يقتضي ميلاد أي مشروع سياسي أو زعيم حزبي جديد التميز في إنتاج الرموز والمفاهيم والمواقف بما يمكن من التموقع سياسيا في العلاقة مع بنيات سي...
يقتضي ميلاد أي مشروع سياسي أو زعيم حزبي جديد التميز في إنتاج الرموز والمفاهيم والمواقف بما يمكن من التموقع سياسيا في العلاقة مع بنيات سياسية أخرى مناقضة أو مشابهة للمشروع الوليد وتحديد التقاطعات الممكنة في العلاقة مع العائلات السياسية المتواجدة سابقا في أي مشهد سياسي
يحصل هذا عند النشأة العادية للتنظيمات الحزبية كنتاج طبيعي لتناقضات ومصالح اجتماعية تبحث لنفسها عن تعبيرات سياسية ورمزية ملائمة
غير أن هذا لا ينطبق بالطبع على من سمي سياسيا ذات ولادة بالوافد الجديد أو حزب الدولة الذي يرى هويته السياسية تتشكل، كما صرح زعيمه، على محاربة مشروع سياسي آخر هو مشروع العدالة والتنمية الاسلامي وفي جزء آخر على إحداث رجة عميقة في الخريطة الحزبية المغربية وإعادة تشكيلها بنحو يضمن التحكم فيها وتوجيهها
في واقع الأمر ليس هناك من يقدم خدمات معتبرة للإسلاميين لحدود اليوم أكثر من حزب الأصالة والمعاصرة نفسه. لقد خرج المغاربة إبان أوج حركة 20 فبراير منددين بزواج المال والسياسة والسلطة مما منح الإسلاميين فرصة غير منتظرة سماها محمد الساسي بالزهقة التاريخية التي مكنتهم من ترؤس الحكومة، واليوم يواصل الحزب ذاته إمداد الإسلاميين بأسباب القوة من خلال إصراره على ضرب الأحزاب التاريخية والدخول في معارك كلامية غير محسوبة.
ما معنى ما يتفوه به العماري من أن هدفه هو محاربة المشروع السياسي للإسلاميين؟ وكيف ينوي فعل ذلك ؟ كم عدد المثقفين في حزبه الذين قد يحملون على عاتقهم مواجهة تجدر الخطاب المتأسلم في المغرب الذي لا يقتصر أنصاره على العدالة والتنميةفقط ؟ أي اصطفاف ستخلق مثل تلك التصريحات بينهم والمغرب مقبل على محطة انتخابية قريبة؟!! إلا إذا كان الحزب ينوي التصدي لهم بترسانة الدولة الإدارية وبالمال السياسي وتلك حكاية أخرى..
لنكن صرحاء ، لا أحد يستطيع إيقاف تمدد الإسلاميين انتخابيا في مؤسسات الدولة غير الدولة نفسها، والدولة اليوم لا تملك خيارا آخرا إلا الرهان على اضعافهم على المستوى البعيد باعادة تشكيل الخطاب الديني نفسه وضبط آلياته والتحكم في مصادره، غير ذلك فإن الإسلاميين اليوم نجحوا في المرحلة الأولى من مشروعهم وهو التغلغل في دواليب الدولة واكتساب تجربة في تدبير الشأن العام والتطبيع مع رموز النظام.
لم يترأس بنكيران الحكومة لكي يحارب الفساد أو يحقق العدالة الاجتماعية أو تقدما في الحقوق والحريات، تلك أشياء تخص اليسار والديموقراطيين بشكل عام لا شأن لبنكيران والإسلاميين بها. الإسلاميون يتقوون حيث الفقر والجهل والتهميش ، بنكيران جاء للحكومة وعينه على دار المخزن التي يحلم أن يكون جزءاً من رجالها المخلصين
والتخلص من ماضيه السياسي وكسب الرضى
اتسمت الممارسة السياسية عند اسلاميي العدالة والتنمية منذ البداية بالسرية في إطار حلقات ضيقة ظاهرها العمل الدعوي في إطار الجماعة كبنية مغلقة عمادها العمل الخيري الاجتماعي وجوهرها سياسي ينبني على مفهوم الطاعة ببعده الديني والانضباط التنظيمي الناتج عن تحول الجماعة إلى حزب سياسي فاعل في الحياة العامة، لا يتعلق الأمر إذن بحزب سياسي تقليدي كما عرف في المغرب بل ببنية مختلفة ميزتها الإنضباط والطاعة كفيلة بجعل النشاز فيها مجدوب أو هداوي وليس بالضرورة منشقا عن الجماعة/ التنظيم.
هذه القوة التنظيمية والانتخابية وصعوبة انشطار الحزب وقدرته على امتصاص الأزمات الداخلية إضافة إلى ضعف الأحزاب الوطنية هي ما يجعل رئيس الحكومة مطمئنا لمستقبل حزبه السياسي ولو في الحدود الدنيا طامحا إلى ولاية ثانية بضمانة الفصل 47 من الدستور ورضا الملك.
التعليقات