الصورة، جان زغلر العظيم....نبي آخر من أنبياء القرن 21... *محمد منير الحجوجي انا من الذين يعتقدون ان العولمة -كإطار سياسي/اقتصادي...
الصورة، جان زغلر العظيم....نبي آخر من أنبياء القرن 21...
*محمد منير الحجوجي |
انا من الذين يعتقدون ان العولمة -كإطار سياسي/اقتصادي يدعي توفير أدوات العيش السعيد للبشر- ليست في الواقع سوى تلك الشجرة التي تخفي غابة من الأفعال التوحشية المخربة للبشر و الشجر و الحجر.. سأحاول الكشف عن بعض ملامح هذه الأفعال التي لم يعد لها أي مكان في عالمنا/مغربنا المحتقن الحالي.. و يبقى على القارئ الكريم أن يقوم بنفسه بالربط بين ما سأقدمه و مجموع الثورات الجارية التي لايمكن إلا الترحيب بها في سياق أنظمة عربية جعلت من النهب و التحكم و التخريب عقيدة إستراتيجية في الحكم و "الحكامة" و "التنمية"..
أنا من الذين يومنون بأن العولمة ليست شيئا أخر سوى أداة/غطاء سادة العالم القدماء/الجدد للاستمرار في السطو على ما تبقى من موارد فوق كوكبنا.. إن العولمة هي الاسم الجديد الذي أعطي للنظام الرأسمالي بعدما لم يعد ممكنا النطق به أو التصريح بالانتماء إليه بالنظر إلى تاريخه الأسود. لقد تبين للنهابة الدوليين الكبار أنه من الحيوي للغاية تعويض "الرأسمالية" باسم بارد -هو العولمة- بلا سوابق جنائية و لا إيحاءات تاريخية مشحونة. لذلك فإن من يحفر قليلا أبعد مما تدركه العين المجردة لابد و أن يكتشف أن ما نعنيه اليوم ب"العولمة" و "اقتصاد السوق" و "مبادرات التحرير" و " نظريات النمو" ليست سوى آليات وتمويهات جديدة يحركها المركز/الغرب في سياق استراتجيا قديمة، هي استراتيجيا الزحف أو بشكل أدق الاستمرار في الزحف على الأطراف في أفق مزيد من التحكم في مواردها، الغابر منها و الظاهر. إن المرور من "الرأسمالية" نحو "العولمة" هو خدعة بلاغية لضمان الانتقال الهادئ للخيارات المافيو-استعمارية لنهاية القرن التاسع عشر داخل العالم "الجديد" (وهذه كذبة) و"الديمقراطي" (وهذه كذبة مطلقة) لبداية الألفية الثالثة.
لم يسبق للعالم أن كان مختلا ومريضا مثلما هو عليه اليوم. لندكر فقط بهده البداهة : إن مجموع أفراد المجموعات الاقتصادية الضخمة المتحكمة الفعلية في العالم لا يتجاوز عددهم 3 % من مجموع البشرية فيما يسيطرون على ما لايقل على 80 % من الثروات و الموارد.. ان هذا الرقم كاف لوحده لجعلنا نفهم أنه لامفر لنا من دخول الرينغ ring الكبير... الآن أو آجلا. ..
إننا نعيش تحويلا رهيبا لثروات الكوكب من الجنوب نحو الشمال، و داخل الجنوب -ومنه المغرب بطبيعة الحال- من الأسفل (جيوب الفقراء أو من هم في طريقهم نحو الفقر) إلى الأعلى (جيوب السماسرة و المضاربين و مختلف اللصوص الشرعيين)، تحويل يزيد من الهوة بين من يملكون كل شيء و من لا يملكون إلا وعودا بتعويضات أخروية.. هاكم بعض أرقام/نتائج هذا الوضع. هناك 13 مليون طفل دون الخامسة يموتون سنويا بفعل سوء التغذية الناتج عن استنزاف/سرقة قوى دولية لموارد بلدانهم، هناك 23 % من سكان الأرض، أي ما يقارب مليار ونصف شخص يعيشون تحت خط الفقر و يغرقون في أوحال البؤس و اليأس بأقل من دولار واحد بسبب تركز الثروة في أيادي حفنة من "مواطنيهم" يفضلون اقتسام أوطانهم مع قوى الافتراس/التحكم الدولي مقابل ضمان بقائهم في دواليب "الحكم"، هناك 52 مليون شخص يموتون سنويا بسبب أمراض هي في العمق مخلفات "عرضية" لاقتتالات عنيفة حول السلطة و الثروة غالبا ما تكون موجهة من طرف القوى الدولية الكبرى..
إن سياسة لصوص العالم القدماء/الجدد التي يتكفل صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و منظمة التجارة العالمية بتنفيذها تظل، ومن بعيد، المسئولة الأولى عن أكبر احتقانات عصرنا. من أهم دعائم هذه السياسة خنق بشرية الجنوب - ونحن هنا بعيدون عن خطابات الأنوار و التقدم و العدالة و التعاون كما يروج لها الغرب- بديون انتقلت من 520 مليار دولار سنة 1980 إلى 2000 مليار سنة 2003. يفسر هذا الارتفاع من جهة بالعجز عن السداد، و بالاستسلام لجهنم إعادات الجدولة ثانيا، و بالفساد غير المسبوق للجهات المحلية "المنفذة" ثالثا ( دراسات كثيرة تتحدث عن وجود علاقة وثيقة بين سياسة الاقتراض كما "دبرها" المغرب و اغتناء أوساط كثيرة منها من هو مقرب جدا من دوائر القرار).. من المهم أن نشير أنه من ضمن 89 دولة اقترضت من صندوق النقد الدولي بين 1965 و 1995، 49 ليست أحسن حالا و 32 ازدادت فقرا - ومنها المغرب- والسبب، ضمن أسباب أخرى، تبدد أموال الديون حيث تؤكد مصادر الصندوق أن 100 مليار دولار، أي خمس إجمالي القروض الممنوحة، ضاعت بسبب الرشوة و النهب و التبذير و تهريب الأموال نحو الجنات الضريبية السويسرية و غيرها ( يحتل المغرب المرتبة الرابعة عالميا في مجال تهريب الأموال بعد نيجيريا و مصر و الجزائر !!!!).. أما المحافل الدائنة فهي تغض الطرف عن هذه الجرائم ليس فقط لأنها تسترد أموالها ولكن أيضا لأن الدول المدينة، و يجب أن نكرر ذلك، "تبيعها" قطاعات حيوية حتى تسكت عن ممارساتها الاقتصادية و الحقوقية المشبوهة..
قادت هذه اللعبة الدولية/الداخلية نحو نتائج كارثية أخرى.. فلقد ارتفع عدد الدول الأقل نموا (الدول المحسوبة على نادي الفقراء أو تلك السائرة نحو الفقر) من 25 دولة سنة 1971 إلى 86 سنة 2003. و يشكل تطور مؤشر الدخل في هذه الدول الدليل الأكبر على هذا الصعود نحو الهاوية. ففي الوقت الذي ارتفع فيه الدخل الفردي في دول الجنوب من 212 دولار سنويا خلال فترة الستينات إلى 267 حاليا، انتقل نفس الدخل في نادي الأغنياء في الفترة ذاتها من 11400 إلى 32000 دولار. وهذه الأرقام وحدها تفضح وهم سياسات "التعاون" و الشراكة"، الموظفة كما سبق كغطاءات فعالة لنهب و تجويع الشعوب المستباحة و المغيبة..
يحمل سادة العالم شعوب الجنوب المسئولية كاملة عن هذه الكارثة، مختبئين وراء تبريرات مضحكة من قبيل توفر هذه الشعوب على كافة الآليات لممارسة سيادتها و حريتها و منها آليات الانتخاب و التصويت و حق الاختيار و المحاسبة. والحال أنه من السهل أن نلاحظ أن من يطلب منهم التصويت، وهم في غالبيتهم فقراء أو في طريقهم إلى الفقر، يأتون فعلا للتصويت ولكن ليس للمشاركة في الحكم واتخاذ القرارات الإستراتيجية و تحديد الحاجات الحقيقية ورسم الأولويات الملحة.. أكثر من ذلك، غالبا ما يتم تسخير آلية "الديمقراطية" لتوجيه الانتخاب صوب تتويج الفاسدين الكبار الملتفين حول الحاكم أو داخل الأحزاب و مختلف المؤسسات "المدنية" المذعنة، بما فيها تلك الأشد "ديمقراطية" و "نضالا"- (وهذا واضح بقوة في الحالة المغربية، يكفي فقط النظر صوب ما ألت إليه الأحزاب "الوطنية الثورية" في العشرية الأخيرة، أحزاب أقل ما يقال بصددها أنها ذابت في الطنجرة المخزنية)..
هذه بعض حقائق العولمة فيما وراء واجهاتها الاستهلاكية/الفرجوية consumériste/spectaculaire الملغومة الكثيرة.. إن المطلوب، مغربيا، هو إعادة بناء حياتنا الاقتصادية و السياسية خارج تلك البداهة المسمومة التي مفادها أنه لا مفر لنا من الانخراط في العالم.. اي في النهاية في لعبة هي ما يقودنا جميعا نحو الهاوية..
* https://www.facebook.com/profile.php?id=100009306100972
التعليقات