خطابه تعابير ومفردات ليست من تقاليد وأعراف ملكية محافظة، بل من تقاليد الخطابات اليسارية، سواء الهيئات الراديكالية أو زعماء دول مثل معمر القذافي أو الراحل هوغو تشافيز أو الإكوادوري رافائيل كوريا
وبدورها تعتقد الجزائر في تآمر المغرب عليها، فالإنتاجات الفكرية والإعلامية تحذر مما تعتبره أطماع المغرب في جزء من أراضيها الغربية، وهي المنطقة التي يسميها المغاربة بالصحراء الشرقية. ويتكرر السيناريو نفسه في حالة موريتانيا، إذ بدأ الرأي العام في هذا البلد ينظر بقلق إلى المغرب، لاسيما عندما يردد بعض المغاربة أن موريتانيا كانت جزءا من بلادهم حتى نهاية الخمسينيات وانفصلت بدعم من فرنسا.
ومنطقة غرب البحر الأبيض المتوسط، خاصة مربع المغرب -اسبانيا – الجزائر- فرنسا، نموذج من نماذج سيادة فكر المؤامرة في العلاقات الدولية، بسبب علاقات الصراع التاريخي والجيوسياسي، وهو ما يفسر بتقلب التحالفات. لكن الجديد في خطاب الملك محمد السادس هو توجيه تهمة مبطنة بالتآمر بطريقة غير مباشرة إلى دولة، كانت تعتبر حتى الأمس القريب حليفة للرباط، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك بريطانيا. وركز في هذا الصدد على توظيف الغرب للربيع العربي، الذي وصفه بأنه تحول إلى ربيع كارثي. وقبل خطاب الملك، كان رئيس البرلمان المغربي رشيد الطالبي واضحا في برنامج في القناة الأولى خلال الشهر الماضي بتوجيه أصابع الاتهام إلى واشنطن ولندن، وبدوره ركز على توظيف الغرب للربيع العربي لتفتيت دول المنطقة ومنها المغرب.
ويبقى التساؤل العريض: ماذا حدث حتى يتهم المغرب الولايات المتحدة وبريطانيا بالتآمر عليه؟ إذ يعتبر الاتهام مفارقة حقيقية في تقاليد الدبلوماسية المغربية بحكم تغني الرباط بدعم واشنطن التاريخي للمغرب سياسيا وعسكريا، بما في ذلك في نزاع الصحراء. قد يتعلق الأمر بمؤامرة، وقد يتعلق الأمر بعدم فهم العلاقات الدولية القائمة على مصالح متقلبة وظرفية، وليس صداقات دائمة، خاصة بالنسبة للفكر الأنغلوسكسوني. في كتابات سابقة ومنذ سنوات بما في ذلك في منبر «القدس العربي»، أبرز صاحب هذا المقال في مناسبات متعددة أنه لا يوجد دعم أمريكي لمغربية الصحراء، بقدر ما يوجد تفهم لمطالب المغرب، وتبني البيت الأبيض لموقف مرحلي يخفف الضغط على المغرب. موقف مرحلي مرتبط بالسياقات الدولية، فقد كان المغرب حليفا للولايات المتحدة في الحرب الباردة، ورغم ذلك لم تؤيد واشنطن مغربية الصحراء.
ماذا حدث حتى يتهم المغرب الولايات المتحدة وبريطانيا بالتآمر عليه؟ إذ يعتبر الاتهام مفارقة حقيقية في تقاليد الدبلوماسية المغربية بحكم تغني الرباط بدعم واشنطن التاريخي للمغرب سياسيا وعسكريا، بما في ذلك في نزاع الصحراء
ومنذ العقد الماضي، انخرط المغرب في سياسة واشنطن، سواء في الشرق الأوسط مثل احتضانه لمشروع الشرق الكبير سنة 2004، أو محاربة الإرهاب بوضع مشتبه فيهم في سجون سرية. وأقصى ما صدر عن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وقتها أنه لن يفرض على المغرب حلا في نزاع الصحراء.
إشكالية الدولة المغربية أنها لا تفرق بين المواقف الظرفية والتصريحات البروتوكولية وبين المواقف الحقيقية ذات المدى البعيد، بل كم تغنت بهذه المواقف البروتوكولية بغباء مطلق. فهل أدركت الآن الفرق بين الموقفين؟ الولايات المتحدة لم تنظر إلى المغرب كحليف بل كشريك فقط، وفي الفكر السياسي والعسكري الأمريكي هناك فرق شاسع بين الشريك والحليف. وتعتبر المؤسسات الأمريكية حلفاء مجموعة من الدول وهي بريطانيا واستراليا ونيوزيلندا وكندا، أما الباقي بما فيها فرنسا وألمانيا والعربية السعودية وكوريا الجنوبية المغرب فالعلاقة معها شراكة سياسية. وهناك الكثير من الأحداث التاريخية والسياسية التي تؤكد هذا المفهوم الغائب عن الكثيرين في العلاقات الدولية. وتتخلى الولايات المتحدة عن شركائها ولكن لا تتخلى عن حلفائها. تخلي واشنطن عن موقفها المتفهم للمغرب في نزاع الصحراء ابتداء سنة 2013، تاريخ تقديم مقترح مراقبة حقوق الإنسان في مجلس الأمن يعتبر منعطفا في الشراكة الأمريكية – المغربية ويدخل ضمن رؤية جديدة لواشنطن تجاه العالم العربي، الذي لم تعد تهتم به. وقد تخلت عن أكبر شريك لها وهي العربية السعودية، والآن تتخلى عن المغرب كذلك لأن المواقف الظرفية والسياقات التي تتحكم فيها تحمل تاريخ انتهاء الصلاحية مثل المواد الغذائية، أو بالأحرى مثل مواد التجميل.
وتبقى المفارقة العجيبة مؤخرا أن المغرب الذي وقف إلى جانب واشنطن في الحرب الباردة وضد الإرهاب يخطب الآن ود موسكو لدعمه في نزاع الصحراء، ويخطب ود بكين ونيودلهي. وفي المقابل، نجد جبهة البوليساريو والجزائر اللذين كانا في الجانب الآخر إبان الحرب الباردة يراهنان الآن على واشنطن. هذه المفارقة العجيبة يغيب عنها طابع التعجب إذا استعنا وفهمنا جيدا أنه في تاريخ العلاقات الدولية توجد مصالح دائمة ولا توجد صداقات دائمة.
٭ د.حسين مجدوبي
التعليقات