القاهرة: إسلام أبو العز*- بعد جلسات سرية ومداولات طويلة وصفها البعض بـ«الصعبة»، تفاهم وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم، يوم أمس...
القاهرة: إسلام أبو العز*-
بعد جلسات سرية ومداولات طويلة وصفها البعض بـ«الصعبة»، تفاهم وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم، يوم أمس، في القاهرة، على تعيين مرشح مصر، ووزير خارجيتها الأسبق، أحمد أبو الغيط، في منصب الأمين العام للجامعة العربية، ليصبح بذلك ثامن شخصية عربية، وسابع شخصية مصرية، تتولى هذا المنصب منذ تأسيس الجامعة العربية في آذار العام 1945.
وتكمن أهمية اختيار الأمين العام الجديد للجامعة العربية أنها تأتي في ظل ما يشبه الهيمنة الخليجية القوية على مقدرات شؤون الجامعة، واحتدام الأزمات إقليميا، ومؤشرات خطيرة بشأن احتمال حدوث تقارب إضافي بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية، وبينها السعودية. كما أن من المؤشرات المثيرة للقلق أن اختيار الأمين العام يأتي في وقت تحاول السعودية تحديدا توجيه دفة السياسة العربية بما يتلاءم مع مصالحها الإقليمية خصوصا اندفاعها الهجومي في الشؤون السورية واللبنانية واليمنية وغيرها. ومن مكامن الخطورة أيضا، أن أبو الغيط عُرِف عندما كان يتولى حقيبة الخارجية، بحسن علاقاته مع المسؤولين الإسرائيليين، ومواقفه السلبية من القضية الفلسطينية.
ومهما يكن، فإن اختيار أبو الغيط، بالنسبة لكثيرين، اختبار إضافي لما إذا كانت الجامعة العربية ستكون قادرة على تصويب نفوذها المهترئ، خصوصا في سنوات «الربيع العربي»، بعدما أخذ عليها كثيرون أنها سهَّلت أولا غزو ليبيا وخرابها، ثم قرارها طرد سوريا، وهي دولة مؤسسة للجامعة، من عضويتها، ومنح مقعدها لفصيل من المعارضة السورية. ولم تتضح بالكامل تفاصيل التسوية المريبة التي توصل إليها الوزراء في أروقة الجامعة، وأتاحت لأبو الغيط بتولي المنصب برغم وجود خيارات بديلة واعتراضات من جانب دولة كقطر التي أعلنت موافقتها وإنما بـ «تحفظ».
الجلسة العلنية لاختيار الأمين العام الجديد أرجئت لساعات عدة، بعد اعتراض قطر على أن يكون المرشح المصري هو المرشح الوحيد لشغل المنصب الذي سيتركه الأمين العام الحالي، نبيل العربي، بعد انتهاء فترته في حزيران المقبل، وإعلانه في وقت سابق عن عدم رغبته في شغل المنصب لفترة ثانية، كما يحق له بحكم اللوائح المنظمة لعمل الجامعة العربية.
الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب شهد خلافاً حاداً حول بقاء المنصب في حوزة مصر، بصفتها الدولة التي يتواجد فيها مقر الجامعة، وهو عُرْفٌ تم العمل به منذ نشأة الجامعة العربية، في ما عدا مرحلة الثمانينيات التي شهدت قطيعة عربية لمصر، على خلفية إبرامها اتفاقية كامب ديفيد مع العدو الإسرائيلي، حيث تولى التونسي الشاذلي القليبي منصب الأمين العام من العام 1979 وحتى العام 1990، ليعود بعد ذلك المنصب، وكذلك مقر الجامعة، من تونس إلى القاهرة.
وكان لافتاً أن السودان تقدمت، يوم أمس، بمرشح رسمي لمنصب الأمين العام هو مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الخارجية السوداني الأسبق، وذلك على خلاف ما أتُفق عليه في الجلسة الأولى السرية، التي لم تشهد سوى تقديم مرشح واحد من جانب مصر هو أبو الغيط.
وفي الجلسة السرية الثانية، التي تم تأجيلها لبضع ساعات، طالبت قطر بتأجيل التصويت على اختيار الأمين العام الجديد إلى الشهر المقبل، محاولة الترويج لفكرة تدوير المنصب بين دول الجامعة وإيقاف «استحواذ القاهرة عليه»، حسبما سرب أحد أعضاء وفد الخارجية القطرية للإعلاميين، إلا أن الجلسة الختامية شهدت سحب قطر لطلبها، وكذلك سحب السودان لمرشحها.
هذا الأمر عكس من جديد أجواء التوتر الناجمة عن طموح الدول الخليجية، وعلى رأسها قطر، في أن يكون الأمين العام الجديد من دول مجلس التعاون، أو بالحد الأدنى كسر احتكاره من جانب مصر في ربع القرن الأخير، خاصة أن قطر سبق أن سحبت مرشحها عبدالرحمن بن حمد العطية لمصلحة نبيل العربي في العام 2011، وهو ما دفع بها إلى الضغط لكي لا يتكرر هذا الأمر، خصوصاً بعدما رشحت القاهرة أبو الغيط، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الدوحة إبان شغله لمنصب وزير الخارجية المصرية في العام 2004، وبعد تركه في العام 2011 بعد سقوط نظام حسني مبارك.
وقال مصدر دبلوماسي مصري مطلع لـ «السفير» إن «ترشيح مصر لأبو الغيط يأتي كعُرف للأسرة الديبلوماسية المصرية بترشيح أكبر المنتمين إليها سناً وترقياً في السلك الديبلوماسي، لهذا المنصب، الذي يُعد على أهميته تكريماً أخيراً لشخص خدم الديبلوماسية المصرية لفترة تزيد على الثلاثين عاماً، وأنه بخلاف هذا لا يدل اختيار أبو الغيط على توجهات تريد القاهرة إنفاذها داخل الجامعة العربية».
وكانت الجامعة العربية قد شهدت خلال العام الماضي سجالات عدة كان طرفاها المباشران كلا من القاهرة والدوحة، وأشهرها تحفظ الأخيرة على الضربات التي شنها سلاح الجو المصري ضد مواقع لتنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا في شباط من العام الماضي، وذلك رداً على ذبح التنظيم المتشدد لاثنين وعشرين مواطناً مصرياً.
وكان مصدر مطلع على جلسات وزراء خارجية دول الجامعة قد صرح لـ «السفير» أن «مسألة ترشيح أبو الغيط بشخصه لا يمانعها معظم الدول الأعضاء في الجامعة العربية، بدليل حصوله المسبق على تأييد تسع دول، بمجرد أن أعلنت مصر عنه كمرشحها لشغل منصب الأمين العام. ومن بين هذه الدول التسع دولٌ من مجلس التعاون الخليجي». وأشار المصدر إلى أن «تحفظ الدوحة في المقام الأول، وبعد ذلك الخرطوم، أتى كمحاولة لنقل المنصب إلى دولة جديدة غير دولة المقر بخلاف العُرف السائد منذ نشأة الجامعة العربية».
وفي السياق ذاته، قال المصدر إن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قد أعلن بشكل قاطع عن رغبة القاهرة في أن يفوز مرشحها بالتزكية، وذلك في الجلسة السرية الأولى في اجتماع الأمس.
وفي ما يتعلق بمسألة تدوير منصب الأمين العام بين دول الجامعة وكسر احتكار مصر له، قال مصدر ديبلوماسي في الخارجية المصرية لـ «السفير» إن «وضع الجامعة العربية الحالي لا يمكن أن يحتمل خلافاً بين الدول الطامحة إلى إزاحة مصر من منصب الأمين العام، خاصة في ظل الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية، حيث أن الدفع بأمين عام للجامعة لا يحظى بإجماع كل الدول العربية يعد مؤشراً على أن الخلافات داخلها أصبحت عصية على الحل والعلاج، وأن الجامعة أضحت ممراً لإنفاذ إرادة بعض الدول النافذة، وهو ما يعني في الواقع انتهاء الفكرة التي قامت من أجلها قبل ما يزيد عن ستين عاماً».
بشكل عام، فإن مسببات التوتر في أروقة الجامعة لم تتبدد بفوز أبو الغيط بمقعد الأمين العام، إذ إن الخلاف حول جنسية وشخص الأمين العام الجديد كما طرحت الدوحة أمس يأتي كانعكاس للتباين بين مواقف دول خليجية، وعلى رأسها قطر والسعودية، وبين مواقف مصر حول الأزمة السورية، وإن كان هذا لا ينفي وجود توافق كامل حول قضايا أخرى مثلما حدث قبل أيام في تصويت الدول ذاتها على بيان يصف «حزب الله» بالتنظيم «الإرهابي»، وهو الأمر الذي يشي بأن مبدأ التحدي والاستجابة سيكون الفاصل في مجريات الأمور في الجامعة العربية بحسب نفوذ الدول المؤثرة داخلها.
*السفير(لبنان)
التعليقات